الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 24th April,2006 العدد : 150

الأثنين 26 ,ربيع الاول 1427

أعر اف
العقل الجميل 3

*محمد جبر الحربي:
ترى الدكتورة فاطمة الوهيبي في قصيدة لم نكن في مكان للشاعرة خديجة العمري نموذجاً للخروج من الكهف، والخروج على السائد المتخلف الميت اجتماعياً وفنياً. وقد تجاوزت الناقدة مفردة الديانات في مطلع القصيدة كابتعاد عن الشبهات، والحقيقة أنه لم يكن ما يستدعي ذلك، لأن القصيدة تكفر، أو أن الشاعرة تكفر بالديانات التي يبست على غار الغباء، وبالذين يربون النقائص هيبةً لامتصاص أفئدة النساء، لا بدين الله الذي تسعى إليه بحب جارف كما سنرى، والمتابع لقصائدها يعرف مدى ذلك الحب المنقوش بلغة قرآنية صافية قوية، واستلهامات من ذلك الإعجاز تميزها عن غيرها:
باسمِ الدياناتِ التي يبست على غار الغباءِ
وباسمِ من ربوا النقائصَ هيبةً
تمتصّ أفئدة النساءِ وتكتفي
أو تختفي في الليل في ثوب اعتذارات ضريرة
كفرتْ خطايَ إلى السماء..
فهي كفرت بذلك، وسعت إلى الله في عليائه وضيائه..
ومضيتُ قلتُ قصيدتي المعراجُ نحو ضيائهِ
والقلبُ قافيتي الأخيرة
إنه منتهى الإيمان بالله، والكفر بما اصطنعه البشر من قوانين وعادات يبست على غار الغباء، ودفنت النساء وهم أحياء، ليس تحت الرمل فحسب، بل تحت كل ريبة وشك، وضيم وقهر.. وتعسف وقلب للحق والحقيقة. وقد استطاعت الوهيبي الوصول إلى مبتغاها، وهو إثبات التلاحم بين جسد الأرض وجسد المرأة وجسد القصيدة، وهو موضوع البحث. وهي تصل في النهاية إلى أن هذا التشفيف العالي للحلم وجعل القصيدة المسؤولة عنه لإشراع الكهف، ودفع أهله للخروج والتغيير والدخول في الزمن المشتهى.. ليس سوى يوتوبيا ذلك أن هذا العالم المشتهى، المكان الخيالي ليس سوى وهم أو حلم مثالي وشعري يلامسه الشعراء، وينافحون عنه، ويقضون حياتهم من أجله. إن تحويل المكان إلى (لا مكان) كما جاء في عنوان القصيدة، وكما ورد في أثنائها، وكما كشفته مقاطعها التي ناضلت من أجل رفضها لواقع يعج بالسوءات والعورات - لا يكشف عن إنكاره وهروبه إلى اليوتوبيا أو اللامكان بقدر ما يحرض على أن يشرع الكهف أبوابه، وأن تتدرب عيون أهله على رؤية شمس الوجود - جسد الحقيقة المتعري.
وإذا ما ساهمت القصيدة بعريها لتكشف للعيون عن بعض هذا الجسد فكيف إذاً لا يمكن النظر إليها كذلك، وقد تماهت حقيقة جسد الأرض بجسد الحلم اليوتوبيا المغروس في جسد القصيدة الذي تلده المرأة حاضنة الخلق منذ بدء الخليقة.
الله الله يا فاطمة. والله الله يا خديجة. لله دركما.
لقد اخترتُ قصيدة لم نكن في مكان ليس انحيازاً للشاعرة خديجة العمري، وقد يكون ذلك ممكناً، ولكن لقربها مني، واتضاح رؤية الناقدة وتطبيقها في قراءتها للقصيدة. إن سلاسة هذا الكتاب المشحون بالشعر، المسكون بهم المرأة، الهادف والمجتهد في رصد رغبات التغيير والخروج والفعل، المنحاز للمرأة المبدعة في بيئة غير مهيأة بل قاتلة للفعل والحلم، ما يكسبها قيمة الخروج على المألوف، والتجاوز الواعي، والتجديد الخلاق.. كل ذلك وغيره كثير يعطي للكتاب قيمة أولى.. وللناقدة قصب السبق.. وللقارئ فرصة الوقوف على المشهد الإبداعي الشعري لدى المرأة هنا، عبر نظرة جديدة تجعل الناقدة نفسها ضمن حركة الخروج من الكهف، والخروج على السائد والبارد والرتيب والمتخلف.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved