الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 24th April,2006 العدد : 150

الأثنين 26 ,ربيع الاول 1427

مَسأَلَةٌ فِي نَقدِ آراءِ العُلَمَاءِ وَالرَّأي الصَّوَابِ

*صالح بن سعد اللحيدان:
يصُح لي بادئ ذي بدء أن ألوم نفسي على عدم إلقاء البال لما يمر عليَّ من آراء واجتهادات علمية كثيرة تصبُّ كُلها.. فيما أُريد تجديده ومحاولة الخطأ فيه من الصواب بنظر ما يجب تجاهه، والذين يعرضون عليَّ ما يرونه أهلاً للعرض وما أُتابعه بنفسي أجد لزاماً طرقه خصوصاً أن النَّاس.. اليوم يُشاهدون ويسمعون أكثر مما يقرؤون وأكثر بكثير مما يُحاكمونه ويدرسونه من رأي واجتهاد وتحليل وطرح، وهذا - ولا جرم - يُشكل خطراً على (التجديد) ويجعل دائرة العقل المتلقية ضيقة وضعيفة ومُستسلمة ومع طول العهد.. على هذا المنوال تشيع عامية العلم والثقافة والنقد والاجتماع، ومن هنا تبرز صفات ذاتُ خطرٍ ينخر في العظم كما تنخر (عاديات العوامل للتعرية بقمم الجبال وسفوح الصم الصلاب)، فيظهر بسبب هذا كله نشدانُ الصواب بركوب صهوة المركزية وظهر التعالم وتقمص العقل ومحاذاة صفة العظمة، فيترتب على هذا بروز الجهل المُغلّف بثوب الجاه والسؤدد والقوة، ومن هنا تتهاوى الأمةُ وهي تعلم سوء السبيل الساري بها إلى أتون لا تبرحه حتى تعود إليه. وقل تتقال ما سوف أورده لك من خلال ما سمعته وقرأته وعُرض عليَّ، قد تتقاله لكنه هو علةُ تردي العلم وسبب نشوء ضعف القراءة وضعف الفهم إلا عند من شاء اللَّهُ تعالى، وإليك بعض صور العلل الداخلة في العلم على رحب وسعة؛ وذلك مثل:
(هذا أصح القولين في المسألة)
فأين القولان؟ وأين الأدلة؟
وإن لم تكن فأين العلة أو التعليل؟
وأصح القولين.. هكذا.. لا يحسن إلا ببيان وجه نظر القول الآخر بدليله أو تعليله ببسط متين مستوفٍ لنواهضه.. وعلاج هذا هو (عدم ذكر هذا القول بل يقال: هذا ما ظهر لي (أو) هذا ما ظهر لي حسب علمي، وهذا توجُّهُ عاقل حصيف دال على سعة البطان وزخامة المدارك من كثرة الإطلاع المركز،
ومثل ما سلف قول:
(هذا هو الراجح في هذا الجواب أو هذه المسألة)، وهذا خلل في الطرح كبير، فهُناك ولا جرم قول آخر مرجوح؛ فأين هو؟
فعله الراجح جزماً، وهذا التناول في الإجابة فيه تقصير وضيق ولعل من يسمع هذا وهو طالب علم لكنه ذو نظر جيد واسع يُدرك زلل مثل هذا في حين يسع القائل - مهما كان - أن يفتح الباب للأخذ بهذا أو ذاك من القولين إلا أن بسط ودلَّلَ أو عَلَّلَ بروح سمحة وتأنّ وفهم وعمق وطول يد على الآراء بنواهضها كلها، وهذا يجر إلى حياة العلم والبذل فيه شيئاً فشيئاً، ولعله يدفع بموهوب ما إلى التجديد وتحسين المستجدات.
ومثل ذلك قول:
(واللَّهِ هذا ما ذهب إليه الجمهور) أو (هذا ما ذهب إليه الجمهور). وتحتار كثيراً وتتردد وتضيق وتهرع لا تلوي على شيء قلقاً من هذا القول ومثله، (فالجمهور) من هم؟!
هل هم علماء الحديث؟
هل هم علماء الفقه؟
هل هم علماء الأصول؟
هل هم علماء التفسير؟
هل هم علماء التوحيد؟
هل هم المتقدمون من السلف؟
هل هم المتأخرون منهم؟
تضيق وتقلق ولا سيما في مسائل (المال) و(العبادات) كرمي الجمرات قبل أو بعد الزوال، وكإيجاب دم على فعل محظور أو ترك واجب ما من واجبات الحج.. والباب في هذا واسع.. كسعة المشرقين على ذي عينين، ومثل ذلك قول:
- ( وهذا رأي الشافعي، أو هو ما ذهب إليه).
- (وهي إحدى الرواتين عن أحمد).
- (ذكره البخاري في صحيحه).
- (وهو مذهب الأحناف).
- (ها..ها.. هذا هو الرأي الصحيح لا غير).
تسمع ولعلك تقرأ مثل هذه الأقوال فتصعق وتتململ لعلك تسمع عند كل قول طرحاً وبسطاً وتوجيهات وتحريراً لكل قول فإذا بك فقط
لا تسمع إلا جزماً يبكيك ويحزنك أبداً، فأي آراء الشافعي أراد القديم أو هو الجديد وما نصه؟
وما دليله أو هو مجرد رأي لا بد فيه من تتبع، فلعله تركه أو لعله نسخه برأي آخر أو لعل حوله خلافاً داخل المذهب، (وهي إحدى الروايتين..) لكن أيهما الأرجح..؟
ومن ذكر ذلك عنه بسنده إليه..؟
وما هو حال دليله أو تعليله؟
وأين اتجاه الرواية الأخرى، فلعلها أصح؟
وأين هما الروايتان؟
كلام جيد لكنه يحتاج إلى أمانة ودقة ومسؤولية قائلة، وإلقاء الكلام هكذا ليس من الصواب في شيء خصوصاً في الفتاوى والمجلات المحكمة والدروس العلمية والمحاضرات، وتحقيق مناط مسائل العلم، و(ذكره الإمام البخاري في صحيحه) ما المراد بهذا..؟
هل هو معلق..؟
أو هل هو في الذيول..؟
أو هو ترجمة لباب ما..؟
وهذا قد يستهجنه (غيري عليَّ) لكنه عين الصواب ذكره مع تفصيله ولا بد، وهذه حال يقتضيها حال الحكم المنزل عليه الدليل، كما أنه يُعطي المسائل العلمية دقة الإيراد على وجه مراد ولا يستهان العلم، فيطرح هكذا دون تفصيل، فإن تمام الواجب بإيراد حقيقته على أمر موجب، وهذا يُثري العلم ويدل المطالع والسامع على كتب سلفه وطريقتهم وكيف بينوا وجددوا وأضافوا؟
وقول: وهو مذهب الأحناف.. أو هو رأيهم هكذا ليس بوجيه حيال نقد الآراء وأمانة إيرادها على وجه تفصيلي تطلبه الحاجة وتدعو إليه ولا سيما وقد دخل نقل الآراء وتحريرها في مثل زماننا شيء من العجلة وعدم الروية، ولعل البعض ينقل من كتب على كتب أو هو يُكلف غيره ليُحرر له ويُحقق عنه ويبحث.
وهذه رداءةٌ في الدين والخلق ومجرة تجر وبالاً على مسالك أصول العلم، وفي الاجتهاد وتحرير مسائل النوازل.. أما قول:
(ها.. ها.. هذا هو الرأي الصحيح؟).
الرأي الصحيح كيف؟ وعلى أي مستند وأين هو الرأي الآخر؟ فلعله أظهر منه، وأين مأخذ هذا القول الصحيح؟
تعجب من ذلك أيما عجب وتتروع من الجرأة والثقة، فيختار العالم العاقل والمجتهد العاقل والمحقق العاقل من خطورة مثل هذا جهاراً. ولقد كان دأب جلب الآراء عند السلف ذات أريحية فطنة عاقلة دون جزم ما دام الخلاف أصلاً ذا وجود ما لم تكن في العبادات البدعية.
ولهذا تجد (الزيلعي) في (نصب الراية..) وتجد (ابن حجر) وتجد (العيني) وتجد النووي تجدهم في (فتح الباري) و(عمدة القاري) و(المجموع) تجدهم من ذوي كمال الشعور بالمسؤولية تجاه أمانة النقل والمعالجة للخطاب الشرعي وإيراد الراجح والمرجوح والناسخ والمنسوخ ودلالة اللغة على مرادها، كذا تجد (ابن حزم) في (المحلى) (وابن قدامة) في (المغني) و(السرخسي) في المبسوط (وابن عابدين) في (الحاشية) وابن عساكر)، في (تاريخ دمشق) مثل أولئك القوم سواء بسواء، وتبصر هذا وتمليه وتأمله لا شك أنه يعيد الأمة من جديد بعيداً عن العجلة والجزم بقطع لا وجه له إلا انحسار العقل وضعف الهمة.
فعل ما أُدونه ويتلفه غيره نحوه خلفاً يتلوه لبيان أمره وخطورته يكون دافعاً لتدارك الحال على وجه كصبح نهاره فيه (رابعة) مُشقةٌ بينة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved