الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 24th October,2005 العدد : 128

الأثنين 21 ,رمضان 1426

قصة قصيرة
أنفاس الرحيل
محمد المنصور الشقحاء

جاء إتقاني واجبات العمل في صالحي؛ مما خلق تواصلاً إيجابياً مع رئيس القسم الذي أعمل به، وثقة في المراجعين أنتجها تعاملي الطبيعي المبني على أداء مهامي بيسر، وحل ما يعترض واجباتي العملية بشفافية، هذا الأمر ولَّد تصوراً سحريا عني فيمن حولي نميته بدون قصد بعد إصرار مراجع يعتبرني ابناً له على دعوتي للعشاء، علم مدير الإدارة بالعشاء فدعاني لمكتبه وحذرني من استغلال عملي في أمور خاصة، لم أفكر كثيراً في النصيحة التي تعاملت معها بهدوء.
ذات ليلة بعد منتصف الليل وفي أثناء مناوبتي العمل دخل مدير الإدارة المكتب مرتبكاً وطلب مني إعداد كشف بالمراجعين، دقق فيه ثم بعد تردد حذر طلب حفظ أوراق أحدهم حتى الصباح وعرضها عليه بسرية ومباشرة وخرج، سرت معه حتى ركب السيارة.
تحول عملي إلى الفترة المسائية في محاولة يائسة للحصول على شهادة الثانوية العامة التي وقفت عنها بعد فشل عامين في اجتياز المرحلة الثانية، هنا اكتشفت أن في البناء المقابل للمكتب امرأة تنتظر خروجي وتراقب تحركي أمام المخرج فتسللت ذات يوم وراءها.
أيضاً عرف مدير الإدارة بأني في ليلة سابقة دخلت البناء المقابل، لم أجادله خشية امر لا أدريه، وفي موعد اختبارات المرحلة الثانية من الدراسة طلبت منحي إجازة من العمل للاستذكار وافق رئيس القسم وأبدى استعداده لمساعدتي، وبما أنني مصمم على النجاح فقد تحقق مطلبي واكتشفت عند عودتي للعمل إن امرأة البناء المقابل غادرت الحي.
قال بواب البناء المقابل وأنا ألاطفه باحثاً عن سكن لي وقد شعرت أني بحاجة إلى الاستقلال وأهجر منزل شقيقتي الذي ضمني عاماً كاملا تنفيذاً لرغبة والدتي وعدم مبالاة من والدي الذي وأد أحلامه في كبديل ليقاوم خلالي زمناً تأمر عليه، طلب إمهاله وسألته عن ساكن الشقة رقم ستة فعرفت أنه قام بشراء منزل في شمال المدينة انتقل إليه.
سألني مدير الإدارة عن سعيي للسكن بعيداً عن أقاربي ودافعه، شرحت له أمنياتي بمواصلة الدراسة وعملي وبعد منزل أختي فقد انبثق المطلب بعد تجاوزي المرحلة الثانية واني لا املك سيارة تقلني، ضحك ونصحني بتعلم القيادة حتى يسلمني إحدى سيارات المكتب ثم دعاني لمشاركته فرحة عقد قران ابنته البكر في حفل عائلي.. بعد نهاية الحفل أمر سائقه الخاص بإيصالي الى منزل شقيقتي أثناء الطريق عرفت أن العريس رجل أعمال وان العروس تخرجت من الجامعة وتعمل معلمة وان البنت الأخرى سوف تسافر لدراسة الطب حيث يقيم أخوها الذي يدرس منذ عامين بعد فشله في الالتحاق بالجامعة لتدني درجاته.
تعرض المدير العام لوعكة صحية أدخلته المستشفى وهناك قابلت زوجته وابنته، ولما زرته في المنزل الابنة هي من فتح الباب لي شدت على كفي ضاحكة لم اهتم بحركتها وان فكرت وأنا أتناول صحن براد الشاي من خادمة سمراء لم لم تفتح الخادمة الباب، عرفت أن زوجته تزور أمها المريضة وسوف تعود في ساعة متأخرة من الليل، بسبب مادة اللغة الإنجليزية لم انجح في الثانوية العامة أخبرني المدير العام أن ابنه الذي يدرس في الخارج لغته جيدة وبإمكانية الاستفادة منه.
صباح يوم عمل طلب المدير إحضار أوراق نسيها في المنزل فتح الباب الخادمة، لتطل المرأة التي بهرني جمالها ورشاقتها تحمل ملف الأوراق وأنا أتناوله منها هنأتني بالنجاح وان ابنها وابنتها اتصلا من لندن حتى تبلغني فرحهم بنجاحي.
تخيلت المدير وهو يعاتبني على تأخري بعد أخذه للملف وتقديمه لرجل يجلس قبالته انه يعرف السبب، تركت الاثنين لأجد في المكتب بواب البناية المقابلة بلغني أن جناحاً صغير في المبنى يحقق تطلعي ولن يعترض السكان على تأجيره، خاصة أن صاحب البناء يحتل الدور الثالث الذي يضم الشقة الصغيرة التي كانت ملحقة بسكنه ثم فصلها بعد زواج آخر بناته وانتقال أبنائه الكبار لمدن أخرى للعمل ولم يبق معه سوى زوجته وابن في المرحلة الدراسية المتوسطة وابن في المرحلة الابتدائية.
بعد مغرب يوم وأنا ألج مدخل مسكني الجديد الذي اعتدت فيه استعمال الدرج وجدتها تقف أمام المصعد، المرأة التي وافقت انكساري منذ عامين دخلت معها المصعد عرفت أنها ابنة صاحب البناء من زوجته الأولى المتوفاة، وان زوجها رجل أمن في مهمة خارج المدينة.
نمت طويلاً وعلى نداء أذان الظهر شعرت بالحركة حولي تذكرت أني أخذت إجازة من عملي لزيارة أسرتي والتعرف على أهل الفتاة التي اختارتها أمي زوجاً لي، ارتديت ملابسي وغادرت المبنى مضى شهر الإجازة سريعاً ورتبت طلب نقل عملي إلى مدينتي القديمة اعترض الزملاء وقررت زيارة المدير العام الموقوف عن العمل منذ ستة اشهر، احتفى بي وأخبرني انه سوف يلحق بابنه وابنته وبارك انتقالي.
جاءت الموافقة على انتقالي لمدينتي القديمة صباح يوم الأربعاء، وفي الطريق المتجه غرباً الذي اعتدته منذ كنت طفلاً وبعد تجاوز نصفه، توقفت لتزويد السيارة بالبنزين وتناول العشاء في مطعم ومقهى للمسافرين، كانت العاشرة ليلاً لما واصلت سيري وبعد مسافة لا أدري كم هي انفجر أحد دواليب العربة ولم استطع التحكم في المقود فانقلبت بي السيارة وسحق جسمي بين الهيكل المهشم، انساب دمي على إسفلت الطريق وأخذ نفسي يخفت بينما هناك حراك حولي وناس يستعجلون إخراجي حتى لا تلتهمني النيران، ولم اعد أشعر بشي وأحدهم يقول بسكينة وهدوء: مات الولد لا إله إلا الله.


m7med2000@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved