الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 24th March,2003 العدد : 4

الأثنين 21 ,محرم 1424

المجلة الثقافية: إصدارنا الرابع
عندما بدأنا بـ «مجلة الجزيرة» كأول إصدار إضافي لصحيفة «الجزيرة» يُقدم للقراء هدية منها، لم تكن دراساتنا تشير إلى أن هذه المجلة الاسبوعية سوف تكون موعودة بأن تحقق كل هذه المساحة الكبيرة من اهتمام القراء في شهورها الأولى..
لكن وعندما تبين لنا بعد شهور من صدورها تحفظ دراساتنا المسبقة في تقدير النجاح المنتظر لها، بناء على ما ظهر لاحقاً من نتائج اختصرتها لنا المؤشرات التسويقية وبالاعتماد على رصد أمين لهذا الاصدار ما كان منه سلباً أو ايجاباً للتعرف على وجهات النظر المتباينة بين متلقيه..
أقول، إننا في ضوء هذه المعلومة الصغيرة وبما أعطته لنا من نتائج، قد حفزتنا إلى أخذ القرار الجديد والصحيح بإصدار مجلة أخرى تخاطب جيل«الانترنت» تفاعلاً مع ثورة الاتصالات واستثماراً لها، مسبوقة بدراسات ربما أنها كانت أقل تحفظاً وأقرب إلى الواقع من سابقتها، مصحوبة بشيء من التفاؤل في أن تكون «مجلة العالم الرقمي» اضافة جديدة إلى نجاحات كانت المجلة الاولى قد حققتها..
وأعترف، أن نشوة الفرح والحماسة اللذين استقبلنا بهما نجاح الإصدارين، وما ظهرت به «مجلة الجزيرة» ثم «مجلة العالم الرقمي» من تميز مهني غير مسبوق، قد شجعانا لان نسرع في تقديم الهدية الثالثة للقراء وهي «مجلة الإصدار الدولي»، وهي مجلة تعتمد في مادتها على انتقاء أهم الكتب العالمية واختيار أفضل الدراسات الدولية مع اهتمام خاص بالافتتاحيات والندوات وكل ما ينشر في الصحف العالمية، ونشرها بعد ترجمتها لتمكين القارىء من الاطلاع والإلمام والمتابعة بما يدور في العالم.
***
وبهذا الجهد، أصبح القارىء في أيام السبت والأحد والثلاثاء، من كل أسبوع، يقتني«الجزيرة» مع إحدى المجلات الاسبوعية «مجلة الجزيرة» أو «مجلة الإصدار الدولي» أو «مجلة العالم الرقمي» ضمن ما تقدمه صحيفة «الجزيرة» من خدمة صحفية يحاول الزملاء من خلالها أن يلبوا رغباته ويستجيبوا لكل ما يطالب به وينتظره منهم..
ولان القارىء هو الحكم وهو المستهدف«تحديداً» في كل جهد يبذل هنا، فقد كان كريماً وسخياً معنا بما قرأناه له وسمعناه منه عن هذه الاصدارات، ثناء حيناً وملاحظات قيمة أحياناً أخرى، بما أفادنا في تلمس الطريق الصحيح للعمل الاصح..
ومن غير المناسب أن أتجاهل هذا النمو في توزيع «الجزيرة» الذي صاحب وثباتها، لاخلص منه إلى أن سببه في جزء كبير منه يعود إلى القارىء«النخبوي» بتجاوبه وتفاعله وتقديره لخطواتنا التطويرية، والتزامه وقناعته بشعاره وشعارنا «الجزيرة تكفيك» بوصفه شريكاً معنا في النجاح الذي تحقق، ومازلنا نعوّل عليه في النجاحات المستقبلية إن شاء الله.
***
واليوم هو الاثنين، تذكروا انه منتصف هذا الاسبوع وكل اسبوع.. وقد اخترناه لكم من بين كل الايام موعداً لكم معنا في سياحة صحفية تليق بكم..
لنقرئكم فيه مجلة أسبوعية جديدة، ولكنها هذه المرة عن الثقافة وللمثقفين..
ونحن نرى في قراء «الجزيرة» أنهم جميعاً ودون استثناء يمثلون رقماً مهماً في مجموعة الطبقة المثقفة والملمة بكل ألوان الطيف الثقافي..
ومجلتكم الجديدة من حيث زمن الصدور تعد الرابعة التي تصدر عن صحيفة«الجزيرة» في غضون عشرة أشهر..
لكنها من حيث وثبات التطور زمنياً يأتي ترتيبها الخامس، وهي من حيث الاهمية في الترتيب الاول كباقي الوثبات..
وبالنتيجة، فإن هذا العمل الجديد أمكن انجازه في الوقت المناسب ضمن منظومة طويلة من الاعمال الصحفية الكبيرة والمتواصلة التي وعدنا بها القراء، وبصدور«المجلة الثقافية» سيكون القارىء إذاً على موعد يوم السبت مع مجلة«الاصدار الدولي» ويوم الاحد مع مجلة «العالم الرقمي» ويوم الاثنين مع «المجلة الثقافية» ويوم الثلاثاء مع «مجلة الجزيرة» وهناك خطوات متسارعة لانجازات أخرى.
***
بقي لي، أن أنوه بالجهد الكبير والرائع لزميلي الإعلامي اللامع «إبراهيم التركي» مدير التحرير للشؤون الثقافية وللزملاء المبدعين أسرة تحرير هذه المجلة، لانجازهم هذه المجلة على النحو الذي ترون..
وأنا على يقين بأن طرحاً مميزاً كهذا الذي تطالعونه في العدد الاول من المجلة الثقافية سوف يرضي الكثيرين منكم، وفي مقابل ذلك فإن ملاحظات ووجهات نظر وآراء أخرى لن تكون المجلة في غنى عن سماعها، بل من الضروري أن تقال وبصوت عال ومسموع للوصول إلى الكمال الذي قد لايتحقق وإن حاولنا..
فالثقافة كما هو معروف مجموعة معارف وباقة علوم، وإذا كانت مجامع اللغة وأهل الاختصاص لم يتفقوا ولم يتوصلوا بعد على تعريف مانع جامع لهذه المفردة، فلابأس أن تتباين وجهات النظر حول طرح ثقافي كهذا الذي يصدر على شكل مجلة تُعنى بالثقافة وبإسمها الشامل المجلة الثقافية، مع يقيني بأن الأفكار سوف تتلاقى في النهاية لتقديم ربما ما يتفق الجميع عليه.
الحرب بين ثلاثة شعراء:
سعدي وأميركا (2 - 2)
سعد البازعي*

التجريب لتجاوز المألوف وتوسيع دائرة التناول سمة عرف بها الشاعر العراقي سعدي يوسف ربما أكثر من غيره من شعراء جيله، وقصيدته موضوع هذه القراءة نموذج لشطحات سعدي التجريبية التي لن تسيغ للكثيرين، وأخشى أن أكون هذه المرة واحداً منهم، لكن القصيدة تحتفظ مع ذلك بجانب من الأهمية على المستويين الشعري والموضوعي، أي من حيث هي لا تخلو من البعد الجمالي من ناحية، ولأنها، من ناحية أخرى، تثير قضية في غاية الأهمية هي قضية أمريكا وما تشغل به الناس من احتمالات الحرب «وأرجو ألا تكون قد وقعت حين نشر هذه المقالة».
قصيدة سعدي تقع في مجموعته قصائد ساذجة «دار المدى 1996» وقد كتبت عام 1995، وهي إحدى القصائد الثلاث التي نشر أحد مقاطعها ضمن مجموعة القصائد التي نشرتها، أو نشرت ترجمة لها، صحيفة «الغارديان» البريطانية مؤخراً، وأشرت إليها في المقالة الماضية «كانت القصيدتان الأخريان الأخ لشاعرين غربيين، ولا شك أن عنوان مجموعة سعدي سيدعونا للقول بأن القصيدة هي إحدى «القصائد الساذجة»، مما سيشفي غليل أولئك الذين لن يجدوا فيها ما يروق لهم من الشعرية التي اعتادوها من مبدع بحجم سعدي يوسف، لكن هذه القناعة ستضللنا إن هي ترسخت، لأن قصيدة سعدي تحاول أن تخاتلنا من خلال دعوى السذاجة، على طريقة من يدعي الخبال أو الغباء، ثم ينكشف وهو من الحكمة والذكاء على قدر عال. لكن الحكمة والذكاء شيء والجمال الشعري شيء آخر. وأذكر في هذا السياق أنني استمعت إلى سعدي يوسف يلقي هذه القصيدة نفسها في مهرجان البابطين الشعري المقام في أبو ظبي عام 1996 على ما أظن، وكان معه البياتي وآخرون، وأذكر حيرتي في البدء، وأنا من معجبي سعدي الكثر، ثم خيبة أملي وأنا أسمع سعدي يقرأ ذلك النص الغريب.
على أية حال ليس المقام مقام تقويم أو تقييم، وإنما هو مقام الوقوف أمام نص ابداعي يشغله الهم العظيم، هم الدمار والعدوان، هم الوطن المغترب بين تهديد الصديق قبل العدو. فنحن في مثل هذا النص لا نقف أمام الإبداع فحسب وإنما أمام ما حرك الإبداع، فلا سبيل إلى الشعرية الخالصة أو التناول الشكلاني الجمالي في رحاب قصيدة تفيض بالغضب حيناً وبالأسى حيناً، وبالكراهية حيناً آخر، وقد أراد سعدي أن يحرك هذا كله فيما يبدو حين اختار لقصيدته عنواناً صادماً لقراء العربية، فهو عنوان مكتوب بالحروف الأجنبية: America, America, ، لكنه الأقدر، في تقدير الشاعر كما يبدو، على دفع الانتباه بقوة وعنف إلى الحضور الأجنبي/ الأمريكي المقتحم. هي «أمريكا» كما هي بأجنبيتها وغرابتها، بثوب حروفها الأصلية.
لعل أبرز ما يطالعنا من سمات في قصيدة سعدي هي العلاقة المتوترة المركبة التي تربطها بأمريكا، فهي قصيدة هجائية الموقف وتقوم في الوقت نفسه على تبن واضح للثقافة الأمريكية أو بعض معطياتها ورموزها. ولا ينبغي أن يستغرب هذا لأنه الموقف الذي يتبناه معظم الذين يعرفون الولايات المتحدة ويدركون ضخامة معطياتها الحضارية لا في التقنية فحسب وإنما في كثير مما قدمته للعالم من فكر وفن وعلم. لكن إذا كان أكثر الناس يتبنى هذا الموقف على نحو مبهم فإن الفنان، شاعراً كان أم غيره، هو أحد الذين يتوقع منهم صياغة ذلك الموقف بتناقضاته أو بشكله المركب وتوصيله إلى المتلقي على قدر عال من العمق والجمال.
الصلة التي أشير إليها بين قصيدة سعدي والثقافة الأمريكية لا تتضح فقط من عنوان القصيدة الأجنبي، وإنما من مجموعة عناصر أحدها ظاهر مثل العنوان، وتشمل أغان فولكلورية أمريكية أو ما يشبهها «على شاكلة الأغاني الزنجية المعروفة ب «البلوز» Blues، كما تشمل عناصر ليست ظاهرة مثل تبني الشكل الشعري النثري الذي اشتهر به الشاعر الأمريكي والت ويتمان، لا سيما في قصيدته «أغنية نفسي»، والمعروف أن سعدي يوسف سبق مجموعة ويتمان «أوراق العشب».
الصلة بشعر والت ويتمان تذكرنا ببعض السمات المشتركة بين قصيدة سعدي وقصيدة أدونيس «قبر من أجل نيويورك» التي ظهرت في السبعينيات والتي تتبنى موقفاً مشابهاً تجاه الولايات المتحدة، خاصة من حيث تركيبة الموقف. لكن أدونيس كان أكثر نجاحاً في تقديري، لا سيما في ابتعاده عن النثرية السهلة التي اتبعها سعدي:
أنا أيضاً أحب الجينز والجاز وجزيرة الكنز
وببغاء جون سيلفر ونوافذ نيو أورليانز
أحب مارك توين ومراكب المسيسبي وكلاب ابراهام لنكولن
أحب حقول القمح والذرة ورائحة التبغ الفرجيني
لكني لست بأمريكي أيكفي أنني لست بأمريكي حتى
يعيدني طيار الفانتوم إلى العصر الحجري؟
Backtostoneage!
وهكذا تمضي المقاطع لا ينقذها من العادية التامة إلا نغمة ساخرة تشيع على مختلف أنحاء القصيدة، ونهاية أكثر حميمية يعود بها الشاعر إلى ذكرياته الشخصية في البصرة.النغمة الساخرة تبلغ أفضل حالاتها في مقطع كالتالي:
أميركا!
لنستبدل هداياك
خذي سجائرك المهربة
وأعطينا البطاطا..
خذي خرائط السجون النموذجية
وأعطينا بيوت القرى
خذي كتب مبشريك
واعطينا ورقاً لقصائد تهجوك
خذي ما لا تملكين
وأعطينا ما نملك..
خذي صدام حسين
وأعطينا ابراهام لنكولن!
أو لا تعطينا أحداً
في مقطع كهذا لا نتذكر والت ويتمان وإنما شاعراً أمريكياً آخر هو ألن غنزبرغ Ginsberg، الذي اشتهر في الستينيات من هذا القرن بوصفه شاعراً متمرداً هجا بلاده لأسباب من أبرزها القمع ضد الشيوعيين في عهد ما يعرف بالمكارثية، بالإضافة إلى تورطها في حرب خارجية كالحربين الكورية والفيتنامية. ومن قصائد غنزبرغ قصيدة بعنوان «أمريكا» يقول أحد مقاطعها:
أمريكا لم تمتلئ مكتباتك بالدموع؟
أمريكا متى سترسلين البيض إلى الهند؟
لقد قرفت من مطالبك الجنونية.
متى سأستطيع الذهاب إلى السوبرماركت وشراء ما أريد مقابل شكلي الجميل؟
في نهاية قصيدة سعدي يوسف تأتي الصور أولاً من الواقع الذي يعيشه الشاعر في منفاه الدمشقي آنذاك، ثم تتناسل الصور لتجيء بالبصرة حيث دمار الحرب، الدمار الذي لم يعشه الشاعر مباشرة «على افتراض أنه الدمار الذي خلفته حرب الخليج» لكونه منفياً خارج العراق، لكن الشاعر يمزج الذاكرات ليؤلف صورة متسقة لدمار لا يختلف باختلاف الزمان والمكان.
والآن
أتذكر أشجاراً،
نخلة مسجدنا في البصرة، في أقصى البصرة:
منقار الطير
وأسرار الطفل
ومائدة الصيف
النخلة أذكرها
أتلمسها، وأكون بها، حين هوت سوداء بلا سعف..
هذه الصورة تنتهي بنهاية منطقية، هي أيضاً نهاية القصيدة، تستمد شاعريتها من مخالفة الصورة المألوفة في مقولة ان الأشجار تموت واقفة:
الأشجار تموت
مهدمة
دائخة
لا واقفة..
الأشجار تموت.
إنها حقيقة الحروب التي تعلو أصوات جنائزها على أصوات مجازاتها.


albayei53@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved