| التميّز يلازم النص والنقد
|
*د. علي بن محمد الرباعي:
أذكر أن أحد كبار النقاد الروس، اكتشف موهبة تشيخوف الابداعية، وهو لا يزال كاتباً مبتدئاً في إحدى الصحف، ونصحه في رسالة بعثها له أن يتفرغ لموهبته القصصية والسردية، بعيداً عن هذا العمل الروتيني الذي سيأخذه بعيداً عن ما وهبه الله من قدرات حقيقية في مجاله الذي خلق له، وتذكر تشيخوف فضل تلك الرسالة بعد أن أصبح العالم يشير له بالبنان كأحد أبرز الأصوات المبدعة في قرن مضى.
ومن هنا تتضح أهمية النقاد في حياتنا، لما لهم من إمكانات خليقة وقادرة على خلق فضاءات ملائمة لكل موهبة، ومقدرة، خاصة ونحن في زمن نشعر أننا بأمس الحاجة فيه إلى فرز الغث من السمين، وعزل الوهمي عن الحقيقي، وتمييز المبدعين من المدعين، فالنقد هو آلة تمحيص، وأداة كشف، ووسيلة عملية لمعرفة جودة العمل من عدمها، والساحة السعودية تعج اليوم بمئات الأصوات التي تكتب في كل فن وتدعي الإتقان والمهارة لكل مهنة، أو حرفة، أو مجال إبداعي، وبما أنه لم تتشكل لدينا مدرسة نقدية جادة، تعطي بإنصاف للمستحق ما يستحق من إشادة، وتضع الخطوط الحمراء أمام المستهلكين، فسنظل نراوح في أماكننا بدلاً من الخطو للأمام، فالنقد أمانة كبيرة وعمل جبار متى ما تصدى له شجعان مؤهلون للعمل ومزودون بأدواته، بعيداً عن العاطفة والمحاباة، والمصالح الذاتية، والمحافظة على المكاسب أو الصلات.
الإبداع كائن مقدس، يحتاج للصدق بكمية كبيرة لمن يتعاطون معه، والجيل الشاب في المملكة، لديهم نهم كبير للقراءة وخوض غمار التجارب الكتابية في شتى الفنون، ولن يرسم لهؤلاء المتحمسين طريقهم الآمن، إلا الصوت النقدي النقي، وتاريخ المجتمعات العربية والغربية يصرح لنا بوضوح تام أنه لولا المدارس النقدية لما كان للشعر ولا للقصة ولا للرواية الحضور البهي الذي نحتفي به رغماً عنا.
وأزعم أن النص المتميز والنقد المميز متلازمان، ولكل منهما فضل على الآخر متى ما احترم كل منهما خصوصية الآخر، وأتاح له فرصة الفحص والتنقيب دون مقاطعة، ومن ثم الخروج برؤى مشتركة تسهم في إدخال القارئ في المشروع الإبداعي وإطلاعه على كوامن، لا يمكن الوصول لها من دون عمل نقدي.
وبحق فإنها لبادرة جديرة بالاحتفاء تلك التي يقدم عليها نادي الرياض الأدبي، بإقامة هذا الملتقى المتخصص في النقد وأحسبه الملتقى الأول وأتطلع إلى تأسيس الجمعية النقدية السعودية التي يمكننا الرجوع إليها في عرض أعمالنا وتقييمها قبل طرحها على المتلقي.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
