الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 24th April,2006 العدد : 150

الأثنين 26 ,ربيع الاول 1427

الخطاب النقدي..والمؤثرات العربية والأجنبية

*د. سلطان سعد القحطاني:
المملكة العربية السعودية جزء مهم من العالم العربي الإسلامي، بل تعتبر قلب العالم، لما تتميز به من موقع تراثي، وديني، ومساحة واسعة. قامت نهضتها منذ أن أخذت على يد الملك عبدالعزيز، وسارت على خطى البلاد العربية التي سبقتها في النهضة العربية الحديثة، من خلال استقدام العلماء والأدباء العرب، من هذه البلاد، للعمل والمشاركة في البناء العلمي والفكري، وانقسم الفكر العلمي - وهو ركيزة الخطاب النقدي - إلى ثلاثة أقسام، الأول: أطلق عليه الفكر الجامد التقليدي. والثاني: المحافظ المجدد. والثالث: الحديث المتحرر. ولكل خطاب من هذه الخطابات الثلاثة أنصار ومؤيدون، فالتقليديون رفضوا الفكر النقدي المحافظ، الداعي إلى التجديد، والعودة إلى منابع اللغة في عصور قوتها، والأخذ من نقادها ومبدعيها، مهما كانت توجهاتهم وأفكارهم، ومن باب أول أن يرفضوا بجانب ذلك الفكر الحديث المتحرر، ووضعوا بينهم وبين المشاركة في التجديد والأخذ من أقوال الآخرين سدا منيعاً، تذرع الكثير منهم بالدين، وأن ذلك مما يؤثر على عقول النشء من الدارسين واقتصروا في ذلك على الفكر التقليدي الذي يدور في حلقات الدرس الممنهج على الطريقة التي ارتضوها من شيوخهم، وصاروا يغربلون النصوص على هذا المنهج، فما يجدون فيه لفظاً لا يتفق وهذا المنهج يحيلونه إلى العقيدة، ويسمونه بالكفر والخروج عن الملة في كثيرٍ من الأحيان.
أما القسم الثاني، فقد ركز في تعلمه وأفكاره على التراث العربي، وخصوصاً العصر العباسي الثاني، عصر العلم والتفوق، وظهور فحول الشعراء، والنقاد والعلماء، ولم يرفض منهج الفريق الأول بكامله، لكن كان له عليه بعض التحفظات، ولم يصطدم به مباشرة، ولم يعارضه في كل اتجاهاته، فكان يهادن حيناً بالسكوت، وحيناً بالتعديل في سير هذا المنهج، بما لا يشكل مصادمة علنية لكن موقفه من الفريق الثالث كان واضحاً، فهو لم يرفضه كلية، ولم يتفق معه في كل ما يقول، وباختصار: كان يقف موقف الوسط، مستفيداً من كل المعطيات - القديمة والحديثة - مع التمسك بأصول الفن النقدي التقليدي، والبحث عن جديد لا يتعارض مع القيم والمعتقدات والتراث.
أما الفريق الثالث، فكان رافضاً لكل قديم بحساسية شديدة، لأنه - حسب رأيه - يرى أن البقاء على القديم سبب رئيس في بقاء التخلف عن العالم المتقدم.
هذه أهم معالم النقد الذي قام في بداية النهضة في المملكة: انقسام بين الجديد والقديم، وركود ليس مع الجديد ولا مع القديم. وفي دراستنا - هذه - سنجد لكل منهم ما يبرر به أفكاره النقدية، فالتقليديون والمحافظون يرون في الجديد قضاء على الشخصية العربية المسلمة، ويرون بجانب ذلك تهديداً للغة والدين الذي تحمله هذه اللغة، والمجددون يرون في اللغة التي ورثت من نصوص العصر المملوكي ركاكةً وضعفاً وتكلفاً، لم يوجد في النصوص العربية القديمة، والفريق الثالث يجد سبيل النهضة في البداية من حيث انتهى الآخرون، وفي كل الحالات نجد عنتاً في فكر كل فريق من هذه الفرق الثلاثة، مع العلم أن البعض منهم يقترب في أفكاره مع الآخر، لكنه يختلف معه في التطبيق، وخصوصاً منهم الفريق الثاني والثالث، والسبب في ذلك يعود إلى التأثير الذي اكتسبه كل فريق من قراءته وتحيزه للمدرسة التي ينتمي إليها، سواء أكانت عربية تراثية أو عربية حديثة، أو غربية أجنبية، وسنتناول هذا الموضوع بالتفصيل في ثنايا البحث.
1- التأثير العربي: انقسم التأثير العربي في بداية النهضة إلى قسمين: الأول، قسم تأثر بالمصطلح الفقهي لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وصدر من شعراء نظامين وجهوا نقدهم إلى من يرون أنه ينقد أو يلاحظ أو يعدل في منهج الدعوة، وكان نقداً يخلو من الموضوعية والنقاش الذي يقود إلى الحقيقة، وظن هؤلاء أنهم يحسنون صنعاً للدعوة وصاحبها، لكن الحقيقة لا تقول هذا، فقد أساء الاتباع فهم الآخرين وفهم الدعوة وصاحبها، ولهذا سببه، فالانعزال الفكري والتأثر بمقولات من سبقهم من المتشددين جعلهم يسلكون هذا المسلك العنيف في الخطاب النقدي، الشبيه بالمنبري، والبعض منهم كان يصدر أحكامه بحسن نية، فهو يقلد من سبقه وكفى.
والبعض الآخر كان يحمل أفكاراً مسبقة عن أشخاص يرى أنهم ضد الدين والتراث أما القسم الثاني فقد كان معتدلاً في خطابه للآخر، فقد استقى ثقافته من مصادر العالم العربي، وخصوصاً البلاد المتقدمة (مصر وبلاد الشام) لذلك جاء دفاعه منطقياً، مبنياً على أسس علمية، وأسلوبه يختلف عن أسلوب القسم الأول، فالألفاظ النابية، واحتقار المنقود، وإطلاق بعض الصفات والألقاب على الآخر، لم توجد في خطابهم النقدي، إلا ما ندر، ولا غرو فقد مثلهم مجموعة من العلماء المتأدبين، وكبار المصلحين، في ميدان الثقافة والأدب - بصفة عامة - وهؤلاء أتباع المدرسة المحافظة.
الثاني: قسم تأثر بالمصطلح العربي الحديث، وظهر هذا الفريق بظهور المدارس الحديثة، وفي مقدمتها (مدارس الفلاح) في كلٍ من جدة ومكة المكرمة، ويعتبر هذا الفريق المحرك الفعلي لظهور التنويريين في المملكة، من جانب، والمحرك المباشر للمدرسة المحافظة من جانب آخر، واستقى ثقافته مباشرة من مدرسة المهاجرين العرب، في المهجرين (الشمالي والجنوبي) والمدارس المصرية الحديثة في الشعر خصوصاً، (الديوان، وأبولو) وكانت مصادر المدرستين - في بداية الأمر - الثقافة المصرية والشامية على وجه العموم، مع أن كلاً من المدرستين كوّن شخصيته المستقلة فيما بعد، واقتربت المدرسة الأحسائية من منهج المدرسة المحافظة (مدرسة المدينة المنورة) واشتركت معهما في المدرسة الحديثة في مصر.
وقد كان التأثر الأجنبي (الغربي) واضحاً في المدرسة الحديثة، من خلال الصحافة، العربية بصفة عامة والسعودية بظهور صحيفة صوت الحجاز 1925م، وظهور أصوات جريئة أعلنت رفضها للقديم البائد، وفهمها البعض على غير مقصدها، في رفض البلاغة القائمة على رصف الكلمات بدون معنى، ورفض الأسلوب المملوكي الركيك، ومهما قيل عن الخلاف بين المدرستين، إلا أن الدارس لهذه التوجهات بدقة وموضوعية، سيجد أن أهدافهما متقاربة، يمكن تلخيصها، في كلمة واحدة (إصلاح الأدب) حيث شعر الأدباء والنقاد منهم على وجه الخصوص بدونية الأدب السعودي من بين الأدب العربي، الذي هو فرع منه، وشعور هذا الجيل من النقاد بالنقص، وهو التي جعل منهم أعمدة باقية للأدب العربي السعودي الحديث، في زمن صعب.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved