Culture Magazine Monday  23/07/2007 G Issue 208
فضاءات
الأثنين 9 ,رجب 1428   العدد  208
 

ثقافة الوافدين..ثقافة الغد الآتي
قاسم حول

 

 

إحصائية:

كان عدد المهاجرين العراقيين وخلال أكثر من ثلاثين عاما إبان حكم الدكتاتور العراقي ثلاثة ملايين لاجئ، وهم موزعون على أوروبا وأمريكا وبعض البلدان العربية والإسلامية بينهم حوالي ثلاثة آلاف كاتب وصحفي وفنان.

بلغ عدد المهاجرين بعد احتلال العراق وخلال أربع سنوات قرابة أربعة ملايين عراقي، وهم موزعون على نفس الخارطة السابقة، ولم يعرف عدد الفنانين والأدباء المهاجرين بين هذا الرقم.

بلغ عدد الأطفال اليتامى في العراق حسب إحصائية من مؤسسات الأمم المتحدة أكثر من خمسة ملايين طفل عراقي.ونفوس العراق حوالي ثمانية عشر مليونا حسب إحصائية في السبعينات من القرن الماضي.

ضمن هذا الواقع السكاني والديموغرافي يفد العراق قوم ليسوا من أبناء الوطن، لكنهم يتحدثون اللهجة العراقية وبلكنة ليست عراقية، وصاروا يسكنون بيوتا غير بيوتهم. والملاحظ أن واقعهم الاقتصادي أفضل من عامة سكان العراق! كما نشطوا في شراء المساكن والعقارات والفنادق، ويؤسسون المشاريع التجارية، وهذه الحركة السكانية الوافدة لا تتوقف. وهي بقدر ما تعمل على تغيير التركيبة الديموغرافية للعراق وتشكل خطورة على واقعه فإن لها مخاطرها على المنطقة. ولا أحد من المحيط الإقليمي يحسب لهذا التطور النائم أي حساب.

ثقافة الغد الآتي

وتبرز في العراق بعض القنوات الفضائية لتقدم ثقافة الغرباء الآتين والساكنين في بيوت غير بيوتهم. هذه القنوات تقدم برامجها أحيانا بلهجة عراقية ولكن بلكنة غير عراقية. وكأن الآتين قد جلبوا معهم ثقافتهم وثقافة أبنائهم.

ولقد انتشرت في العراق ظاهرتان: الأولى ظاهرة المخدرات. والثانية ظاهرة شرائح الدي في دي. المادتان، مواد التخدير، ومادة الأفلام على الشرائح ومنها الأفلام الجنسية (البورنو) وكذلك شرائح لأفلام العنف وأفلام روائية فاضحة تباع في الأسواق العراقية بطباعة أنيقة ونوعية صورة جيدة، بمعنى أنها مطبوعة عبر ما يطلق عليه (Glass Master) وليست مستنسخة بالأسود عبر الشرائح المتداولة في السوق. وسعر هذه الشرائح دولاران فقط، وارتفع سعرها في السنة الأخيرة 2007 إلى أربعة دولارات.

وإذا ما تأملنا أسعار هذه الشرائح وهي موجودة ضمن علب بلاستيكية أنيقة ومغلفة بغلاف ملون، فإن طباعتها مع قيمة الشريحة الخام مع الغلاف الملون واللاصق الداخلي على الشريحة، مضافا إليها السلفنة، ثم عمليات الشحن بطريقة غير مشروعة (التهريب) عبر البحار ودفع الرشوات لإمرارها من المراكز الحدودية ضمن فوضى الواقع السياسي في العراق، عملية غير اقتصادية للمنتج بل هي عملية خاسرة، فلماذا تصدر هذه الثقافة للعراقيين؟ ومن يقف وراءها؟ ولأي هدف؟

توجهت بالسؤال وعبر الإنترنت لعائلة عراقية في بغداد تستأجر هذه الشرائح باستمرار وتشاهد الأفلام المتخيلة وأفلام الجنس فخبرني رب العائلة: إننا في كل لحظة تدوي الانفجارات حول بيوتنا من الصباح حتى الصباح ونحن نعيش بالصدفة. وعندما نفتح القنوات الفضائية نسمع ذات الانفجارات بالصوت والصورة، وحوالي بيوتنا نرى الجثث تنقل إلى سيارات الإسعاف وفي التلفزة نشاهد ذات السيارات تنقل الجرحى والقتلى. ونحن نريد استراحة نتخلص فيها من أجواء الموت واحتمالاته فنعمد لشراء هذه الأفلام وكل ثلاث أو أربع عائلات يشتركون بشراء عدد من الأفلام ويتداولونها بينهم. ولكن سعر هذه الأفلام بدأ يرتفع فلقد تضاعف سعر الشريحة هذا العام من دولارين إلى أربعة دولارات.

الملاحظ أن سعر المخدرات التي دخلت الحياة العراقية وبكثافة بدأت بأسعار مخفضة حتى إذا ما بات الجسم الإنساني بحاجة إدمانية لها بدأ سعرها بالارتفاع حيث لم يعد الدم قادرا على الاستغناء عنها.

الوفد السينمائي العراقي الذي شارك في مهرجان الفيلم العربي في باريس عام 2005 وفي ندوة أمام الإعلاميين تحدث عن صالات السينما العراقية، وقال إن صالات السينما في العراق ذات التاريخ الثقافي الحافل بالأفلام السينمائية التي تثري الثقافة والجمال، تلك الأفلام الأمريكية والإيطالية والفرنسية والبولونية من تاريخ العصر الذهبي للسينما، تحولت إلى صالات شبه مهدمة وتعرض الأفلام الجنسية (البورنو). وقال إن الدخول إلى صالات السينما مجانا، ولكن يشترط للشخص الذي يدخل الصالة أن يشتري من شباك التذاكر ربع قنينة من الكونياك وهي بمثابة تذكرة الدخول. سألت المتحدث (إذا كانت مليشيات الأحزاب الدينية قد دهمت محلا لبيع الحلوى بسبب وجود صورة فتاة على غلاف علب الحلوى وقتلت صاحبه فكيف تسمح بصالات سينما تعرض مثل هذه الأفلام ومشاهدوها مخمورون؟) فأجاب: إن ذات المليشيات التي دهمت محل بيع الحلوى هي التي تحمي صالات السينما!؟

من الواضح ومن كل هذا المشهد الغريب على العراق وشعب العراق في وقت يتم فيه اغتيال المثقفين والفنانين والمسرحيين والسينمائيين العراقيين من أجل دفع من تبقى منهم للهروب والهجرة بدون أفق إلى أين يذهبون، أن ثمة مخططا واضحا أتى به الوافدون الغرباء الذين يستوطنون وهم يحملون بطاقات شخصية عراقية وجوازات سفر منحتها لهم السفارات العراقية، ليس هذا فحسب بل إنهم يزرعون ثقافة مدمرة وغريبة على شعب العراق، ويزرعون أيضا الأفيون في مزارع الرز مثلما يزرعون ثقافة الأفيون في صالة السينما التي كانت مزدهرة في العراق لتعرض كل ثقافة أنيقة وجميلة منذ عام 1919 تاريخ أول عرض سينمائي في العراق حتى التاسع من نيسان عام 2003م.

- سينمائي عراقي مقيم في هولندا


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة