الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 23rd May,2005 العدد : 107

الأثنين 15 ,ربيع الثاني 1426

في ذكرى اليوم العالمي للكتاب 3 3
النشر عربياً .. الواقع والمشلات
عبد الله الماجد
الكتاب في موروث الأمم، ركن ركين في كيان وحضارة الأمم، الرسالات الإلهية إلى أنبياء الأمم؛ تجمعت في كتب، وتعددت الإشارة إلى الكتاب في نصوص الوحي الذي تنزل على أنبياء الخالق. وسيظل الكتاب أرقى وآمن مكانز المعرفة الإنسانية.
هذه الكلمات تمجيد للكتاب في يومه العالمي. وليس اجلّ ولا أسمى تمجيداً، من أن أول تنزيل من كلمات اللّه سبحانه وتعالى على خاتم أنبيائه ورسله؛ كانت كلمة (إقرأ) التي انعقد بلوائها إنشاء الكتاب وصناعته، للقراءة والعلم والتذكر والحفظ.
وفي ختام هذه المشاركة بالاحتفال بيوم الكتاب، التي نحيت فيها إلى عدة مناحٍ، ركزت على نبش الذاكرة وإبراز المؤلم، وصولاً إلى محاولة تشخيص الواقع وعرض مشاكله وعقباته، وهي ما أحاول بسطه أمام القارئ في هذا الجزء، مقرونًا بالأماني الطيبات لتذليل تلك العوائق التي أراها تحبط وتعيق انطلاق جزء مهم في كيان الصناعة الثقافية المعاصرة.
وليسمح لي القارئ، وناشر هذا الموضوع أن استعيد جزءاً مما طرحته في مناسبات سابقة تحدثت فيها جهاراً عن هذا الشأن.
فالمشكلات والعوائق التي تؤثر في صناعة النشر، لا تَشذ عن تلك العوائق التي من الممكن أن يواجهها أي منتج عربي.
إنها دائرة من دوائر متلاحمة، تُشكّل ذلك الترهل والتخلف الإداري، الذي يقف حاجزاً أمام أي مُنتج عربي، تُكبله وتتصيد الأخطاء، دون أن تَتَبنى بوادر الانطلاق.
ويمكن هنا رصد بعض تلك المشاكل، التي تعاني منها صناعة النشر فيما يلي:
عدم التخصص: بمعنى أن عدداً من الناشرين على المستوى العربي، دخلوا مجال النشر.
في ظروف ربما صنعتها المصادفة في البحث عن مجال للعمل، فكثير من الناشرين صقل تجربته من الممارسة، ذلك أنه حتى الآن لا تتوافر في أقسام الكليات الإنسانية بالجامعات العربية مادة تعنى بتخصص النشر أو الطباعة.
كما أن اتحادات وجمعيات الناشرين لاتتبنى دورات تدريبية في مجال النشر ولذلك فإن الخبرات في مجال النشر تنتقل فيما بين هذه الدور، وجزء منها هو ما يستطيع أن يدخل هذا المجال كناشر مستقل.
لا تتوافر خطط للنشر: أي أنه ليس لدى معظم دور النشر خطط لما يجب أن تنشره. بحيث تعتمد هذه الخطط على واقع الاحتياجات أو الموضوعات التي يجب أن تنشرها. في واقع الحال، إن رغبات المؤلفين هي التي توجه صناعة النشر، ليس لدى دور النشر خطط لما يمكن أن تنشره؛ بل تنشر ما هو جاهز لديها للنشر وليس لما يجب أن تنشره.
وإذا كان الترهل الإداري، هو سمة الواقع العربي على مختلف المناحي والأصعدة، فإن دور النشر وهي جزء من هذا الواقع، تعاني من هذا الترهل، ويمكن رصد الواقع الحالي السائد بين دور النشر فيما يلي:
ليس بين دور النشر العربية، أي تعاون أو اتفاقيات، ذات ثقل تدفع بحركة النشر العربية لتصبح ذات ثقل مؤثر في حركة النشر العالمية، مثل النشر المشترك في الأعمال التي تتطلب جُهداً مزدوجاً، وهي تلك المشاريع الكبيرة مثل الموسوعات، أو برامج النشر المشترك، التي تحتاج إلى اتفاق مالي وجهد إداري. ويكاد التعاون ينحصر بين دور النشر العربية. في تبادل توزيع الإصدارات، والتمثيل في المعارض. بل إن التنسيق بين دور النشر العربية فيما تنشره، غير موجود فيتكرر نشر موضوع واحد في أكثر من دار نشر، وكما قلت قبل ذلك، فإن سياسة النشر توجهها رغبات المؤلفين وليس خطة مدروسة معتمدة، بل إن بعض دور النشر تتسابق على اختطاف بعض المؤلفين، الذين يحققون نجاحاً في كتاب ما، فإذا ما حقق كتاب لمؤلف ما نجاحاً، وبدأ نجمه يلمع، تتصيده دور نشر أخرى بالإغراء لتجذبه إليها تماماً كما تفعل أندية كرة القدم في تصيد نجوم الكرة وفي واقع الأمر، إن الذي يحقق لمؤلف ما نجاحاً، هو جدية وأهمية الموضوع الذي يؤلف فيه، ثم دار نشر تحتفي بهذا العمل وتعمل على نشره وتوزيعه، وبدونها فإن الكتاب سيظل ورقاً في الظل حتى يتم شهره بالانتشار، فالناشر يساهم بنصيب أساسي ووافر في صناعة وانتشار المؤلف.
مشكلة توزيع الكتاب العربي، هي جزء من مشاكل توزيع وتبادل المنتجات العربية الأخرى، وهي نتاج لمشاكل كثيرة يعاني منها التبادل التجاري بين الدول العربية. وهي في ظني تشف عما يعتري واقعنا العربي من مشاكل وتخلف إداري، ففي حين يوحد العالم أو على الأقل كل مجموعة متجانسة من هذا العالم أنظمته تتسع الهوة بين البلدان العربية في أنظمتها فيما بينها.
وللأسف فإن الاختلاف السياسي يعصف بالكتاب في طريقه ويحصره في دائرة عنكبوتية من الإجراءات. تصور أنك إذا ما أردت أن ترسل رسالة (شحنة) من الكتب إلى بلد عربي آخر، فإن ملفاً من الأوراق والإجراءات لابد من اكتماله بالتواقيع والطوابع والموافقات والرسوم. إنك تستغرب أن بلداناً عربية فيما بينها لاتزال تطلب ما يُعرف، (بشهادة المنشأ) كما لو كانت هذه الكتب قد طبعت في إسرائيل مثلاً، وتم إدخالها إلى بلد عربي ثم إلى بلد عربي آخر. المشكلة جزء من دائرة، بل دوائر متلاحمة من الترهل الإداري الذي يقف حاجزاً أمام أي منتج عربي.
أصبحت معارض الكتب مع ما يتحمله الناشر من أعباء مالية أثناءها هي الإدارة الرئيسة لانتقال الكتاب العربي مباشرة ما بين الدول العربية، ولذلك فقد أصبح القراء والمهتمون بالحصول على الكتب، ينتظرون معارض الكتب ولا يأبهون بما تحويه المكتبات في بلدانهم، التي تنتظر زمناً حتى تحصل على ما يصدر في كل بلد عربي بعد صدوره مباشرة.
إن الأمل في مؤسسة عربية لتوزيع الكتاب، يشترك فيها الناشرون العرب، تتحمل أعباء توزيع الكتاب العربي. لكن ظهور مثل هذه المؤسسة في ظل الواقع العربي المحبط بكل الإجراءات التعقيدية، أصبح مجرد فكرة.
لكي أكون موضوعياً، فإن جزءاً كبيراً من مشكلة انتقال الكتاب العربي تكمن داخل حدوده، يتحملها الكتاب العربي نفسه، إذا ما أصبح منشوراً سياسياً دعائياً مأجوراً، أو موضوعاً جنسياً مفضوحاً يخدش الحياء الإنساني، أو يتناول الأديان بالإسفاف بحثاً عن مخالفة المألوف بحثاً عن الشهرة. ولا يفهم من هذا الطرح أنني في مواجهة حرية الفكر والإبداع، فالذي أعنيه أبعد ما يكون عن الحرية التي يجب منحها للفكر والإبداع. فالحرية تؤخذ من داخل العمل، يفرضها ولا تمنح بالتحايل عما يسمى بالكشف عن المستور، لقد أُحرقت كتب ابن رشد في زمنه لكن نسخاً منها ظلت تتداول حتى الآن. وغيرها من روائع الفكر الذي بقيت من أهم الروائع والآثار الخالدة، تصارع المنع، لأنها لم تكن مُسفّه أو تتصيد لحظة الشهرة والاشتهار.
أما قضية التزوير، فإنها آفة لا يسلم منها الكتاب العربي أو الغربي. حيث يكون الكتاب رائجاً ومطلوباً، فإنه يُذبح على مقصلة التزوير. لقد كتب أحد أساتذة علم المكتبات والنشر منذ زمن مقالاً عنوانه (تزوير الكتب عار عربي) وهو أبلغ تعبير قرأته عن هذه الظاهرة. وللأسف فلم تفلح القوانين والإجراءات في قمع هذه الظاهرة المؤذية، وطالما وجد على هذه الأرض من يزور الأوراق المالية، فإن تزوير الكتب يعتبر أسهل ظواهر التزوير.
لا تزال دور النشر العربية، في معظمها كيانات فرديّة، لا تتصف بصفة المؤسسات، وهذا سبب من أسباب ضعفها.
وإذا كانت هذه هي مشكلات أو معضلات صناعة النشر، فما المطلوب للمساهمة في تذليلها؟ ليس من خطتي، أن أتصيد ما اعتبره إملاء لرغبات أحد المعنيين بهذه الصناعة. إذ أنني مازلت اعتنق مبدأً مهماً، ألا وهو أن الثقافة الجادة المؤثرة في الإنسان ورقي الأمة، يجب أن تدعمها الحكومة بشكل مباشر، حيث لا تكون هذه الثقافة خاضعة أو مهددة بعامل حسابات الخسارة والربح، إن الثقافة حق للجميع، مثلها مثل التعليم، كالماء والهواء.
ولذلك فإن قطاعات مهمة في الدول لا يجب أن تخضع لمنهج الخصخصة، منها التعليم، والصحة والثقافة، هذه القطاعات هي مسؤولية الدولة وواجبها تجاه شعوبها. إن النجاح المشهود لما تحقق في هذه القطاعات، منسوب لرعاية الحكومات الواعية بمسؤوليتها تجاه مواطنيها. دعم الثقافة ومنها صناعة النشر يتم من خلال ما يمكن تصوره فيما يلي:
دعم مالي لدور النشر التي تُنتج إنتاجاً متميزاً في مدة لا تقل عن خمس سنوات ماضية.
دعم مشاريع الترجمة العلمية والثقافية التي تنفذها دور النشر.
وضع خطة لمشروع (القراءة للجميع) تتولى دور النشر تنفيذه وفق خطة ترسم ملامحها الأساسية وزارة الثقافة والإعلام، يصدر من خلالها على الأقل خمسون عنوانًا سنوياً تباع بسعر رمزي، عبر دعم مالي مباشر من الوزارة. ويطبع من كل عنوان 10.000 نسخة.
تدعيم علاقة المؤسسات الحكومية بدور النشر المحلية، في كل ما يتعلق بالاتجار في هذه الصناعة، وتفضيلها على الناشرين من الخارج.
تذليل العقبات أمام تصدير المنتجات التي تنتجها دور النشر، ودعم اشتراكها في المعارض الخارجية للكتب فيما يتعلق بالشحن وتسهيل الإجراءات الإدارية، ومنح مندوبي الناشرين تذاكر مخفضة.
دعم هيئة الناشرين السعوديين، ومنحها الاستقلالية لتمثيل الناشرين لدى الهيئات الحكومية، دون فرض القيود والمعوقات أمام أدائها العملي.
ولأن صناعة النشر، صناعة وليدة على المستوى العربي، فلا يجب فرض القيود عليها فيما يتعلق باستقدام الخبرات والمهن، لأنها ليست مؤسسات جالبة للعمالة. الخبرات في مجالها قليلة ونادرة يتم تبادلها فيما بين هذه المؤسسات.
دعوة الناشرين للمشاركة في الأسابيع الثقافية التي تقيمها الوزارة في الدول العربية ودول العالم الأخرى، وإقامة معارض الكتب خلال تلك الأسابيع.
تشجيع ودعم دور النشر المحلية، التي تُنشئ لها فروعاً في دول عربية وعالمية، خصوصاً في ظل تطبيق إجراءات منظمة التجارة الدولية العالمية (الجات).
إفساح مجال مهم لقطاع الثقافة، وصناعة النشر، في خطط التنمية الحكومية. وهو ما يؤهل هذه الصناعة، لانتزاع اعتراف البنوك بهذه الصناعة، وفتح المجال أمامها للحصول على اعتمادات وتسهيلات ائتمانية في تسيير أعمالها.
دعم قيام مؤسسة لتوزيع الكتاب، يساهم فيها الناشرون، مهمتها توزيع الكتاب مما تصدره دور النشر المحلية.
دعم جهود إدارة حماية حقوق المؤلف في الوزارة، وتوسيع دائرة اهتمامها ليكون حماية حقوق الناشرين، للحد من تنامي تزوير الكتب، سواء تلك التي تصدر محلياً أو الكتب الخارجية.
البحث في موضوع تأسيس هيئة لحقوق الملكية الفكرية، لحماية وتسجيل براءات الاختراع ومنها إصدارات دور النشر. خصوصاً وإن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة الدولية، سيلزمنا بتطبيق اتفاقية (التربس) لحماية الملكية الفكرية.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved