الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 24th July,2006 العدد : 163

الأثنين 28 ,جمادى الثانية 1427

وجوه شامية
من أصدقاء العمر الجميل
بقلم: د. صباح قباني
نزار قباني
في العاشرة كان يريد أن يصبح رساماً أو خطاطاً، وفي الثانية عشرة حاول أن يكون موسيقياً، وحين بلغ الثالثة عشرة أدرك أن قدره هو الشعر، والشعر وحده.
وكتب، وهو في السادسة عشرة خلال رحلة مدرسية إلى إيطاليا، قصيدته الأولى التي كانت تفيض بحنينه إلى دمشق، وبخوفه من ألا يعود إليها بعد أن كادت تنقطع به وبرفاقه سبل الرجوع إلى الوطن؛ إذ نشبت الحرب العالمية الثانية في أوروبا وهم فيها.
وهكذا سافر نزار عام 1939م إلى إيطاليا سائحاً فتياً، وعاد منها بعد أسبوعين شاعراً واعداً، ولم يلبث طويلاً حتى أصدر ديوانه الأول وهو في الحادية والعشرين. ودأب منذ تلك السن المبكرة، وطوال أكثر من خمسين عاماً، على البحث عن لغة شعرية جديدة ومختلفة بأسلوبها وبموضوعاتها. كان يريد أن يجعل الشعر في متناول أيدي الناس وقلوبهم، ويقدمه لهم بكلمات تشبههم، وتشبه شكل ابتساماتهم، وشكل جراحاتهم، وشكل أيامهم، ويسمعون فيها أصواتهم هم، ومفرداتهم هم؛ لأنه كان يعتقد أن اللغة إنما يصنعها الشعراء وليس النحاة.
عن هذه اللغة البعيدة والقريبة، والممكنة والمستحيلة، كان يبحث ليكتب بها شعراً ينتقل بسلاسة ودون تأشيرات دخول من القاهرة إلى بيروت، ومن طنجة إلى المنامة، ومن دمشق إلى أم درمان. فدمشق التي كان لها النصيب الأكبر والأجمل من شعره لم تكن مجرد مسقط لرأسه، بل كانت عنواناً لكل مدينة عربية انطلق فيها صوته أو ترنَّمت بقصائده، ورمزاً لكل حبيبة عشقها. وهكذا أصبح عنده الوطن والحبيبة والصديقة والأم شيئاً واحداً. وكان نزار يرى أن الشعر هو كلام راقٍ يصنعه الإنسان لتغيير مستوى الإنسان، ولهذا لم يكن يؤمن بشعر لا ينفع ولا يضر، ولا بخطاب لا يخاطب أحداً. كان يريد فقط أن يكون وجدان العرب:
(.. أنا الشفاه للذين ما لهم شفاه
أنا العيون للذين ما لهم عيون
أنا كتاب البحر للذين ليس يقرؤون
أنا الكتابات التي يحفرها الدمع
على عنابر السجون)
ومن هنا قال عنه صديقه محمود درويش: (إنه شاعر الجميع؛ فقد كان في النصف الثاني من القرن العشرين أمير الشعر العربي بحق). ولهذا لم يكن يستريح إلى تلك الوصفات الجاهزة التي تلصق به أو بشعره؛ كقولهم: إنه (شاعر المرأة)، أو (شاعر الحب) ويتوقفون؛ فلقد كان بالأحرى شاعر قضية، سواء كانت قضية المرأة أو قضية الوطن.
كان يتطلع إلى إخراج علاقات الحب في المجتمع العربي من حفائر القهر والكبت إلى ضوء الشمس، ومنحها العلنية الشرعية، وكسر صورة المرأة الجارية. كان حين يطلب الحرية للمرأة، وللوطن، وللكلمة فإنه يطلبها بمفهومها الشمولي المطلق، فليس هناك نصف حرية، أو ربع حرية، أو حرية بالتقسيط:
(كلما غنيت باسم امرأة
أسقطوا قوميتي عني وقالوا:
لمَ لا تكتب شعراً للوطن؟
آه.. لو يعرف من يقرؤني
أن ما أكتبه في الحب
مكتوب لتحرير الوطن..)
وكان في علاقاته العاطفية ملتزماً بمبدأ الصدق مع نفسه ومع مَن عرفهن:
(عرفتُ نساءً هنا.. ونساءً هناك
ووجهاً جميلاً هنا
وقواماً رشيقاً هناك..
وغنَّيتُ أحلى القصائد تحت
نوافذ كل بلدْ..
ولكنني لم أقل مرةً
لأية سيدة جالستني
وأية عابرة صافحتني:
(أحبك حتى الأبد)
فليس هناك في لغة العشق
شيء يُسمَّى (الأبد)..
فكل الجميلات يأتين يوماً
ويرحلن يوماً
ويبقى الوحيد الأحد!)
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved