الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 23rd August,2004 العدد : 73

الأثنين 7 ,رجب 1425

حتى لا نقع في مراء وجدال

إشارةً إلى ما ذكره أستاذنا سعد البواردي في اقتراحه على شعراء الحداثة أن يرافقوا دواوينهم ليوضحوا طلاسمها، وذلك في عدد (70) الاثنين 16 61425هـ من الملحق الثقافي لصحيفة (الجزيرة).
وليس من شك في أن هذا التوجه الخطابي يعد نقداً ثقافياً وحراكاً فكرياً مؤدلجاً بين القبول والرفض، وبين النظرية والتطبيق، وبين المنهجية والمفاعلة. فإذا كان الفشل حليف مَن حاول تقبُّل شعر هذه الموجة كما ذكره (البواردي) يرجع إلى عدم الشرح والتفسير والإيضاح وتكثيف الرمزية والطلاسم فإن في الموروث الأدبي ما يشبه ذلك مغلفاً بفنون عصره ومقبولاً ضمن مفاهيم سهلة مدرجة في سلوكيات ذلك الوقت والمنظومة الثقافية المصاحبة له، فعندما تجد بشاراً وأبا نواس في البصرة، ومطيع بن إياس من كنانة ووالبة بن الحباب من أسد في الكوفة.. وامتد ذلك إلى مسلم بن الوليد حتى أصبحت بغداد مركزاً للتطور الحضاري والثقافي وقاعدةَ الدعوة إلى تغيير الأنماط القديمة للشعر (راجع ص 100 من مجلة العربي الكويتية محرم 1390هـ عدد 137).
فإنك قد تجد عذراً ومندوحة لهؤلاء الذين وجدوا من قاعدة التجديد تراكيب وأصولاً فنية يمكن الاعتماد عليها والوثوق بها وإن كان هذا التجديد تغييراً في نسق من الأنساق أو في نظم من النظم، فحتى هذا التغيير يبقى محافظاً على قواعده ومبادئه، فينحصر الخلاف في الشكل الخارجي والمعطى الثقافي والجدل فيما يراد من المضمون تفسيراً أو تأويلاً.
وكما قال عملاق الأدب (العقاد) في كتابه عيد القلم ص 128: (إن التجديد في البنية الحية هو التطور الذي يزيد في عملها واستعدادها ولا يخل بكيانها أو يعتبر كياناً آخر مخالفاً لذلك الكيان). ويقول أيضاً: (وبهذا المعنى لا يوجد في آداب العالم فن يقبل التجديد غير فن الشعر في اللغة العربية).
فإن كان القصد من شعر الحداثة أو ذات الحداثة هو التجديد فيما يعود بفائدة محسوسة ومحسوبة غير ما هو شائع من أن الحداثة هي ثقافة الجدل وغياب المنطقة الجمالية في البناء الشعري والنقدي والالتفاف حول مجهول لا يعرفه القارئ ولا يمكن التعرف عليه إلا بواسطة الكاتب أو الشاعر أو الناقد فهو يحاكي الشتات محاولاً أن يجمعه، ويحاكي النفس معللاً تواجدها المشعرن وحضورها المعقلن.. فعندما يكون القصد الرائج هذا فيعزو ذلك إلى عدم تفهم هذا النوع المعرفي والتصور الخاطئ في محاولة الفهم قبل الاستئناس به. فعلى لسان أحد أقطاب هذا الفن د. عبدالله محمد الغذامي في كتابه (حكاية الحداثة) ص 38: (وهذا التعريف الذي أُلزم به نفسي هو أن الحداثة هي التجديد الواعي). وهذا يعني فيما يعني أن الحداثة وعي في التاريخ وفي الواقع، ويكون الفهم التأسيسي فيها جذرياً مثله مثل شرط الوعي بالدور والمرحلة. ذكرها الدكتور في محاضرة له في الطائف عام 1413هـ بعنوان (الموقف من الحداثة)، وكررها في مقالة بعنوان (البيان الثقافي) عام 1986م.. وفيما أظنه من ذكر شرط الوعي هو بمثابة المحافظة على الأصل والنوع وإن تغير الأسلوب والشكل. وهذا ما عناه العقاد في كتابه السابق ص 132 (أن فن الشعر يتجدد وهو على قوامه الذي ينمو ويتنوع ولا يبطل أو ينقض. وعلى هذه الوتيرة يتسع له مجال التجديد إلى غير نهاية في المستقبل).. إلخ. وقد ذكر أيضاً ضمن حديثه عن التجديد ص 129: (قامت قصائد المعلقات في الجاهلية على ستة بحور، وتطورت البحور حتى أحصى منها العروضيون العباسيون نحو العشرين، وتطورت الأوزان بين التوشيح والتسميط).. إلخ.
وفي ص 131 وعلى هذا القوام نما فن العروض العربي وتعددت بحوره، ومضى على سنة التجدد في تعديد هذه البحور في كل دور من أدوار الحضارات العربية.. إلخ. فإذا كان التجديد الذي عبَّر عنه العقاد بما ذكرنا من أقواله وبما عرفه الحداثيون تبعاً لتطور الحياة ونموها أو التغير المناسب لاندماج الحضارات الثقافية إذن ما المانع من الأخذ به والتفاعل معه ومحاولة التوفيق بينه وبين من أراد الحفاظ على الأصالة لتوهمه من هذا اللون أن يقضي على اللغة وآدابها وأنساقها. فإذا كان التعامل معه كان بحذر يمنع من مرافقة الحداثيين أو منسوبيهم لكل ديوان يصدر عنهم.
وهذا فيما يخص التجديد والتغيير، أما ما هو موكول إلى الرموز والطلاسم فهناك محاكاة واقعية لهذا الاتجاه حتى أصبح ذات الحركة الفكرية في شعرها ونثرها وفي طرحها وسردها، وعد ضمن المذاهب الأدبية التي ظهرت في النصف الثاني في منتصف القرن التاسع عشر بما يسمى بالمذهب الرمزي الذي يعتمد على:
1 الاتجاه الغيبي بطريقة إدراك العالم الخارجي وبالوجود الذهني الذي ينحصر فيه الوجود الفعلي.
2 الاتجاه الباطني، وهو السعي إلى اكتشاف العقل الباطن وعالم اللاوعي.
3 الاتجاه اللغوي، وهو خاص بالبحث في وظيفة اللغة وإمكاناتها ومدى تقيُّدها بعمل الحواس وتبادل تلك الحواس على نحو يفسح أمام الكاتب أو الشاعر مجال اللغة وتسخيرها لتأدية وظائف الأدب. وللمزيد راجع (الأدب ومذاهبه) للدكتور محمد مندور (ص 117 إلى 142).. أما الطلاسم فتكون نتيجة حتمية لمن لا يقبل هذا النوع، ولمن لم يحاول حتى أن يتذوقه، فيعتوره التراكم والاستفسارات والتساؤلات والتشريح والتفكيك، ويصبح القارئ في عراك مع ما يقرأ، وفي سجال مع ما يعتبره مضموناً وما يعتبره أصلاً وشكلاً.
وحتى لا نقع في مراء وجدل حول هذا الموضوع يكفي في وجوده مَن يعارضه ومَن يؤيده؛ ليصبح الحل في اقتراح أستاذنا الأعز (البواردي) هو التعاطي مع هذا المنتج والتوافق مع إيجابياته، وغربلة السلبيات بشكل يفيد المشهد الثقافي العام، والأدب بنحو خاص، والنقد بنحو أخص.


واصل عبدالله البوخضر
الأحساء

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved