الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 24th October,2005 العدد : 128

الأثنين 21 ,رمضان 1426

قصة قصيرة
في غياب اللبن
سليمان بن عيسى الطويهر
نزل من سيارته وهو يفح تأففاً، النهار حار جداً، والمشوار من العمل إلى البيت مضني، وابن الجار الوقح لا يخجل من إيقاف سيارته أمام أي منزلٍ شاء. مسح بكمه قطرات العرق النازفة من جبينه المنهك. وبحكم العادة، حرّك حزامه المشدود على بدلته العسكرية، قبل أن يحمل الجريدة في يد، وبضعة أكياس في اليد الأخرى. حمل خطواته الثقيلة إلى البيت، الذي يقع في أول الشارع المزحوم. وعيناه تلقيان نظرة القرف المعتادة على سيارة ابن جاره الواقفة هناك.. في أول الشارع، وأمام باب منزله تماماً، دون اكتراث. كان يحاول الإمساك بأعصابه المهتزة كالأوتار، بصعوبة، خشية أن يلقي هذه الأكياس بما تحويه من زجاجات البيرة على السيارة، فيهشم زجاجها.
في غمرة قرفه تذكر أنه لم يشترِ لبناً!. وزوجته لاتأكل، إلا بحضرة اللبن.. هتف:
هذه البدينة.. ستنسى لا شك..
حدّث نفسه:
* لكها لا تنسى إلا المعروف، أعرفها جيداً.
عاد ليهتف:
سأقول لها نسيت..
*اوه، ستقول أني لا أهتم بها، وأنها دائماً على طرف البال!..
إذاً أقول أني لم أجد لبناً في الدكان..
* نفس الشيء، ستقول: لو كان يهمك أمري، لبحثت عنه في دكانٍ آخر.
اشتدت قبضته على الأكياس، وهو يركز انتباهه أكثر:
سأقول لها.. قصّرت الفلوس..
* لكنها تعلم أنني للتو نلت مكافأة الدولة الخاصة بالعسكر..!
أطلق زفيراً متأففاً.. وهو يحاذي سيارة ابن جاره:
ماذا أقول.. ماذا أقول..
تجاوزها محاولاً أن لا ينظر إليها، فيما أعصابه بدأت تهتز، وهو يردد:
ماذا أقول..
اشتدت قبضته على الأكياس.. قلبه انقبض أكثر.. وقف أمام الباب.. حاول إخراج المفاتيح بأطراف أصابع يده القابضة على الجريدة:
سأقول نسيت.. وستغفر هي لا شك، ليس من عادتها أن تغفر، لكنها ستغفر.. المسألة (لبن) لا أكثر..
اكتشف أن المفتاح في الجيب الآخر.. أغمض عينيه.. مد يده أقصى ما يستطيع.. علّها أن تصل إلى الجيب الآخر..
أخذ الصدى يدوّي في ذهنه:
* لن تغفر.. لن تغفر..
ضغط جفنيه أكثر.. ويده لا تصل للجيب.. انقبض قلبه.. وازدادت دقاته.. هتف بضجر:
لبن! لبن! كل يوم لبن!.. اوووف وبعدين مع هذا المفتاح..
بدأ العرق يغمر جبهته وأنفاسه تتعالى و.. بدأت أصابعه تلامس المفاتيح و.. اهه إنه يحاول.. ويقترب أكثر.. و... لكن آه.. وقعت الجريدة..
أطلق زفيراً عنيفاً، أتبعه بركلة من (بسطاره) على الباب، بأعنف ما يمكن.. وركلة أخرى.. ليتوجه بعدها راكضاً ناحية سيارة ابن جاره.. خطوتان وصلها.. ألقى القوارير على زجاجها بأقوى ما يمكنه.. ودون أن يتوقف واصل ركضه المحموم ناحية سيارته.. عاضاً على أسنانه، بعينين مغمضتين.. وأذنين تلتقطان أصوات تهشم الزجاج من خلفه..


sulaiman_t@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved