الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 24th October,2005 العدد : 128

الأثنين 21 ,رمضان 1426

مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني
تأليف: الدكتور بكري شيخ أمين
قراءة: حنان بنت عبد العزيز آل سيف

في تاريخ سوريا صفحات مضيئة، كتبها رجال أفذاذ، وأعيان أوتاد، كتبوها بمرارة الصبر، ونور العقل، ودم القلب، وصدق الضمير، فإذا بهذه الصفحات دور للأدب والنقد والشعر والنثر، هي أقلام تخط الفكر، وقرائح تنبه العقل، وعقول توجّه الهمم، وفوق كلِّ هذا هي أيدٍ بارة حانية، وعيون ساهرة، وضمائر يقظة.
سنوات عديدة، وجهود مديدة، سكبت في محراب العلم والمعرفة والأدب والتأدُّب، برشاقة لفظ، ونباهة معنى.
والدكتور بكري شيخ أمين - حفظه الله تعالى - أمير المنابر الأدبية ورئيس المعاهد العصامية، بل هو أمير رئيس مقدام بين الرجال، آمن بالكلمة كفعل خلق وإبداع وابتكار وتألُّق، فزرع في حياضها أطيب الغراس، التي تنشر أريجها الفواح، وتؤتي أُكلها مرتين، إنّه رجل عريق، غنيٌّ عن التعريف، شهرته طبقت الآفاق، وذكره عمَّ الأقطار، فهو شجرة ذات أغصان فارعة، لا تزال تُعطي وتدر أطيب الثمار، حمل أروع الرسالات الأكاديمية الجامعية فكان ينبوعاً ثراً متدفقاً، تستحيل عليه سمة الجفاف، بل هو ينبوع مفعم بالحياة والفيضان، يتفجّر همّة وإرادة وطموحاً وعصامية، فتح قلبه على مصراعيه لطلابه، فأنشأ للأدب مناراً، وللنقد صرحاً وأحرق نفسه في سبيل العلم ليقهر الجهل ويزدريه، وانطلاقاً من شريعة فكره النقدي، وإرثه الأدبي، ألف لقصاد كعبته الشعرية كتاباً له بال، ومؤلّفاً له شأن، فتلقّفته أيدي طلاّبه بكلِّ سرور وغبطة وبهجة وحبور، هذا الكتاب البديع، صاحب الشأن الرفيع هو (مُطالعات في الشعر المملوكي والعثماني) جادت به الأيادي البيضاء ذات الأنامل الذهبية لدار العلم للملايين الكائنة ببيروت العامرة حرسها الله بحفظه وعنايته، وبين يديّ الطبعة الحادية عشرة من عام (2004م)، ويقع الكتاب (341) ورقة من القطع الكبير بارك الله فيه كيفاً وكماً.
وأصل الكتاب محاضرات أُلقيت طوال ثلاث سنوات متتالية على طلاب السنة الرابعة من كلية الآداب بجامعة حلب (1968-1971)، والسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه ما الجديد الذي طرقه المؤلِّف - حفظه الله تعالى - في هذا الكتاب، وكما عوّدنا الدكتور بكري شيخ أمين على حضور البديهة، وشدة اليقظة، وقوة التنبُّه، فهو همّام حارث، هُمام فارس، حيث يقول في مقدمة كتابه: (حاولنا أن ننظر نظرة جديدة في شعر هذه الحقبة المديدة من تاريخ أدبنا العربي، وتقومه تقويماً جديداً يعتمد على الدراسة الموضوعية، والرصانة العلمية، والاجتهاد الشخصي، ونبتعد عن كلِّ تأثُّر سابق، أو حكم تالد، أو نظرة سريعة، أو هوى جارف ما استعطنا إلى ذلك سبيلا ً) .. والميزان النقدي والحس الفكري قوي بارع عند الدكتور بكري شيخ أمين، فهو يتجلّى لهذه الدراسة من قبل قناعة عقلية من كونها جديرة بالدراسة حرية بالبحث فيقول: (ويخيل إلينا أنّه ما من عصر من عصورنا الأدبية أصابه من الظلم في الأحكام والإهمال في الدراسات، ما أصاب هذا العصر وناله، وأكثر من هذا اعتقادنا الجازم أنّ هناك عملية خفية تهدف إلى صرف الباحثين عن دراسة هذه الحقبة، والاكتفاء بحكم سريع ظالم عليها، ولسنا ندري لذلك سبباً اللهم إلاّ أن يكون هذا العصر هو الذي قاوم جحافل الغرب التي استحكمت حيناً من الدهر في هذه البلاد، ودفع الوثنية التي جاءت على سيوف التتار ورماحهم وملأ المكتبة العربية التي خوت بمصيبة بغداد وسواها بالتراث العربي والإسلامي المشرقين، وأعاد إلى النفس العربية عزتها وثقتها ويكفي سبب واحد من هذه ليشحن قلوب الشعوبيين والأعداء والمبغضين والمارقين والمنحلين حقداً ضد العصر، وآله وكل ما كان فيه).
وهيكل الكتاب المرسوم يظهر في الشكل التالي:
مقدمة وتوضيح، الباب الأول: البيئة العامة في العصرين المملوكي والعثماني، وينقسم إلى الفصول التالية: الفصل الأول: البيئة التاريخية، الفصل الثاني: البيئة الاجتماعية، الفصل الثالث: البيئة الثقافية.
الباب الثاني: الفنون الشعرية التقليدية وفيه الفصول التالية:
الفصل الأول: المديح، الفصل الثاني: الرثاء، الفصل الثالث: الغزل، الفصل الرابع: الفخر والحماسة، الفصل الخامس: الهجاء، الفصل السادس: الوصف.
الباب الثالث: الفنون الشعرية المستحدثة، مقدمة، القسم الأول:
الأشكال الشعرية المستحدثة وفيه فصول: الفصل الأول: التاريخ الشعري، الفصل الثاني: الألغاز والأحاجي، الفصل الثالث: التشجير، الفصل الرابع: ذوات القوافي، الفصل الخامس: القوافي المشتركة الملونة، الفصل السادس: الطرد والعكس، الفصل السابع: محبوك الطرفين، الفصل الثامن: الشعر الهندسي، الفصل التاسع، ألوان أخرى من البديع.
القسم الثاني: المعاني الشعرية المستحدثة، الشعر الديني، الفصل الأول : الشعر الصوفي، الفصل الثاني المدائح النبوية، الفصل الثالث: الحشيشة، الفصل الرابع: شعر الفكاهة، الفصل الخامس: الإخوانيات.
الباب الرابع: الطوابع العامة للشعر في عصري المماليك والعثمانيين.
وفيه مقدمة وفصول: الفصل الأول: مشكلات التقويم، الفصل الثاني: المؤثرات العامة في العمل الشعري، الفصل الثالث: الجانب الفكري والفني.
ومن خلال قراءتي في الكتاب تبدى لي الدكتور بكري شيخ أمين أديباً أريباً، وناقداً حصيفاً، ومتذوقاً دقيقاً واستمع إليه وهو يدلي بحكمه النقدي على أدب العصرين المملوكي والعثماني: (الظاهرة البارزة في تاريخ الأدب العربي عامة، والعصرين المملوكي والعثماني خاصة، أن موكب الشعر لم يتوقف أو ينقطع، على الرغم من تغيُّر الأوضاع السياسية، وتبدُّل الأحوال الاجتماعية، وتباين الأجواء الفكرية والثقافية بين شتى الأمصار ومختلف العصور.
لقد احتفظ الشعر بمكانته التقليدية من العناية والرعاية، وظلّ الناس يتداولونه ويتذاكرونه، ويتسامرون به، ويحفظونه عن ظهر قلب، ولا غرو في هذا، فهو تراث العرب الثقافي الخالد، وهو هالة السحر والجلال التي تحف بالشاعر العربي، وبه يبدو القادر على نظم القصيد ممجَّداً في قومه، مكلّلاً بالغار أمام حاكمه، مهما كان لون الحاكم وجنسيته ولغته ومهما كان الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي في البلاد، ولا غرابة بعد هذا إن عالجوا قرضه على الدوام، ومحاكاة النظم الرائع السابق منه).
وكأني بأستاذي القدير، الدكتور بكري شيخ أمين يشير إلى ما وصفه ابن رشيق القيرواني في كتابه: (العمدة في الشعر) وهو أنّ العرب تدق الطبل، وتأتي بالرقص إذا وُلد فيها شاعر، فرحاً بميلاده ومرحاً بمجيئه، والجميل في الكتاب ذلك الاستقصاء البديع، والاستيفاء الرفيع، وبالنسبة لشواهد الشعر، وما نجم عن اختيار المؤلّف لنماذج جميلة رشيقة، وهذا يؤيِّد ما ذهب إليه المؤلِّف النحرير في مقدمته وهو أنّ هذا العصر قد أصابه ظلمٌ في الحكم، وإهمال في الدرس.
ومن نماذج القصائد قصيدة لعُمارة اليمني يقول فيها:
الحمد للعيس بعد العزم والهمم
حمداً يقوم بما أولت من النعم
فهل درى البيت أني بعد فرقته
ما سرت من حرم إلا إلى حرم
حيث الخلافة مضروب سُرادقها
بين النقيضين من عفو ومن نقم
وللإمامة أنوار مقدسة
تجلو البغيضين من ظُلْم ومن ظُلَم
وللنبوة آثار تنصُّ لنا
على الحقيقين من حُكم ومن حِكم
أقسمت بالفائز المعصوم معتقداً
فوز النجاة وأجر البر في القسم
لقد حمى الدين والدنيا وأهلهما
وزيره الصالح الفراج للغُمم
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها
عقود مدح فما أرضى لكم كلمي
خليفة ووزير مدّ عدلهما
ظِلاً على مفرق الإسلام والأمم
زيادة النيل نقص عند فيضهما
فما عسى يتعاطى هاطل الدِّيم؟
وأخيراً: فقد كان الدكتور بكري شيخ أمين في هذا الكتاب عَلَماً من أعلام الكلمة النقدية الشائعة المسموعة الموقرة، وأسطورة سحرية من أساطير الكلمة الأدبية الرنانة الطنانة المعتبرة، شخصية فارعة بارعة صفّق لها الأدب، وانتشى لها الشعر، وقبلها المجد، فلله درّها.


ص. ب (54753 - الرياض 11524)

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved