الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 24th October,2005 العدد : 128

الأثنين 21 ,رمضان 1426

ليتها تصبح منصوبة على التصالح!!
أمل زاهد
أحسب الأستاذ نايف فلاح خصيما للمرأة وليس خصيما عليها كما أحب هو أن يوصف، ففي مقاله المهم (حواء منصوبة على التنازع) والذي نشر في المجلة الثقافية يعرض للكثير من الأمور الجوهرية في قضية المرأة والتي نوافقه في معظمها ونخالفه في بعضها.
فقضية المرأة يجب ألا تنفصل عن قضية الإنسان أو المواطن السعودي وحقوقه وحريته، وموضعتها في خانة التنازع والصراع-سواء بين الرجل والمرأة نفسيهما أو بين الجناح التقليدي والجناح الحداثي-ليس إلا تزييفا للوعي وإساءة للقضية وتحويل مسارها ومجانبة الصواب فيما ينوط بهذه القضية أن تحمله، وأن ترفع لواءها في سبيل نصرته.
فتصنيفها في خانة التنازع والخلاف لا يحمل في ثناياه إلا ضررا بالغا للمجتمع لما يحمله في أعطافه من تفكيك وتفرقة وتشرذم يفرق الجمع بدلا من أن يجمعه على غاية واحدة.. تتجسد في التملص من براثن الجهل والتخلف والظلم والكسل والتواكل التي وجد المجتمع بشقيه النسائي والرجالي نفسه يغرق في لجتها.
فقضية حرية المرأة ونيلها لحقوقها ليست أمرا منفصلا عن الحريات والحقوق العامة وتمثل جزءا أساسيا وفرعا جوهريا ينبثق من ذلك الكيان ويتفرع من أصله، وقضيتها أيضا ليست منفصلة عن قضية المجتمع بل مرتبطة بها ومتشابكة معها اشتباكا لا فكاك فيه ولا انفصال، فلا يمكن أن تتحقق نهضة مجتمعاتنا دون مشاركة المرأة التي تمثل نصف المجتمع من جهة وتقوم على تربية وتنشئة النصف الآخر من جهة أخرى وهي من جوهر التحديث ومقدماته وليس من قشوره ونتائجه!
وقد كان من سوء طالع هذه القضية في المملكة العربية السعودية تزامن عرضها على بساط العرض والبحث مع تداعيات أحداث 11 سبتمبر مما وصمّها بالتهجين والتغريب وبالبعد عن حاجة المجتمع الحقيقية لها فلاحت فيها صفات وملامح الدخيل والمتعدي بدلا من أن تظهر بصفتها حاجة ماسة نابعة من المجتمع نفسه وبرغبة داخلية من كافة أفراده، ومن هنا يأتي ذلك التشابه-وليس الاتصال- بينها وبين قضية المناهج فالرغبة في الخروج من أسر المناهج القديمة حديث قديم جديد، ولكنه وجد الكوة المناسبة التي يطل منها مطالبا بحقه ومتشبثا بالرغبة في التغيير بعد بركان 11 سبتمبر وعواصفه الكاسحة.
فكلا القضيتين تنسمتا الظهور عندما وجدتا الفرصة مواتية لذلك وأحسب أن عدم ظهورهما على الساحة من قبل مرتبط بالموانع السياسية والاجتماعية والقراءة المتشددة للدين الحائلة آنذاك بينهما وبين الانبثاق والظهور، فما أن فتح الغطاء لهما حتى انتشرتا وأصبح خبرهما حديث كل ساعة في المجتمع السعودي.
والحقيقة أنه ضرب من المستحيل أن تستمر الأوضاع الاجتماعية المتدنية للمرأة السعودية كما هي عليه، لما مر به المجتمع السعودي من تغييرات ابتدأت بالتحديث واجراءاته والذي فرض واقعا جديدا كان لا بد من التعامل معه، مرورا بالطفرة الاقتصادية إبان السبعينيات والتي لم يصاحبها تغيير اجتماعي يوافق ويواكب تلك الطفرة، لذا كانت الحاجة ملحة للتغير الواعي المدروس والذي لا يعرض المجتمع لهزة تجعل الأرض تميد به والسماء تنطبق على كاهله، ناهيك بالطبع عن الظلم الاجتماعي الذي يمارس على المرأة باسم الدين بينما هو نتاج لأعراف وتقاليد تلبست واختلطت بالدين حتى تشابهت على الناس فأضحت جزءا من الدين ونسيجا متمازجا مع خطابه، وأضحت الحاجة ملحة لفك الالتباس ما بين العرفي والديني، وتوضيح الأمور الملتبسة وتبيان الفروق المختلطة.
وهنا يتوجب على كل ذي علم أن يدلو بدلوه وأن يقول كلمة فاصلة قاطعة فيما يختص بحقوق المرأة سواء منها الاجتماعية أو السياسية، فالدين الإسلامي لم يستلبها حقوقها السياسية كما ذكر الأستاذ نايف ولم يجحدها حقها في المشاركة في الشأن العام لذلك وجب التعريف بهذه الحقوق وما على المرأة إلا أن تختار أن تزج بنفسها في هذه القضايا أم تبتعد عن ملابساتها وتعقيداتها إذا لم تلمس في نفسها القدرة والجلد على مواجهتها، أو إذا لم تضمن تجنب الافتئات على وظيفتها الأساسية كأم وزوجة.
والأستاذ نايف يتساءل في استفهام تعجبي إنكاري: هل سوف نواجه خطراً إذا استغنت المرأة عن حقها السياسي أو سهمها الوظيفي أو أية مشاركة ما عدا بناء الأسرة؟! وأزعم أن في حوزتي الاجابة على سؤاله، لأننا سنخسر كثيرا لو حصرنا المرأة المتميزة المتعلمة في حيز الخاص فقط فنعرض معارفها للتآكل ووعيها للتهتك وطاقاتها للإهدار مع إمكانية الاستفادة من إبداعات عقلها وما يتفتق عنه ذهنها، وتركنا الفرصة لرجل قد لا يوازيها معرفة ولا يجاريها ثقافة ووعيا ليحتل الموقع الذي يجب هي أن تتبوأه فيكون الخسران مزدوجا على المجتمع الذي فقد كفاءة متميزة وعلى المرأة نفسها.
وحصر المرأة أيضا في دوائر الخاص سيرمي بها في أتون التفاهة وإزجاء الوقت في سفاسف الأمور وقشورها وهو ما يشكو عادة منه الرجل السعودي، وبناء الأسرة ليس حصرا على المرأة دون الرجل وتربية الابناء مهمة جليلة تشاركها فيها اليوم المؤسسات التعليمية كما يجب أن يشاركها فيها الأب والذي يبدو في مجتعاتنا وكأنه قد نفض يديه من هذه المهمة.
ويقول أيضا: لست بمباعد لها أو بمقص عنها كل مجال بعيد عن الأسرة، لكنني أحاول أن أتسق مع معنى (الحوار الوطني) أي أن قضية المرأة عندما تبحث في إطاره، عليها أن تنطلق من موقع الخدمة الأجل فالأقل، لأن الإصلاح من شأنه أن يقدم الحاجي على التحسيني وليس العكس.
وأوافق الأستاذ نايف على تقديم الحاجي والضروري على التحسيني ولكن من يضع الفروق بين الحاجي والتحسيني؟ وهل ما هو حاجي لامرأة معينة يحتل نفس الموقع عند امرأة أخرى؟! وهل ما هو حاجي لأسرة ما سيكون بالضرورة حاجيا عند أسرة أخرى؟! فلا أتصور إمكانية وضع حدود فاصلة بين الحاجي والتحسيني، ولا نستطيع أيضا أن ننمذج هذه الحدود ونضعها كمقياس ينطبق على كل امرأة أو ينسجم مع كل أسرة، أو حتى يتوافق مع النفع العائد على المجتمع نفسه من بقاء المرأة في بيتها أو تفعيل دورها خارجه لأن لكل امرأة ظروفها وإمكانياتها وقدراتها الخاصة.
دون شك كثير ممن يعرضون قضية المرأة الآن يسيئون لها أكثر مما يحسنون بتظليلها بالغطاء الغربي، ووضعها تحت خانة الهجين الذي لا يتوانى في أن يطفق خصفا على كل ما جاء في الحركات النسوية الغربية فيلبسه لقضية المرأة في مجتمعاتنا، ويكسو حقوقها صبغة غربية مع أن هذه الحقوق نستطيع استخلاصها من الدين نفسه ومن تعاليمه العظيمة.
وإذا كان التقليد وعدم أعمال العقل في النص المقدس مذموما، فإن التقليد لو قدم لنا مكتسيا حلة الآخر المتفوق عنا يجب ان يكون مستهجنا ومرفوضا أيضا إذا لم يتفق مع منافعنا أو ينسجم مع مجتمعاتنا. وسيكون للحديث عن ابتسار فهم رموز تحرير المرأة أمثال محمد عبده وهدى شعراوي وقاسم أمين من التيارين التغريبي والتقليدي بقية.


amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved