الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 24th April,2006 العدد : 150

الأثنين 26 ,ربيع الاول 1427

وجوه وزوايا
عرضوا ل (كتوعة)!

*أحمد الدويحي:
أسعدني الحظ في حفل تكريم نخبة الرواد، بمعرض الكتاب الأخير، بالجلوس بجواره، وسماع حديث المكرم عبدالكريم الخطيب، وشدتني كثيرا تفاصيل من حياته المليئة بالعمل والكفاح الطويل إعلاميا وأديبا، وهو في سنه الثمانيني متعه الله بالصحة، يروي جوانب منها، فتوقفت أمام مشهد غريب في مسيرته مع الميكروفون، إذ قال:
كان يقدَّم برنامجاً إذاعياً (الأرض الطيبة)، أو هكذا في بداية الثمانينات - طبعا في القرن الماضي - وحينها كانت الإذاعة هي النافذة الوحيدة لذلك المجتمع، فليس هناك مواقع للنت ولا محطات تلفزيونية ولا صحف تستطيع الوصول إلى الناس خارج المدن، وللإذاعة وصوت المذياع سحر فريد بين الناس، فأراد الوزير في تلك المرحلة، أن يصل بصوتها ونشاطها إلى جميع مناطق المملكة، فكلف الأستاذ الخطيب بالتوجه إلى المنطقة الوسطى، وجهزت له عربة نقل خارجي، ليتجه طاقم العمل الذي قرر زيارة المزارعين هناك كما أراد الوزير.
وشد الرحال الوفد الإعلامي، الصغير في إمكانياته، ومحدودية آلياته، وظروفه وسوء الطرق، وفقر المعلومات لديه، ليقابل المزارعين في مواقع عملهم، وحينما اقترب الوفد من إحدى البلدات، استقبلهم أمير تلك البلدة، ومعه عشرة مزارعين اختيروا بعناية، خارج تلك البلدة بمسافة ليست قريبة، حوالي خمسين كيلو مترا، ففرح الوفد لهذا الاستقبال الذي تحول إلى مفاجأة ليست منتظرة، إذ طلب منهم تغطية سيارة الإذاعة بشراع، وإخفاء جهاز المذياع، والبدء في إجراء الحوار مع المزارعين الذين جلبهم معه، والمغادرة فورا لأنه لا يضمن سلامتهم!.
أنا لم أكن مذيعا ولا هم يحزنون، كنت دون العاشرة في ذلك الزمن البعيد، شغوفا في قريتي (العسلة) برؤية المذيع اللامع يحيى كتوعة رحمه الله، ومعه مهندس الصوت من أبناء إحدى القرى الأخرى، كان حظ هذا المهندس العجيب من السماء، وقد تبارت القرى للفوز بهم وعرض نفوذهم وفلكلورهم، وشرف سماع أصواتهم في الإذاعة، فنظمت قرية المهندس لهم حفلا مشهودا، وأقاموا احتفالا كبيرا وعرضوا..
والعرضة الجنوبية ذات معان متعددة، رامز إنساني إلى دلالات ليس أولها، تنويعات شاعرها كالمبدع عبدالواحد الزهراني، وآخرها راقصون على زلفة فارغة، ليصبح الصباح وتلك القرية أضحوكة القرى، وإذا أُريد السخرية بهم، قيل ما عليك منهم، عرضوا لكتوعة!.
ذهب ذلك الزمن البعيد، وجاء إلى منطقة الباحة في الأيام القريبة، أكثر من خمسة وأربعين أستاذا جامعيا للغة العربية وآدابها من جامعتي الملك سعود والملك عبدالعزيز، وتوج هذا الحضور الرجل النبيل د. عبدالعزيز السبيل، وهي مناسبة بلا شك في هذه المرحلة، لها الدلالة الثقافية، تروي عطش أبنائها إلى المعرفة والثقافة الحقيقية، وسانحة إلى رمز ثقافي جميل، يلتفون حوله كهذه الكوكبة الجميلة، والمشهد الثقافي يترقب تسمية مسيري الأندية، للاحتفاء بثقافة مجتمع يقبل التنوع، فالوزارة ستدع هذا الشأن لأهله وتعنى بمسؤولياتها، تولهت كعطش الأرض لزخات مطر، انتظروهم فهم نخبة ثقافات متنوعة، ومشارب متعددة وبينهم من أبناء المنطقة، نحترمهم جميعا دون تحديد الأسماء في أرض الباحة، حلت بهم نغمات المطر ورعود الشعر، وحالت كثافة الضباب وحجبت الرؤية، بينهم وبين رؤية أماكن أثرية وتاريخية وأسطورية ثرية، أحاط بهم المطر وعقليات الحرس القديم، فتوقعت أن يكون صالون د. علي الرباعي الرمز الثقافي الجميل محطة لجيل جديد، وسألت وأنا أعرف الجواب عن جو الحوار في النادي الأدبي، فقالوا إنهم يعرضون..
نعم إنهم يعرضون، وأين؟ في الأستاد الرياضي!، تذكرت نفوذ ذلك المهندس وضحكت، الدلالة الوحيدة هنا في هذا الزمن، أن الملعب أمسى نموذجا لكل القرى، ترحمت على الأموات، والأصوات المعلبة في الزمن الجميل، وخشيت أن يلتبس المشهد على الدكاترة، فقد يذهب أحدهم إلى تأويل مشهد اللعب بأنه جد (رقصة الحرب)، وقد يفهم آخر وهم أساتذة اللغة، أن المفردة الشعرية (أن بعض الرقص عيب)، إذا شطرت باللهجة المحكية، فتصبح (أن بعض الرق صعيب)، حينها من حسن حظي، أني على جبلٍ أمشي، أنظر نحو الغيوم، وعمر الغيوم قصير، فتلهيت بقضم حبات اللوز الخضراء، انتشي بالغيوم ومنابت الشجر، وغدوت طفلا يعدو، يلعب، يفجر ماء البرك.


aldw17y1000@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved