الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 23rd May,2005 العدد : 107

الأثنين 15 ,ربيع الثاني 1426

(محاكمة شهر زاد)
تأملات في كتاب (الحريم الثقافي بين الثابت والمتحوّل) لسالمة الموشي
سهام القحطاني

(رغم بشرتي البيضاء.. أنا امرأة زنجيّة بمعنى ما.. كنت موؤدة تحت صحاري الجاهلية.. وصرت في عصر المشي فوق القمر.. موؤدة تحت رمال الاحتقار المتوارث.. والإدانة المسبقة لي.. لا أفتش عن الحب.. أفتش عن امرأة مثلي.. وحيدة متوجعة.. كي أمسك بيدها.. ونحن نلد وحيدتين على أشواك الحقول.. وننجب أطفال القبيلة.. الذين سيعلّمونهم فيما بعد احتقارنا!)
غادة السمان
يدخلنا كتاب (الحريم الثقافي بين الثابت والمتحول) للكاتبة (سالمة الموشي) إلى عوالم مختلفة من الجدليات، فهي لا تشرّح الذات الأنثوية فقط عبر الأثر الأدبي، بل تتجاوزها لحرق مناطق الجراح التي شوّهت وعيّ المكوّنات الخالقة والخانقة ل(أنا/ والآخر)، لعل الخرق والحرق، يطهّر الجذور فتنمو البذور خارج ظلال وضلال متاهات المفهومات والشكلانيات المتطرفة والمتغطرسة، التي تعبث بملامح كل شيء، ففي (الظل كانت الأجسان لوناً ضبابياً لا يستقر له شكل، وحين تأطرت الجهات صار كل شيء يبعث عن النشاز) كما يقول القاص محمد دحو
يقدم لنا الكاتب (ثللا) من المعدلات الثنائية، التي نسجت شرنقة من حبال الإعدام لاصطياد العصافير الباحثة عن هواء الحرية (فكانت حكاية المرأة/ الإنسان ليست إلا ذلك الكائن الذي يحيا خفية في حكاية من الحكايات، أجل حيكت وتحاك، وراء الجدران، وعلى أوراق مدموغة باللاءات الصارمة والمتعددة... إذ لا يمكن تجاهلها، أو القول بأننا في الطريق لننجو من استبدادها بذاكرة اليوم وبامرأة اليوم) ص 1617
نعم هي حكاية من الحكايات نجهل راويها الأول.. ومع ذلك ظلت تتنامى مخترقة حدود الزمان والمكان، مات بعض من رووها وأصيب البعض الآخر بلعنة المسخ، فتاهت ملامحهم مع ملامح القردة والخنازير، والتاريخ يمتلئ بالحكايات أغلبها من نسج الخيال، والمرأة هي أول من صنعت الخيال وهي أول من علّمته للرجل عندما كانت تنيم أطفالها على أهازيج الحكايات المتخيّلة، ف(ست الحسن) و(الشاطر حسن) خيال من خلق الخطاب الحكائي الشهرزاديّ، والمرأة عندما تقدم المرأة في حكايتها.. ضعيفة تحتاج إلى الرجل لينقذها من الظلم، وتظل شهر زاد تحكي وتكذب وتحكي وتكذب وتحكي وتكذب، وبعد الليلة الألف اكتشفت أنها أصبحت مجرد (جارية) تحكي للسلطان، ألم تختر من البداية هذا المصير..! وعندما حاولت أن تكسّر الحرملك وليالي الحكايات أمر شهريار بقطع عنقها.. كانت ستكون هذه هي نهاية قصة شهر زاد لو رفضت أن تكمّل الحكايات، وكل عنقها المقطوع سيكون مفتاح الحرية الذي سيفتح باب الحرملك لتطير العصافير المخنوقة.
في ألف ليلة وليلة شهريار الرجل هو الذي انتصر على شهر زاد المرأة، لأنه حبسها في خزانة الحكايات وأصبحت شهر زاد، تمثل الصورة المتخيلة للمرأة الأنثى، لا المرأة الإنسان، والفرق بين (الأنثى) و (الإنسان) كالفرق بين الصورة المتخيلة والصورة الحقيقة للشيء الواحد.
أقول قدم لنا كتاب (الحريم الثقافي) ثللا من المعادلات هي الصانعة للذات الأنثوية، ذات مشتتة مابين (المرأة والأنثى) (المرأة والإنسان) (المرأة والمكوّن) (المرأة والتعليم) (المرأة والمجتمع) (المرأة والثقافة) (المرأة والأثر الأدبي) والتي تعتمد على المعرّف والحجة والحيثية بالمناسبة والعلاقة المخصوصة بينهما الموجبة للإيصال إنما تكون على نحو الكلية فالمراد بالحيثية في الموضوع هو ما كان له دخل في الإيصال لا ما كان موصلا بالفعل.
إن الحيثية تارة تكون إطلاقية وتارة تقييدية وتارة تعليلية، وإن كانت الحيثية المشمولة عليها تلك المعادلات الثنائية تقيدية، بمعنى أنها إشارة إلى الاستعداد الذي في ذات الموضوع والذي به تترتب الغاية على الموضوع.
وكل ثنائية من تلك الثنائيات تتحرك وفق إشارة دلالية تتكئ علي حيثيّة تقيدية تنتزع منها الكاتبة ما يتضاد من فعل الوعي المكسّر لسجن (الحريم الثقافي) والمتعانق مع ذهنيّة مثبّت دلالة (الحريم الثقافي) في المكوّن الاجتماعي.
إن تفكيك تلك الثنائيّات التي تُسيّرها الكاتبة عبر خطيّة تحريث مكوّن فعل هيمنة دلالة الحريم وتشكيله، باعتباره (أرضية حراك) يشكّل (الوعي النمط ضاغطا معرفيا تمثلته المرأة مديدا، يعاد إنتاجه، ويعاد إنتاجها ككائن معرفي متنامٍ حضورا بلا فعل وصوتا بلا لغة) ص39 وهي تهدّف من خلال ذلك التفكيك إلى (مواجهة حقيقة الخطاب الداخلي النابع من الذات الأنثوية الكاتبة، والمتمظهر في المشهد الثقافي بمثابة نموذج واع) ص9 وتسعى إلى (محاولة لنبش في ذاكرة منجز أدبيات الحريم الثقافي العمل من خلال ضرورة نقد ثقافة الأنثوي في مكمنها وحراكها، وليس نقد النص على علاته، أن نحيط بالمعضلة، وأن نواجه حقيقة الانسياق في لعبة الجمل في مجالها وحراكها عبر (القصة، الرواية، الأقصوصة) التي عملت على مدار المراحل الماضية في تناغم كبير ومستمر ضد الهوية/ الخطاب)مقدمة الكتاب.
باعتبار أن النص الأدبي وثيقة نبحث من خلاله عن الإنسان ونحن ندرس الوثيقة لنتعرف عليه والوثيقة حطام ميت ولا قيمة لها إلا كدلالة على الكائن الكلي الحي، كما يذهب تين وهذا أمر سأفصل معطياته لاحقا.
أخذت المرأة منذ البدء في التحول من (وجود) إلى (مفهوم)، ولاشك أن هناك العديد من الالتواءات الدلالية والإبستمولوجية الثاوية خلف هذا التحوّل، الذي لا أبالغ إن قلت إنه أسهم في إخراج المرأة من دائرتها البشرية، إلى شبكة معقدة من الدلالات المتخيّلة الشهرزاديّة، حتى أضحت صورة غريبة عن الإنسان الحقيقي/ المرأة، صورة متخيلة مختلفة عن الشيء الحقيقي، لتصبح شيئاً ثانياً مشابهاً له ومصنوع على شاكلته، والصورة المتخيّلة، ليست حقيقية، بل تبدو كأنها حقيقية، وهكذا تتموقع المرأة مابين صورة وجودها (الحقيقي) المقصى وصورة وتواجدها (المتخيل) الحاضر من قبل تاريخ الذهنيات، التي توحي بأن المرأة غير قادرة على تمثيل دور أو إنتاج رؤى مستقلة، وهذه الممارسة المقصودة لفعل انزياح الحقيقي وإحلال المتخيّل قديمة العهد، فصورة المرأة المتخيّلة في الميراث الإنساني تمثل حمولات متعددة الوجوه منذ الخطيئة الأولى (تفاحة آدم) والخروج من الجنة، مرورا بخطيئة الجريمة (هابيل وقابيل) وحتى الموروث الإسلامي الذي برأ المرأة من نظرية الخطيئة، ما لبث الرجل المسلم أن احتال على ذلك الموروث ولفّ عنقه لإعادة المرأة إلى سيرتها الأولى إلى تاريخ الخطيئة، ولو عدنا إلى الكثير من الأمثال البدوية (كونها خلاصة التجربة الجماعية) لوجدنا أنها تعبر عن المرأة في صورتها المتخيلة الغالبة على الوضع الاعتباري لمفهوم العلاقة بين المرأة والمجتمع، أقول نظرا لقوة الانزياح الممارس لإبعاد الصورة الحقيقية للمرأة والإحلال المقصود للصورة المتخيلة لها، غدت الصورة المتخيلة للمرأة شبها ومثيلا لصورتها الحقيقية (الإنسان) بعد عزلها عن الوجود. وأصبحت الصورة المتخيلة الشهرزاديّة، والمحددة باعتبارها تشابها، تملك سمة مميزة وواضحة، بصفتها وجودا وكائنا، أي حاملة التعريف الرسمي للمرأة في الوجود. إنها لعبة التشابه واللاتشابه، الهوية والاختلاف. وهذه اللعبة تعمل على طرد الصورة الحقيقية للمرأة وإبعادها عن الوعي الاجتماعي وإدخالها في حقل الخيالي والوهمي، لإحلال الصورة المصنوعة المتخيّلة الشهرزاديّة محلها، وهي لعبة يمارسها الوعي الاجتماعي بلا وعي كدال من، (أهم الدوال التاريخية التي تعمدت اختراع الكثير من الإقصاءات غير المحدودة، والاشتراطات غير المبررة في علاقتها بالأنثى، فهي مرتبطة بدوافع لاواعية، وقبلية استلهمت ادعاءها وحراكها من الخافية الجامعة، ومن سقطة الخطيئة حسب ميتولوجيا الشعوب والتي كانت نتاج مغامرة حواء في التذوق من شجرة المعرفة) ص46
في العادة الدلالة صفة قائمة بالدال ولا يقتضي نشوؤها مرجعي علمي لتفسير علاقة الدال بالمدلول ولا على استعمال الدال في المدلول ولا على إرادة المدلول من الدال، فهي تكتفي لحصول العلاقة على مرجع وضعي أو طبيعة عقلية خاصة وهما ما يصنعان النسق، والنسق بدوره يعتمد على الصورة المتخيّلة بل ويسعى إلى الحفاظ عليها كما ورثها، وهكذا يظل التطابق في الانتقال الخطي عبر الأجيال، من خلال ما تسميه الكاتبة (العقل المستزرع) الذي يسعى (أمام مستويات لاوعي جمعي على هذا النحو وهو تحديدا ما طال الذات الأنثوية في صميم العقل المستزرع بعناية بدا الحضور متواطئا مع إلهام النتيجة، ثم إنها في واقع الحال بقيت ذلك الكائن الذي هجره وعيه إلى مستويات لا وعيه الجماعي التي استسلم لها والتي تتحمل تحديد الوجهة بتعبير يونغ، إنه ليس أسطوريا الكائن الواعي بماهية وجوده، فكره، ما أعمل فيه، بل الأسطوري هو ذلك الكائن الذي يستمر في تعضيه الذي يبدو بلا نهاية) 47
ولاشك أن البطل الحقيقي للمحافظة على خطية انتقال الصورة المتخيلة مع المشابه الخارجي المفصول عن الوجود الحقيقي هم حرّاس النسق وصنّاع آلياته المختلفة. الذين نجحوا في (إعادة صياغة لدور الحريم البدائي) ص34 لقد غرز الوهم مسرحيته الكوميدية داخلنا لنحسب أن المرأة خارج قنينة الماء تختلف عندما تكون داخله، إنه نوع من الخداع البصري، يشبه ألعاب العلوم التي كنا نمارسها ونحن طلاب، فالقلم داخل الماء منكسرا وخارجه مستقيما، إنها خدعة بصرية تختلط من خلالها الأمور علينا، نتيجة الخداع البصري الذي يمثل مظهرا من مظاهر ارتباط الخيال بالإحساس، لكن الحقيقة أن وضع الشيء هنا وهناك.
وعادة ما يترتب على لعبة الانزياح والحلول ما بين الصورة الحقيقية والمتخيّلة (تأسيس وضع جديد يتمثل في المكانة الوسطى التي أصبحت الصورة تحتلها بين الوجود واللاوجود، بين الحضور والغياب، بين المرئي واللامرئي.) كما يقول أفلاطون
إذن نحن أمام مأزق (الصورة المتخيّلة) للمرأة في وعي النسق الاجتماعي والذي يتعامل من خلالها، فالعقل يدرك صور الأشياء بما يصير إليه من تخيّل، وهكذا يغدو التخيّل شرطا للوعي بالتصور الذي هو تركيب للمصادقات، وتكوين سلطان النسق الذي (يعمل الوعي الجمعي عبر التاريخ من خلال سطوته الكبيرة والمؤثر الممتد إلى مكمن الوعي الأنثوي، وهو على نحو ما ينطلق من بنية دينامكية الحراك منذ تاريخ يصعب تحديده) ص116
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved