الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 24th May,2004 العدد : 60

الأثنين 5 ,ربيع الثاني 1425

في ديوان (شَلُوْم يا عرب)
منصور الحازمي و(ماجي) وأشياء أخرى
(يقدم الدكتور الاكاديمي) الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية.. العضو السابق في مجلس الشورى.. والاديب الناقد السعودي منصور الحازمي.. يقدم نفسه الى القراء كشاعر.. مجرد شاعر.. وذلك من خلال ديوانه الاخير ( شلوم يا عرب) المطبوع عام 2003م جاء اسم منصور الحازمي على غلاف الديوان مجرداً من أي لقب فالدكتوراه لم تفتنه.. بل لم يفتنه حرف الدال ليلازم اسمه ملازمة الظل للانسان.. فيخدعه عن نفسه كما خدع الكثيرين وهم في الحقيقة أصغر من اللقب..وأقل من الدال الفاتنة وأحسب ان منصور الحازمي اكبر من الدكتوراه.. في علمه وتواضعه.. وأدبه.. وأخيراً في عطائه.
وقصة المفكر العظيم عباس العقاد رحمه الله مع الدكتوراه اشهر من ان تذكر.. فحين عزم جهابذة الادب وعلماء مصر على ان يمنحوه الدكتوراه.. وهو الذي لا يحمل غير الابتدائية رفض ذلك بشدة.. قائلاً في اعتزاز وثقة: بل انا الذي يمنح الدكتوراه!
والعقاد في حياته وبعد مماته استاذ كبير.. وأب روحي لكثيرين حملوا الدكتوراه كلقبٍ فقط..أو كورقةٍ ترفع من مستواهم الوظيفي.. لا الإبداعي.
منصور الحازمي في ديوانه المذكور ابدع ايما ابداع في الشعر ولا نعلم اين كان شاعرنا الرقيق يخبئ شاعريته طوال هذه السنين التي رأيناه فيها عبر ساحات الابداع الادبي يواصل الركض.. ويواصل التأليف في النقد والقصة والرواية والموسوعات؟
علماً ان منصور الحازمي احد الشعراء العرب الذين تُرجم لهم في موسوعة البابطين بطبعتها الاولى!.. كذلك فإن للحازمي ديواناً شعرياً.. مطبوع عام 1981م، وان كان ديوان ( شلوم يا عرب) فيه من الشاعرية ما لا نجدها في ديوانه الاول حيث ضم الثاني 26 قصيدة اقدمها تاريخاً تعود الى العام 1976م.. واحدثها قصيدة مؤرخة بالعام 2000م.
ويبدو ان الحازمي قام بعملية انتقائية.. اختار خلالها ستاً وعشرين قصيدة.. ليست هي كل القصائد.. وليست هي كل التجارب الفنية او الشعورية التي خاضها الشاعر لاكثر من عقدين من الزمان، ويدفعنا الى ان نقول هذا الاستنتاج ونؤكده.. اذا اعدنا قراءة الديوان وامعنا النظرة في قصائده المختلفة والتواريخ المدونة في اسفل كل قصيدة..
فمثلاً في ص89.. تطالعنا قصيدة عنوانها ( ماجي) نظمت عام 1995م.. تدور حول تجربة روحية.. وتحكي احاسيس شاعر وقف مبهوتاً أمام فتاةٍ جميلة.. ليجسد هذا الجمال الخاطف في ابيات شعرية دقيقة.. منها:
دعْ عنك ما تروي الطرائف والاحاجي
واسمعْ صحيح القول من اجفان (ماجي)
تروي عن الارْزات.. عن لبنان
عن فيروز عن كبر الجبالعن الفجاج
الى ان يقول:
لولا ربيعك ما استضاق الكون
ما ارتعشت طيور الحب في دينا ابتهاج
لولاك ما غنيتُ يا ( ماجي) الصب
ورجوت ان يقف الزمان على سراجي
بيد ان (ماجي) هذه تحظى بقصيدة اخرى.. عنوانها ( ماجي والقصيدة) كتبت في العام 1998م.. فالفتاة الاولى هي نفسها الثانية غير ان بين القصيدتين زمناً يمتد عمره اكثر من ثلاث سنوات، فهل من المعقول ان لا يقول الشاعر غير قصيدتين فقط عبر ثلاث سنين متوالية؟!
بكل تأكيد هناك تجارب شعورية.. وقصائد متعددة ما بين زمني كتابة القصيدتين المذكورتين.. لسبب او لاخر آثر الشاعر الاحتفاظ بها.. ربما ليضعها في ديوان اخر.. أو انها من خصوصيات الشاعر واسراره الذاتية.. اقول.. ربما!
وهناك قصيدة ثالثة نظمت عام 2000م عنوانها ( شاعرة) اجواؤها العامة توحي بأنها موجهة الى (ماجي) المذكورة وان لم يذكر اسمها صراحة كما ذكر في ثنايا القصيدتين السابقتين..
يقول الحازمي من قصيدة (شاعرة):
الشعر أنتِ ترانيم واوزان
وانتِ كالكون افراحٌ واحزان
وانتِ اشجانُ قلبٍ هدّه نَصَبٌ
وآوه الصمت واغتالته ازمان
لمّا تقولين تهتز الدّنا طرباً
وان سكت يمتْ وردٌ وريحان
كأنما الشعر لما تهتفين به
روحٌ تمرد في ( الاغلال) نشوان
اليست الشاعرة هنا هي نفسها التي يقول عنها في قصيدة:
(ماجي والقصيدة) ص100:
كلما قلتُ وداعاً
لصبايا الشعر
للفردوس..
جئتِ
أنت يا ماجي ولحتِ
تحملين الورد في كفيكِ
ترمين به جدبي وصمتي
فإذا العاشق يهتزُّ بصدري
واذا الشاعر انتِ..
واذا انتِ القصيدة
أنا اقول: بلى او اقول ايضاً ليت الشاعر يتكرم ويكشف اللثام عن هذه العلاقة الحبِّيَّة التي جعلته ينطق شعراً ويقول كلاماً رائعاً وجميلاً عبر نصف عقدٍ من الزمان واذا عدنا الى قراءة اقدم قصيدة قالها الحازمي في ديوانه ( شَلُوْم يا عرب) فإن قصيدة (على أطلال كلية الاداب) التي افتتح الشاعر بها الديوان هي الاقدم..
ومن الغريب انها غير موجودة في ديوانه الاول المنشود عام 1981م.. رغم جمالها واجادة الشاعر في تصوير وداع عميد كلية.. واستقبال عميد جديد:
قفْ بالديار على كلية القلمِ
واسكبْ لديها دموع الحزن والالم
عفّت معالمها لولا شويهدها
على الجدار وغير الهيكل الهرم
وهذه اطلالة تشبه اطلالة الشعراء المتباكين على الدمن والاثار.. غير ان الشاعر حديث وعصري وليس جاهلياً متقدماً اذ سرعان ما يعود الى واقعه.. فيقول بروح (أحمد شوقي) وتعابيره المعهودة.. مخاطباً الكلية:
وهل يموت على الايام جاحظها
او يعجز القسّ عن اضمامة الكلم؟
لم يعرف الدهر قبل اليوم معجزةً
اذلّت الخلْق بالفولاذ والحممِ
الى ان يقول في نهاية القصيدة مصوراً صمود كلية الاداب برغم كل ما يحيط بها من عوائق ومعضلات:
لمّا تفاقم بالآداب معضلها
وأُثمنت بسهام الجهل والنقم
قامت تدبّ على عكازها وغدت
للموسرين تمد الكف لم ترم
ولم تبال بما يُلقى بجعبتها
فكل ساقطةٍ تلقى لملتهم
والملاحظ ان الحازمي يوضح مناسبة كل قصيدة.. لكن لا يمكن تشبيه قصائده بقصائد المناسبات التي تقتل روح الشعر ووهجه.. وبالتالي تختفي بصمة الشاعر او تكاد..
ف..(لآلئ المركز) عنوان قصيدة عمودية تقليدية على بحر البسيط ابان الشاعر ان مناسبتها توديع العميد.. احد عمداء كلية الاداب عام 1984م.
يقول الشاعر في مطلعها المتشابه ومطالع (ابو نواس):
لا تبك هنداً ولا تحزن على دعدِ
ودعْ سُعيداً يقاسي لوعة الكمدِ
لا تلتفتْ لعيون الغيد شاخصةً
ان التفتَّ فلن تقوى على الجلد
الى ان يقول متوافقاً مع المتنبي في تفضيلها الاعرابيات دون الحضريات:
وما تقول لاعرابيةٍ نَبَذَتْ
زيف الحضارة والاصباغ والرغد
إشارة الى بيت استاذه المتنبي القائل:
حسْنُ الحضارة مجلوبٌ بِتطريةٍ
وفي البداوة حسْنٌ غير مجلوب
وتمضي القصيدة على هذا المنوال الذي يؤكد انغماس الشاعر بالتراث وعلاقته الحميمة مع الاوائل:
يا ليلة الصبّ كم تشقيك آنسة
انْ فارقتْك على كرهٍ.. ولم ترد
وما العميد وانْ غاضت بشاشته
سوى المتيم ذاك العاشق الفرد
وفي ص26 تطالعنا قصيدة (خليلية) مهداة الى الاديب عبدالفتاح ابو مدين.. ثم في ص31 يهدي الشاعر قصيدة تجاوزت العشرين بيتاً الى الدكتور أحمد الضبيب بمناسبة تقلد الاخير منصب مدير جامعة الملك سعود سنة 1410هـ.
أما قصيدة ( شلوم يا عرب) ومعنى (شلوم) بالعبرية (السلام) فقد افتتحها الشاعر بثمانية ابيات موزونة مقفاة:
شلومٌ أيها العرب
وإلا القهر والغضبُ
عناقيد مفخخة
فلا تينٌ.. ولاعنب
وبعد ابيات مشابهةٍ تصف منطق الاسرائيليين الجائر يترك الشاعر ركوب بحره الشعري الهادر.. فيقول:
مواكب العرب يا أنشودة الظفر
ردّدِ الصرخة يا صوت العربْ
لقِّن التاريخ عنا ماوجب
الا مرحباً مرحباً بالكفاحْ
ويا ألف لبيك داعي السلاح
وفي مقطعٍ آخر أو أخير يعود الشاعر كما بدأه قائلاً على لسان المعتدين الظالمين:
سنمحو العارات والثارات
لارجس.. ولاجرب
فنحن البدء في التاريخ
نحن الاصل والنسب
وما انتم سوى الاعراب
انْ لِنَّا لهم نهبوا
نقتّلكم.. ومازلنا
نعرِّي العجز.. نستلب
ثم يختم الشاعر قصيدة الديوان بهذه الامنيات التي ينتظرها العرب والمسلمون جميعهم:
سننتظر
الى انْ يولد القمر
صلاحُ الدين او عمرُ
الى ان ينطق الحجرُ
الى ان يخرج الثعبانُ
يمشي البحر والكثبانُ
يفنى الكون والبشرُ
سننتظر
والمزاوجة بين الشعر العمودي والتفعيلي في قصيدة واحدة اعتمد عليها كثير من الشعراء المعاصرين لاستيعاب انفعالاتهم وتدوين مواقفهم المختلفة تجاه احداث العصر ونكباته..
وهي تشكل ظاهرة.. وملمحاً من ملامح التطور الشعري العربي..
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved