الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 23rd May,2005 العدد : 107

الأثنين 15 ,ربيع الثاني 1426

فيلمون الضاحك
عبدالسلام العجيلي

فيلمون وهبه، الفنان الكبير الراحل، ليس بين المستمعين العرب من لم يعجب بألحانه ويطرب له، ولاسيما في أغانيه الفيروزية، ومن لم يستمتع بمشاهدة أدائه التمثيلي الكوميدي. أما جانبه الفكاهي الذي يتبدى في دعاباته ونكاته وزجله، فقد كان الاستمتاع به من حفظ أصدقائه ومعارفه المقربين. وعلى قلة فرص اجتماعي به، نظرا لتباعد المسافات والاهتمامات بيننا، فقد كانت لنا لقاءات أشركتني بفصول شيقة من ذلك الجانب الفكاهي المرح، كنت في بعض الفصول مجرد مشاهد أو مستمع، وكنت في بعضها الآخر طرفا معنيا. وفي مايلي أروي بعضا من حكايات تلك الفصول التي شهدتها أو سمعتها منه.
لم تكن تفوتني حفلة من حفلات فيروز والرحابنة على مسرح معرض دمشق الدولي أيام مواسمها القديمة في الصيف. كان من عادتي قبل بدء الحفلة أن أدخل الكواليس في المسرح لأحيي الفنانة الكبيرة وعاصي ومنصور، وأحيي العديدين الذين أعرفهم من الممثلين.. وفي إحدى المرات جئت من بلدتي، ثم إلى صالة العرض، متأخرا، فاتجهت مباشرة إلى مقعدي في المدرج دون أن ألتقى قبل ارتفاع الستارة بأحد من أعضاء الفرقة، ومن بينهم فيلمون، كعادتي.
كان دور فيلمون في مسرحية الرحابنة الغنائية في ذلك الموسم دور غنام بدوي يأتي بقطعانه من الكويت مارا بالعراق ثم بسورية في طريقه إلى لبنان. دخل إلى المسرح وهو يروي لرفاقه من الممثلين ما مر به من مراحل سفره الطويل هذا. وحين أدار نظره إلى جمهور الحضور في المدرج المزدحم وقعت عينه علي. لعله فوجئ بذلك. إلا أنه استمر في رواية حكاية رحلته بأغنامه فقال: ومن الموصل في العراق دخلنا سورية. وصلنا إلى مدينة الرقة على الفرات.. وهناك نزلنا ضيوفا لمدة ثلاثة أيام على الرجل الطيب الذي هو عبدالسلام العجيلي ..
كان إقحاماً مرتجلا لاسمي، مفاجئا لي، كما كان كذلك لجمهور المشاهدين. علا التصفيق في أنحاء المدرج ممن يعرفني وممن لا يعرف، كما استدارت الأعناق ليثبت أصحابها مكاني بين المتفرجين، ولأتلقى إشارات التحية من أيدي الكثيرين منهم. وظللت كل أيام إقامتي في دمشق في تلك الفترة يخبرني أصحابي بأنهم عرفوا بوجودي في العاصمة من تلك التحية المسرحية العلنية والجميلة من فيلمون.
ومع الرحابنة أيضا. دعوتي لحضور واحدة من حفلاتهم، ولكن في بعلبك هذه المرة. كنت يومها متقلدا أحد مناصبي الوزارية، إلا أني جئت بعلبك وحدي، وفي سيارتي الخاصة، صديقا ومتفرجا عاديا بغير أية صفة رسمية. ذلك أمر لم يتعوده الناس في لبنان من الرسميين، والوزراء في أولهم. فالرسميون يكونون في العادة محاطين بعدد قليل أو كثير من الأتباع والمرافقين.
استرحت بعد وصولي إلى بعلبك في فندق بالميرا مع بعض الأصدقاء، ومنهم فيلمون، في انتظار بدء الحفلة. فلما حان الموعد قصدت ساحة المسرح مع أولئك الأصدقاء، ومشيا على الأقدام، لقرب المكان. أقبل علينا أحد المعارف، وسمعته يصيح: ماهذا يا فيلمون؟ ما هذه المشية؟ التفتّ فرأيت فيلمون ورائي منتصب القامة، يمشي بخطى شبه عسكرية، وقد وضع يده على مقبض مسدس مغروس في خصره ظاهر للعيان. وسمعته يقول، وهو يعنيني بكلماته:
معالي البك جاي من دون زلامه (يعني أتباعه ومرافقيه كما هي العادة لكل وزير)... أنا زلمته؟
ضحكت أنا يومها وتأبطت ذراعه مترافقين إلى ساحة المسرح.
وهذه حكاية ثالثة لفيلمون لم أشهدها، وإنما هو رواها لي. قال:
كنت في الكويت أشارك في حفلة في مناسبة أحد الأعياد. وقفت على المسرح وأنهيت دوري في الحفلة بقصيدة ألقيتها على الجمهور الحافل من الحضور، المتميزين في طبقاتهم المختلفة.
أبيات القصيدة كانت هذه:
جئت الكويت مهنئا بالعيد
وحملت من لبنان لحن نشيدي
وحملت من بلد العروبة والمنى
بلد العلى والمجد والتغريد
قد جئت في طيارة وحدي أنا
خايفْ وحاطط قلبي على إيدي
ياميت هلا يا مرحبا بشيخ العرب
وبسالم وموفق وسعيد
لبنان أهلي والكويت أحبتي
ولأجل حبهما نظمت قصيدي
ما أجمل الساعات في بلد الرؤى
يا حبذا كم ساعة في إيدي!
قال فيلمون: ما أنهيت إنشاد البيت الأخير حتى راحت الساعات تتطاير في جو القاعة لترتمي على أرضية المسرح أمامي.. ساعات يد متعددة الأشكال والألوان والأثمان، قذفها حضور الحفلة، كانت من الكثرة بحيث كونت أمام قدميّ كومة صغيرة..
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved