الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 24th October,2005 العدد : 128

الأثنين 21 ,رمضان 1426

س
الإصدار الإبداعي بين تحقيق الجودة والانتشار«1-3»
محمد الدبيسي

لتشكيل تصور يقارب الموضوعية في طرح هذه القضية، سنحاول تفكيك عنوانها: (الإصدار الإبداعي، بين تحقيق الجودة والانتشار) لحصر الحوار في معطياته الطبيعية المواتية, وعرض تصورنا لها وفقاً لواقعها الثقافي واستجلاء مظاهرها وتجلياتها في نطاق هذا الواقع؛ (فالإصدار الإبداعي) وصف يحتوي في دلالته الإبداع (المكتوب) بأشكاله المختلفة من شعر وقصص ورواية ودراسات نقدية وأدبية.
وإن كان الذهن حال إطلاق المصطلح (الإبداع) ينصرف إلى المعنى العام للتركيب: إصدار إبداعي, إذ يتلبس بالتأليف الأدبي قصة وسرداً ونقداً.. وهي أكثر المعاني تعبيراً وتمثيلاً للإصدار الإبداعي.. أو أقربها للتداول في الذهن الجماعي.. بمعنىً يحصر الكلمتين (الإصدار الإبداعي) في طبيعة هذه الإصدارات..؟
أما كفتا المعيار اللتان تتممان العنوان: (تحقيق الجودة والانتشار) فهما بعض القيمة أو الغاية التي تتوخاها الإصدارات الإبداعية على وصفها الذي حددناه.
وإن كنت أزعم أن القيمة الثقافية للإصدار الإبداعي، لا يمكن حصرها في مدى انتشاره.. إن قلة أو كثرة..، بل تتجاوز ذلك إلى الرؤية المعرفية التي يمكن أن يقدمها أو يضيفها, والإشكالية التي يثيرها أو يحاول مساءلتها وتقديمها.
أما (تحقيق الجودة) في إطارنا هذا؛ فهي محكومة بأذواق ومواقف ترتهن لتعدد نماذج التلقي، وتصوراته إزاء المنتج الإبداعي.. وضمناً أزعم كذلك أن الإطار (الجغرافي) الطبيعي للإصدار, يحصره في نطاق المشهد الثقافي المحلي.. وهو ما نحاول تقديم تصورنا حوله في هذه المقاربة, وما نحن معنيون به.. كمهتمين بالشأن الثقافي.
ومن هنا.. أعتقد أن حصر الحوار في مرحلة الإصدار.. بمعنى تجاوز العملية الإبداعية لمرحلة ولادتها وتشكلها وصياغتها النهائية، التي هي بحال ما تعبير عن رضا المبدع عن مستوى هذا الإصدار وقيمته..! وقناعته بأهليته لتقديم تجربته الإبداعية لمشهد القراءة والتلقي.
وما بين تحقيق جودة هذا الإصدار من وجهة نظر المتابع والراصد والمُقيّم.. والقارئ.. وبين حكم عام.. يحرر قيمة الإصدار ويبحث في تفاصيله القيمية..
هذا الحكم.. الذي لا يمكن الاتفاق على وجاهته.. أو صدقيته وموضوعيته باعتبار تعدد القراءات وتنوع الذوائق والثقافات في مرحلة التلقي أو الفرز والتقييم..! ومع ذلك.. فلا يمكن أن تظل قيمة الحكم هلاماً مثبوتاً في سدى الاحتمالات، أو أن تصهر رفضاً أو قبولاً في زوايا (وجهات النظر ).. أو أن تُبرر بضرورة التعددية والاختلاف في نتائج القراءة والتقييم..!
إذ ثمة معايير نقدية تتكئ على رصيد معرفي وثقافي، ورؤية نقدية بإمكانها أن تكون مقياساً تتوخى عبره قيمة الإصدار وجودته النوعية أو تواضعه وهامشيته..!
وإذا كانت التصنيفات النقدية، على اختلاف مناهجها النظرية واتجاهاتها وزوايا تعاملها مع الإصدار الإبداعي، تخضع بدورها إلى حاسة نقدية وذوقية مدربة.. تمنحها التجربة والتراكم حساسية ودربةً وكفاءة..!
ولعلنا نتجاوز هنا.. القيمة الفنية للإصدار، وأسلوب تمثله لمادته الإبداعية.. أو تعبيره عنها.. أو تدنيه إلى المستويات البدائية العامة، والمحاولات العابرة,.. أو تعبيره عن رؤية فنية وإبداعية متميزة وموهبة أصيلة, إلى ما هنالك من تفاصيل تشكل الإصدار الإبداعي وطبيعته..!
لنصل إلى وسائل تنفيذ الإصدار الإبداعي في مشهدنا المحلي..! وآليات تصديره..؛ وهنا.. نعيد مرة أخرى التذكير بالإصدار الإبداعي، ودائرته التعريفية وإطاره الذي نُعنى به في هذه (الندوة).. وهو الإصدارات التأليفية في الشعر والسرد ونقدهما..! أو في الدائرة الأدبية أو الثقافية الأعمّ.. التي تشتمل ضمناً مناحي ومساقات التأليف في مشهدنا المحلي في فروع المعرفة المختلفة.
وأزعم هنا.. أن تلك الوسائل تكمن في مسارين:
أولهما: إصدار المؤسسات الثقافية وهي الأندية الأدبية.. بوصفها الدور الحكومية المنوط بها رعاية الثقافة والمثقفين والمبدعين.. وهي بحسب لائحتها التنفيذية الصادرة عام (94هـ) تقوم بطباعة إنتاج المثقفين والمبدعين.
والثاني: هو جهود الأفراد أو اجتهاداتهم الشخصية وهم المبدعون كذلك. والذين يختار بعضهم بعض دور الطباعة والنشر العربية لإصدار مؤلفاتهم. وبين هاتين الوسيلتين أو المسارين.. يمكننا الاجتهاد في طرح الأسئلة وتقصى مستوى الجودة.. ومسافة الانتشار للإصدار الإبداعي.. واضعين نصب أعيننا المفاهيم والقناعات السائدة والمتباينة في آن.. لمن يختار المسار الأول.. أو الثاني.
ففي حين ظلت تبعات اللائحة الإدارية لآلية الإصدار أو التأليف الإبداعي.. عن طريق الأندية تُلقى بنمطية ظلالها على مستوى جودة الإصدار الإبداعي.. واقعة في الدائرة الفضفاضة لتلك اللائحة.. فقد شرعت الأندية الأدبية مضمار الإصدار والنشر للكل..، ممهدة الطريق للإصدارات الرديئة والمحاولات الإبداعية المتواضعة في مستواها الفني، وفي افتقارها إلى الإبداع بمعناه المعرفي وشروطه الثقافية، فألفينا تلك المجموعات الشعرية والقصصية والدراسات النقدية والدوريات الأدبية التي تصدرها الأندية حفية بالتراكم الكمي.. والتنافس العددي.. في ظل غياب رقابي ورصد ثقافي، على المستوى النوعي والقيمة الموضوعية والأصالة الإبداعية، فهي في محصلتها النهائية؛ ركام عددي لم يُميز أو يفحص نوعياً.. متقاطعاً مع السائد الذوقي العام لمجتمع هو الآخر.. تتوزعه التصنيفات الشعارية.. وأيديولوجيات الخطابات الإعلامية والتعليمية والوعظية.. ومناخ التلقي العام الذي تقتسم أفراده ومجموعاته تلك الأقطاب والمسارات..!


* من ملخصالورقة المقدمة إلى منتدى عكاظ الثقافي في جمعية الثقافة والفنون في الطائف ضمن ندوة عقدت تحت نفس العنوان بتاريخ 17-7-1426
Md1413@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved