الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 24th October,2005 العدد : 128

الأثنين 21 ,رمضان 1426

قصة قصيرة
لذة
العباس معافا
كنت أداعب فكري بأمور فعلتها صغيراً، ولا تزال تداهمني كلما يممت بذاكرتي جهة الوادي، أغرق في لُجَّة الماضي المعشب منتزعاً من خارطتي القديمة بعضَ المواطن التي ما انفكتْ تداعبني، حين كنت أعبر الوادي، أمشي على آثار العابرين من الوادي لجهة (العروج)*، أضع قدميَّ على أول أثر، أقابله لتبدأ لعبتي، لطالما نهرني والدي عن فعل ذلك زاعماً أن من يسير على أثر غيره يُصبح عقيماً..!!، بعدها رحتُ أُغافل والدي بممارسة لذتي، حتى أنني ذات مرة مشيتُ خلفه متتبعاً أثره، لموضع قدميَّ كنتُ أنظر، لم أشعر إلا وصفعة ترنُّ في وجهي وكلماتٌ تقيأها والدي في مسمعي، منذ ذلك الحين ووالدي يرغمني على السير أمامه، فلا أتلذذ إلا إذا كنت وحيداً.
حين نهرني أبي عدتُ بذاكرتي إلى موقف يشبه ذلك، بأن أمي حين كانت تطحن الحبَّ على (المطحنة) ذات صباح، قامتْ من مقعدها فقمتُ جالساً مكانها، أذكر أنها حين عادت نهرتني، قائلة في وجهي: إن من يجلس على (المطحنة) يُسمي عقيماً. كانت ردة فعلي مغايرة عما فعلتُه حين نهرني أبي، قمتُ من مكانها دون أن أكرر فعلتي.
تذكرتُ أنني في يوم كنت أمارس المشي على الآثار، تعثرت برجل مسن، نهرني عن فعلتي، عدت بفكري إلى والدي حيث كان ينهرني كذلك، كان ذلك الرجل يسكن في (عشة) بإحدى جنبات الوادي، تذكرت أني سألته عن سر سكناه هناك، قال لي: وأين أسكن؟.
قلت له: لِمَ لا تزحفْ إلى القرية؟.. فاجأني رده مستفهماً، قلت: قريتُنا..!!
عاد ينهرني عن عادتي مُكرراً على مسمعي قوله إنني سأصبح عقيماً. قهقهتُ قائلاً: إنها لا تعدو خرافة. أجابني بأنها حقيقة.
راحَ يسرد عليَّ قصة الرجل الذي كان يمارس نفس فعلتي، يقضي يومه عابثاً على آثار العابرين، قال بأنه ذات صباح بَكَّرَ في لُعبته، راح يمشي على أثر، أوغل في مشيته ناحية العروج، يسير على أثر يجهل لمن هو؟ يقال إنه كان يتعقب أثر جني يسكن في ناحية من الوادي، إذ رأى الجني يقضي حاجته، حين رآه الجني هبَّ فزعاً من هذا المتطفل، لم يستطع الرجل حينها حراكاً، غاب الرجل عن القرية، تناقلت القرية خبر اختفائه بشغف، قالوا إن الجني حوله كومة من رماد، ويُقال إنه مُعلقٌ في عرجٍ بناحية الشرق يحاول الخلاص، ويقال إن جرأته التي عدها الجني له سابقة لا تغتفر، لذا جعل منه وتداً يستر عنه عيون الناس، يقال أيضاً إنه بات يعوي كل مساء ببكاء، يسأل الرحمة من آسره، وأنه يبيت يلملم رفات العروج، يشعل منها وقوداً للذة الجني آسره. آخر ما قيل عنه إنه نبت في ناحية الشرق عرجاً تسلقته مخلوقات غريبة تنهش جسده، كل ذلك قيل عنه لكن أحداً لم يجرؤ على القول إنه أباح لنفسه ما لا يجوز، لم يكن من أمره إلا أنه عاد، دون أن يعاود المشي في الوادي، ولا لممارسة لذته. منذ ذلك الحين والرجل على طول عمره لم يقرب امرأته، قيل إن الجني سلبه رجولته، وبأن نداء تسامع من أعالي العروج ينذر بعاقبة لمن يحاول ممارسة غي هذا الرجل.


*العروج: جمع (عَرْج) وهي شجرة تشتهر بوجودها في جنوب الجزيرة العربية، تتصف بضخامتها، لها ثمرةٌ تُسمى في الجنوب ب(الكَيْن).

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved