الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 24th April,2006 العدد : 150

الأثنين 26 ,ربيع الاول 1427

النقد الأدبي والحداثة

*د. عبد الله أحمد الفَيْفي:
حينما نرصد حركة النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية سنلحظ تصاعدات وانقطاعات منذ مشروع (عبد الله عبد الجبار) وتياراته الأدبية إلى وقتنا الراهن. وتلك الانقطاعات هي نظيرة الانقطاعات في حراكنا الثقافي بعامة؛ أعني أن المشروعات هي مشروعات مناسباتية، وفردية، وليست بسيرورة استراتيجية، وتلاحم معرفي لأهداف جامعة، من خلال فرق بحثٍ ودراسة؛ ذلك لأن النزوع الفردي لدينا -في المجال العلمي لا في غيره من النشاط الاجتماعي- قد حتّم ذلك المصير، حتى إنه لم يُعقد مؤتمر علمي نقدي قط في المملكة - يستحق هذا الاسم - لا على المستوى الداخلي ولا العام، اللهم إلا على هامش مناسبة، أو احتفاء بعلم من الأعلام، باستثناء ما يمكن أن يُقال عن الملتقى السنوي لقراءة النصّ في نادي جدة الأدبي الثقافي في بعض حلقاته.
ولمّا جاء التيار الذي أُطْلِق عليه النقد الحداثيّ -بمرجعياته الجديدة، ويمكن أن يُدعى النقد الغذاميّ، بوصف (عبد الله الغذّامي) رائده بحقّ، وإن لم يكن محتكره بإطلاق- ليقسّم المقسّم؛ حيث انتهى الأمر إلى بروز فريقين لا يلتقيان إلا ليفترقا، وكأن العلم قد صار تابعاً للفنّ، بانقسام أربابه، ونزوات أصحابه، مع ما يُفترض في العلم من حياد، ومن رصد معرفي نزيه عن الهوى والميل والأيديولوجيا. وتبعاً لتلك الحال أصبح كل ناقد ينتصر لفريق، ويصنّف نفسه أو يُصنَّف إلى حساب نادٍ أو تيار، تماماً كما يقع بين مشجعي كرة القدم بضجيجهم وتدافعهم وفوضاهم.
ولقد رسّخ هذه الانحيازية في مقاربة الأدب -بالإضافة إلى ما سبق- تحوّل الطابع العشائري في المجتمع مع الطابع الشللي أو الثللي في الساحة الأدبية إلى المجال النقدي، فأصبح لكل تيار نقّادُه المحبّون، ولكل اتجاه كادره المقرّبون، من كَتَبَةٍ، وصحفيين، ودارسين، ونقاد، من داخل المملكة وخارجها.
ثم جاءت الموقعة الفاصلة الأخيرة بين الشعر والرواية: وأيهما بات ديوان العرب أو العجم؟ فتحوّل الميدان برمّته إلى سباق يشبه سباق الهجن أو الخيل لكسب السبق الأدبي والنقدي، ومجاراة المزاج السائد، وتبنّي المقولات المطروحة في الطريق.
فإذا بمعركة نقدية أخرى تلوح شرارتُها في الأفق تحت لواء ما اختير له عنوان النقد الثقافي؛ ليُكمل بدوره الناقصَ من عزلة النقد الأكاديمي عن الواقع، بعزل الأدب نفسه عن النقد الأدبي؛ حيث يغدو مجرد شواهد انتقائية -كالشواهد النحوية العربية بحقّها وباطلها- على ظواهر اجتماعية وثقافية، تبدو بدورها منتقاة. فعدنا مرة أخرى إلى أسوأ ممّا كان يسميه (رينيه ويليك) و(أوستن وارين) باتجاهات خارجية لدراسة الأدب، وذلك إلى تسخيرٍ اجتزائي للأدب في سبيل غيره من العلوم والأفكار والمفاهيم.
وهكذا، فإن ما يمكن أن يُسمى النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية لا يعدو مبادرات فردية مضطربة، أو مباريات كلاميّة يردّ بعضها على بعض، تظهر نتاجاتها كنباتات شيطانية بين حين وآخر في غير تنظيم، ولا تضافر، ولا مواكبة، ولا اطّراد.
ولا غرو، فإن النقد الأدبي في المملكة هو صورة عن المجتمع السعودي نفسه عبر تحوّلاته وتعثّراته خلال القرن الماضي وهذا القرن، ولم يتبوّأ ذلك النقد بعدُ مكانة ناضجة -بما تعنيه الكلمة من معنى- لا في تعامله مع المحلّي ولا في تعامله مع الخارجي، ولا في تناوله للتراث ولا الراهن.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved