الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 23rd June,2003 العدد : 17

الأثنين 23 ,ربيع الثاني 1424

هؤلاء، مرَّوا.. على جسر التنهدات!!
الأديب .. الوزراء !!
بقلم/ علوي طه الصافي (*)

من الصعب أن تعرفه.. وتتعرَّف عليه من اول وهلة.. انك لكي تعرفه فانه لابد ان يثق فيك ليمنحك ثقته.. ليس لانه ليس مرنا في تعامله مع الآخرين.. او مترفعا، ومتزمتا.. وانما لانه يعرف ان الرجال صناديق مغلقة.. وانك لكي تعرف ما في بواطن هذه الصناديق فليزمك ان تمتلك مفاتيحها.. وهذه المفاتيح يصعب، بل يستحيل ان تجدها على قارعة الطريق.. او ان تمتلك مفتاحا مثل مفتاح "علاء الدين.." واذا عثرت على هذا المفتاح فإنك مطالب بمعرفة اسرار هذا المفتاح التي لا يعرفها الجميع لكي تفتح باب "المغارة".. او "الصندوق المغلق" ومعرفة ما بداخله من جواهر ولآلىء .. او مجوهرات كريمة اخرى.
ولانه صندوق مغلق، فهذا لا يعني انه ليس اجتماعيا.. او انه يميل الى الانطواء والتقوقع، بالعكس فهو يقابلك بهشاشة وبشاشة.. ويبادلك اطراف الحديث، لأنه يضع في ذهنه ان في الدنيا اخيارا.. وان الخير كل الخير قد يجده في شخص لا يلبس مشلحا، ولا غترة منشأة.. وهو محب للخير، لكن في صمت، ودون بهرجة، او اضواء شمسية، او قمرية، او نجومية.
وحين اقول: انه "أديب" فهو ملء السمع والبصر والعقل.. اديب عربي اصيل من طراز رفيع.. صاحب عبارة ادبية بليغة.. وجمال عبارة.. واسلوب بلاغة يعد من اصحاب الاساليب المميزة.. بديباجة عربية لا عجمة فيها.. يذكرك بأساليب الجاحظ.. والهمداني.. والزيات.. وعبد الحميد الكاتب.. ومصطفى صادق الرافعي.
لا يكتب من فراغ ليملأ فراغا.. جاد في كتاباته مع شيء من الظرف الذي لا يخرجه عن جديته.. ليوقعه في الاسفاف.. وجديته محببة الى النفس تفتح شهية قارئه دون ملل.. حتى في دعابته حين يكتب لا تسيطر على وقاره.. احتراما لعقلية من يكتب له.
ورغم انه يتعامل كثيرا مع التراث الا انك لا تجد فيما يكتبه حشو الكلام، او تقعر اللغة.. حتى في كتبه القريبة من "الذاتية" مثل كتابي "من حاطب ليل" و"ملء السلة من ثمر المجلة" يظل ذلك الكاتب الرصين الذي تجده في مجلداته "اطلالة على التراث" التي بلغت "16" مجلدا.. هذه المجلدات ليست من سفسطة الكلام.. او سقط المتاع .. انها ابحار طويل في اعماق كتب التراث واسفاره.. لا اشك انه قضى الليالي الطوال يغوص في بحرها ليجلب لقارئه اللؤلؤ المكنون.. والكنوز الغنية بالثمار.. لهذا أقبل عليها القارىء اقبالا منقطع النظير.. فقد بلغت طباعته الخمس.. وهذا يعكس ان القارىء في بلادنا مايزال مشدودا الى جذوره.. مأسورا بماضيه.. مفتونا بأصوله.
لا تجد فيما يكتبه حشوا، او فضولا، او لغوا.. انه يحترم قارئه فلا يتظاهر بشمولية معرفته من اجل الزهو والمفاخرة كما يفعل غيره حين يملأ كتاباته بالغموض والطلاسم والمصطلحات التي لا يعرف ابعاد معانيها .. كأنها ثوب مزركش .. متعدد الألوان والجغرافية "الفلكلورية" على جسم عليل مصاب بعدد من الامراض اقلها "التدرن الرئوي" .. وهذه مشكلة شباب كتاب اليوم الذين لم يفسدوا علينا جمال الادب، وذائقته العربية فحسب، بل افسدوا حتى النقد بحيث انك تعجز عما يريدون قوله، بل اشك انهم انفسهم يفهمون ما يقولون.. فأضاعوا مشيتهم، وعجزوا عن تقليد مشية من يقلدونهم.. وكأنهم لا ارضا قطعوا، ولا ظهراً أبقوا!!
قليل استعمال "الترادف" وهو ما اختلف عليه العلماء والباحثون والدارسون فمنهم من اقره.. ومنهم من نفاه على اساس ان لكل مفردة دلالتها ومعناها.. مقتصد في الكلام، لهذا يطول عنده، ويقصر.. وفق مقتضيات كل موضوع.
حين اشعر بحاجة الى مفردات جديدة فصيحة ألجأ لكتبه.. لانني اجد فيها غايتي .. فهو بهذا استاذي "غير المباشر" تعلمت منه أن أكتب الرئيسة، او "الرئيس".. عوضاً عن الرئيسية أو الرئيسي وهو خطأ سائد في صفوف جمهرة الكتاب بما فيهم "الاكاديميون" ناهيك بغيرهم.
وصدقوني انني اكتب هذا الموضوع متهيبا من الوقوع في خطأ عن جهل، او تقليد، او سرعة، او نسيان للقاعدة.. وليس امامي الا ان اقول: ان الكمال لله وحده سبحانه وتعالى.. او اتمثل بقول الشاعر:
وما أنا الا من غزية ان غَوَتْ
غويت، وان ترشد غزيةُ ارشد
وحين اقول عنه: انه "الوزراء"، فأنا لا امنحه لقبا من عندي.. وانما لأنه تولَّى اكثر من وزارة .. بل جمع بين وزارتين في آن واحد.
وما يثير استغرابي ودهشتي هو قدرته على هذا العطاء الأدبي المتواصل الذي لا يقوم به الا من يمتلك الوقت المناسب لقراءة مصادر كتبه من الاسفار التي يتكون السفر الواحد منها من عدة مجلدات.. الى جانب استقرائها، واستنتاج ابعادها، واستنباط معانيها رغم مسؤولياته الجسام.
انه دون شك كما اتصوره دقة "التنظيم" الذي اعده من مفاتيح حياته الخاصة، والعامة، وقدراته الذاتية.. هذه القدرات لو استغلها اي واحد منا الى جانب دقة "التنظيم" لاستطاع ان يثري امته وبلاده بكثير من المعطيات.. لكن للأسف الاشد تذهب اوقاتنا نهبا للعلاقات الاجتماعية والاسرية التي لا ترحم.. واذا تبقى شيء من الوقت فلثلة "البلوت".. والنوم.. وما خفي كان اعظم!! واكرر ان "التنظيم" هو المصباح السحري للنجاح في العمل خاصا، او عاما!!
قالوا عنه "بيروقراطي"، روتيني.. معقد في غير مرونة.. وشديد بحيث اذا اتخذ قرارا لا يتراجع عنه مهما كانت الظروف الطارئة.. وقالوا.. وقالوا.. والغريب في الامر انه ربما سمع ما يقال عنه، لكنه يبقى مثل "جبل رضوى" لا يرد على ما يقال.. ولا يحرص على تبرير ما يسمع!!
حين عرفته اول ما عرفته كان مديرا لجامعة الملك سعود، وأعتقد انه اول "سعودي" يتسنم هذا المنصب .. كما أعتقد انه اول سعودي حصل على شهادة "الدكتوراة" حسب علمي القاصر.. وارجو ان تكون هاتان المعلومتان صحيحتين حتى لا ينكشف جهلي.. وما أكثر ما اجهل، الى حد اشعر معه انني سأموت بجهلي الذي لا
حدود له.. {وّمّا أٍوتٌيتٍم مٌَنّ العلًمٌ إلاَّ قّلٌيلاْ }{وّفّوًقّ كٍلٌَ ذٌي عٌلًمُ عّلٌيمِ} {هّلً يّسًتّوٌي الّذٌينّ يّعًلّمٍونّ وّالَّذٌينّ لا يّعًلّمٍونّ إنَّمّا يّتّذّكَّرٍ أٍوًلٍوا الأّلًبّابٌ}
كان لاحد اقاربي الدارسين في الجامعة مشكلة لها جانب انساني نبيل.. ولن يحلها الا هو شخصيا..
وكما قلت لقد خوفوني بشدته، وصرامته، اضافة الى عدم وجود معرفة سابقة به.. وهو لا يقيم اهمية لاي معرفة، او علاقة، وبخاصة في تطبيق النظام الذي يسنه بحذافيره.
لقد سدت "شركة قالوا" الطريق أمامي كأنه واحد من المستحيلات التي ورد ذكرها في التراث العربي، والتي لا أذكر منها الا "العنقاء، والخل الوفي".. فقلت في نفسي اذا كانت انطباعات "شركة قالوا" كما سمعت فان دخولي الى مكتبه ربما كان المستحيلات العربية مجتمعة.. وربما كان سكرتيره الخاص لن اصل اليه الا بعد المرور بأكثر من سكرتير.
وبعد تفكير جاد مع نفسي ضربت لكل ما سمعته من "شركة قالوا" ظهر المجن وكتبت معروضي وذهبت الى الجامعة لهذا الرجل "الاسطورة" من منطلق التعرف على ما سمعت.. لانني استبعدت من خاطري كل شيء، معتقدا ان رجلا تربويا يفترض فيه روح الابوة والانسانية، لا يمكن ان يكون على الصورة التي رسمتها "شركة قالوا" في ذهني.
لم يكن لدي مشلح، ولا عقال "ذهبت على طبيعتي، فكانت المفاجأة الاولى ان رحب بي السكرتير، وبعد مكالمة له وجدت نفسي وجها لوجه مع الرجل الاسطورة الدكتور عبد العزيز الخويطر.. لم اصدق.. تلفت يمنة ويسرة، وهو يقف مرحبا، وبعد السلام سلمته المعروض فطلب مني الجلوس.. وحين كان يقرأ المعروض كنت من جانبي اقرأ تعابير وجهه على مضض.. وفجأة مسك القلم، وقال لي بصوت مرتفع: نحن نحب فعل الخير.. ونشجع شبابنا على تضحياتهم من اجل طاعة والديهم وبرهم.. وهو ما تأمر به شريعتنا السمحة.. وكتب بالموافقة.. وحل المشكلة في دقائق.. فشكرته، وانا ارتعش من الداخل بالفرح، والحزن معا.. بالفرح لان المشكلة قد تم حلها ببساطة، وبروح ابوية سمحة.. وبالحزن للانطباع الخاطىء الذي لدى "شركة قالوا" المزيفة.. ومن يومها شطبت "شركة قالوا" من ذاكرتي، مع طرد لا فصل كل موظفيها المعتوهين".
ولكيلا اطيل سأروي موقفا آخر عن الصديق العزيز الدكتور عبد العزيز الخويطر.. فقد حدث ان قمت بزيارة الى مدينة "جيزان".. فزرت احدى المدارس الابتدائية التي كان مديرها صديقا لي، وهي كما هو معروف تابعة لوزارة المعارف يومذاك، وكان الوزير الدكتور الخويطر.. فوجدت ان المدرسة رغم مبناها الصغير تشتمل على مدرستين.. والمبنى لم يكن مناسبا صحيا.. وغير لائق تربويا.. وهناك اوضاع سيئة ومزرية ادت الى تعطيل اي نشاط "لا صفي" فتألمت كثيرا.. ولأنني اعد الخويطر صديقا فقد فضلت ان اخبره بما شاهدت شخصيا متحاشيا الكتابة في الصحافة التي لا تقدم، ولا تؤخر، ان لم ير فيها بعض المسؤولين تشهيرا.
طلبته هاتفيا على منزله، فلم اجده، فتركت اسمي ورقم هاتفي.. ولا انكر انني شككت في اتصاله بي، اعتقادا من ان من تركت عنده اسمي ورقم هاتفي قد ينسى.. او انه شخصيا قد لا يحب الاتصال لمنزلي بعد يوم من عناء العمل الاداري والتربوي.. لكنني كنت على خطأ فيما اعتقدت اذ بعد نصف ساعة يأتي صوته من الهاتف كالجدول الرقراق تواضعا ولطفا وترحيبا، وسعادة للاتصال به.
شرحت له موضوع المدرسة بكل تفاصيله دون ان يشعرني بملل من جانبه.. فطلب مني ان ابعث اليه برسالة سرية عن الموضوع.. فماذا كانت النتيجة؟
لقد ارسل كما علمت لجنة سرية من بعض المسؤولين في الوزارة، مع توجيههم بالذهاب الى المدرسة مباشرة دون الاتصال بمدير التعليم وهو احد اقربائي الذي غضب مني يومها دون ان اعيره اي اهتمام ما دام هدفي الاصلاح العام، لأنني ارى ان الصحافة هي عيون المسؤولين.
وحين عادت اللجنة علمت من الاجراءات التي اتخذها الخويطر ان تقريرها كان مؤيدا لما شرحته، واسوأ.. فأصدر امره بفصل المدرستين من خلال استئجار مبنى آخر.. هذا مع التحقيق في بقية المسائل.
ومن يومها آمنت ان ما يحل بالاتصال الشخصي، وبالعلاقات الخاصة بالمسؤولين اهم، وانجع، واكثر فاعلية مما ينشر في الصحف التي ما اكثر ما ننشر من هموم الناس، لكنه لا يلقى آذان المسؤولين الصاغية.. هذا اذا لم يأت الرد من العلاقات نافيا كل ما نشر.. وانه عار عن الحقيقة.. مع اتهام الصحافة بالتهويش..
وأخيرا أود ان اشير الى كتاب للخويطر يتألف من خمسة مجلدات بعنوان "أي بني" وهو موازنة "لا مقارنة" كما يقضي المصطلح النقدي الفني بين الماضي والحاضر. وبهذه المناسبة اود لو تختار بعض الموضوعات من كتاب "اطلالة على التراث"، وكذلك اختيار موضوعات من كتاب "اي بني" وتقريرهما كمادة حرة للمطالعة على طلاب الثانوية العامة، والجامعة.. فهما كتابان في رأيي الشخصي يفضل مادة "التربية الوطنية" المقررة على الطلاب حاليا ولأنني لا امتلك ان اقول رأيي..
فهل يمكن ان تعمل وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي على تحقيق ذلك؟.
+++++++++++++++++++++++++++
والله من وراء القصيد.
(*) ص.ب: 7967 / الرياض: 11472
+++++++++++++++++++++++++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved