الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th April,2005 العدد : 103

الأثنين 16 ,ربيع الاول 1426

هواجس الشدي في الزمن القديم
حكايات.. شديدة الخصوصية
ناصر بن محمد الحميدي

هواجس من الزمن القديم هو العنوان الذي اختاره الأستاذ محمد بن أحمد الشدي رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون عنواناً لكتابه الذي صدر حديثاً، والذي يحمل بين دفتيه خمس قصص أو حكايات شعبية من قلب الجزيرة العربية، وقد مثلت هذه الحكايات نموذج حياة إنسان الجزيرة في الماضي وما يتمتع به من أصالة وفروسية وذكاء ناهيك عن الفراسة التي اشتهر بها بعض أبناء بلادنا. فقد فرض عليهم شظف العيش وقلة الموارد في ذلك الزمان القديم أن يتكيفوا مع ظروفهم، وأن يستفيدوا الاستفادة القصوى من كل ما يقع تحت أيديهم من مأكل، ومشرب, وملبس.
فراسة مدهشة: تحت عنوان الفراسة
المدهشة.. يسوق المؤلف قصة ذلك الجندي التركي (جودت الذي عاش في إحدى قرى نجد زمناً طويلاً أهله لأن يكون من أهل البلد ويتزوج منها، ولكن ضيق ذات اليد يدفعه للاستدانة لتلبية طلبات البيت اليومية وتتراكم عليه الديون ولا يستطيع السداد فيضطر إلى قتل دائنه وتهديد زوجته بعدم فضح سره لأن القتيل مدفون داخل البيت ويستعين أمير البلد ب(فني) لفك طلاسم اختفاء التاجر ويطلب (فني) مهلة يبحث خلالها في دفاتر التاجر والمستدينين منه ويشك في جودت صاحب أكبر دين ويطلب من الأمير أحد الجنود ومعه سلاحه المحشو برصاصة واحدة ويتوجه إلى بيت جودت بعد أن تم اعتقاله، ويطلب من زوجته أن تقول الحقيقة، في البداية أنكرت عندها قال لها: لقد اعترف زوجك بالجريمة وسوف ينفذ فيه القصاص حالاً، ولكن إن كنت مشاركة معه فأخبريني حتى أجد لك حلاً يبعدك عن القصاص وفي هذه اللحظات سمعت دوي الطلقة الوحيدة من سلاح الجندي فأيقنت أن وجهاً قد مات وهنا اعترفت بالحقيقة.
أمرك سهل: وفي قصة (أمرك سهل
رح لقني) تظهر فراسة (قني) الفريدة فقد تقدم إليه شخص وقال له: لقد سرقني صديقاي وليس لدي أي دليل يدينهما وشكوكي حولهما قوية فما كان من قني إلا أن استدعى كل واحد منهما على حدة وطلب منه أن يأتي إليه في دكانه بعد العصر وقبل حلول الموعد دخل قني دكانه وأغلق الباب خلفه وجلس ينتظر قدومهما فجاء الأول ووجد الدكان مغلقاً وما هي إلا دقائق حتى جاء الثاني، وهنا توجس الاثنان شراً فقال أحدهما للآخر: إن قني رجل معروف بفراسته وبعد نظره فلا يجرك بالكلام فتعترف أنت.. وهنا خرج قني من خلف الباب بعد أن سمع اعترافهما وهددهما بفضح أمرهما إن لم يدفعا لصاحبهما ماله.
سارقة الذهب: وفي القصة الثالثة
(قني وسارقة الذهب) لاحظ قني امرأة تتعثر وهي تسير مرتبكة فتتبعها فإذا هي تدفن صرة في إحدى المزارع المجاورة وعند مغادرتها قصد المكان واستخرج الصرة وحملها إلى بيته فوجدها مملوءة ذهباً وأساور، ولأنه قصاص للأثر فقد عرف أن السارقة تعمل في إحدى بيوت الأثرياء كخادمة وعرف اسمها وعندما قابلها وبخها على فعلتها وطلب منها عدم العودة إلى السرقة فعاهدته على ذلك.
وكان من الطبيعي أن تأتي السيدة التي سرق ذهبها لاستشارة (قني) في الموضوع عندها أخرج الصرة بعد أن تأكد أنها لها وسلمها إياها فقالت له: هل سرقتها الخادمة؟.. قال: لا إنما السارق غيرها، وقد استيقظ ضميره وأتى بالذهب إلي لأسلمك إياها فلم يفضح السارقة حفاظاً على العلاقات الاجتماعية ولمعرفته أنها لم تسرق إلا لإعالة أطفالها!
حالة حب عذري:(سنة الرحمة) من
أطول قصص المجموعة وهي تصف حالة نجد عندما اجتاحها وباء غريب لا يعرف مصدره، حصد الصغار والكبار أصبح الموت في كل مكان، وقد جاءت أحداث القصة لتصف حالة حب عذري بين (غلاب ومشاعل) وكيف وصل من سفره ولم يعلم عن هذا المرض شيئاً وهو يمني النفس بالحياة السعيدة والزواج من محبوبته وتتوالى أحداث القصة إلى أن يعرف الحقيقة عندما فاجأه أحدهم وعزاه في أهله الذين ماتوا جميعاً من الوباء فما كان منه إلا أن هب واقفاً وأسرع إلى بيت عمه (أبو مشاعل) متعثراً في الجثث التي كانت في طريقه وعندما دلف البيت وجد المحبوبة بين الحياة والموت وبجوارها طفل يصارع المرض فحملهما على راحلته قاصداً الطبيب العربي الوحيد في ذلك الوقت ولكن المأساة تزداد سوءًا فقد وجد الطبيب قد مات هو أيضاً من هذا الوباء وهنا انطلق بها نحو الصحراء لا يدري إلى أين يذهب وفي إحدى الاستراحات يصاب هو نفسه بالمرض.. وهنا يتذكر دواء أعطاه له أحد الأطباء عندما كان مسافراً فيتناول الدواء ويسقي مشاعل ويبلل ريق الطفل منه قليلاً ثم يواصل التوغل في الصحراء من جديد ولم يعرف أحد حتى الآن مصيره.
البطل: أما القصة الأخيرة فتحمل اسم
(البطل) وتدور حول غياب المدعو (ضويحي) فجأة ولأسباب مقنعة، وفي أحد الحوارات حول غيابه ذكر (علوان) أنه أسر إليه أنه سوف يرحل، ولن يعود فيشكون في كلامه، وهنا اضطر إلى إخراج مفكرة صغيرة كتبها (ضويحي) وفيها يشتكي من الزمن، وكيف تغير بعد الطفرة، فالشوارع فسيحة والبنايات جميلة والزحام شديد.. والأدهى من ذلك أنه غير مرغوب فيه حتى من أقرب أقربائه لذلك قرر الرحيل.
وبعد: فقد أظهر الشدي أنه قاص بارع،
وقد طعم كتابه هذا بالكثير من المفردات الشعبية الموغلة في الخصوصية، وتطرق إلى مواقع جغرافية كانت معروفة قديماً جاعلاً القارئ وبخاصة من كان في سن متقدمة قليلاً يعود إلى الماضي وكأنه ينظر إليه. أما الجيل الجديد، فقد قدم إليه ما يعد بالنسبة له تاريخاً لم يعاصره أو يعيش أحداثه، وهو بهذا العمل قد رصد شيئاً من الماضي لم يحاول أحد من قبل الكتابة عنه، أو التطرق إليه مما أعطى هذه المجموعة نكهة خاصة تجبرك على قراءتها من الغلاف إلى الغلاف في جلسة واحدة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved