الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th April,2005 العدد : 103

الأثنين 16 ,ربيع الاول 1426

تيار الحداثة والنقد غير المبرر (9)
د. سلطان سعد القحطاني

لقد تحدثنا من قبل عن تيار الحداثة القادمة من الغرب، وأنه أخذ طريقه إلى مختلف أنحاء العالم تدعمه اللغات الحية والصناعات الجديدة والعمل الدؤوب في مختلف المجالات، ومن ضمنها الأدب والفكر بصفة عامة، ونسي البعض أن لكل ثقافة حداثتها، فيما يتعلق بااللغة والموروث الثقافي، وأن حداثة الغرب التي ظهرت في أوروبا، في بداية القرن الخامس عشر الميلادي مختلفة عن الحداثة الحالية، فظهور أدب متمرد على تعاليم الكنيسة الجامدة في أعقاب الحرب العالمية الأولى لم يعد هو النموذج المحتذى اليوم، بل ؟هر ما هو أحدث منه في أواخر الألفية الثانية في العالم كله، وهذا ما يسمى (ما بعد الحداثة)، وكان شعراء وكتاب الحداثة العربية يرغبون في إيجاد لغة جديدة لإبداعاتهم، ومنهم من وفق، ومنهم من لم يوفق، وعلى أي حال، هي تجربة لا بد من خوضها، ولا يجب علينا أن نقف لها بالمرصاد، بل نجريها ونتعامل معها، وننقدها بطريقة التقويم، وليس بالهجوم المباشر واتهام منتجها بتهم قد يكون بريئا منها، كما وجدنا في حديث عوض القرني عن الدكتورة خيرية السقاف، ولم تكن هي الوحيدة التي تعرضت لهذا الهجوم، بل تعدى على شخصيات الآخرين مباشرة، وإن كان يقول: إن العلماء والمفكرين النابهين قد وقفوا من هذا التيار موقف المتفرج، ما عدا محمد لمفرجي وسهيلة زين العابدين والمرحوم محمد عبدالله مليباري، فإن العلماء والمفكرين قد وجدوا هذه موجة عابرة لن تؤثر على الدين، الذي كفله الله تعالى في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وقد هاجم خديجة العمري على أنها أوردت في قصيدتها نوعاً من الأوثان، ولم نجد في القصيدة ما يشير إلى ذلك، ونحن نعرف أن الدين والعقيدة أكبر وأسمى من أن تتأثر بقصيدة أو نص قيل في الماضي أو في الحاضر، وقد ذكرنا تقليد يوسف الخال لرموز الوثنية اليونانية، وحمزة شحاتة لرمز الوثنية الفرعونية، لكنه مجرد ذكر لم يؤثر على الدين ولا على العقائد الراسية منذ خمسة عشر قرناً، وليس هذا القول بدفاع عن تيار الحداثة، لكن البحث العلمي والنقد الموضوعي يتطلب منا ذلك، إضافة إلى أن الباحث والداعية والمعلم والطبيب على وجه الخصوص يحتاج كل منهم إلى الصبر ومعالجة الأمور بالحكمة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، ومن قبله الرسل والمصلحون الذين تحملوا أذى القول والفعل، وأوصلهم الصبر إلى النجاح، إن بين الحداثة والتقليد فرقا كبيرا جداً، وصاحب الكتاب يقول حينا عن أصحاب هذا التيار إنهم (حداثيون) وأخرى يقول عنهم (مقلدون) للغرب، ومما يفسد العملية النقدية أكثر اتجاهها إلى شخصية المنتج، والتعامل مع النصوص دائما ينطلق من النصوص نفسها، ولو كان ذلك من شخصية المنتج باقتفاء أثره، لكان علماء الغرب جميعاً قد أسلموا، واعترف نقادهم ومؤرخوهم بعظمة شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقد أخذوا العلم عن ابن رشد والفارابي وجابر بن حيان، وأخذوا الأدب والنقد من المدرسة العباسية.. ولا عبرة بكاتب أو شاعر أو عالم شاذ أو منحرف وهو على دين ليس من دين المسلمين ما دام أنه قدم لنا علماً نستفيد منه، يمكننا أن نقول ذلك لو أننا أنتجنا علماً خاصاً بنا، واحتاج الآخرون إلى الاستقاء منه، وفي هذا الكتاب لم يسلم الذي قلد الغرب، ولا الذي اهتم بالتراث العربي، ولغة الكتاب لغة خطابية استعدائية، ناتجة عن غرض في نفس الكاتب، يضمره لهذه الفئة سلفا، وقد استغربت ما قاله في المقابلة التي أجريت معه في الرابع من شوال 1425هـ حين سئل عن إقصائه للآخرين واستعداء المجتمع والسلطة والعلماء عليهم، فنفى ذلك بشدة، على أنه لم يستعد أحداً ضدهم، وفي الكتاب يقول:(إنني آمل من علماء البلاد أن يقولوا كلمة الحق في هذه القضية، وأن يؤدوا كلمة البلاغ والبيان التي كلفهم الله بها، وأن يتذكروا يوما يقفون فيه بين يدي الواحد القهار) وفي كثير من الأحيان يرمي بعض من يخاطبهم بألفاظ لا تليق بباحث عن الحقيقة والإصلاح، كقوله عن جريدة الوطن الكويتية (اليسارية) وعن أحمد الربعي (الشيوعي الكويتي) وعن خديجة العمري وفوزية أبو خالد (مكشوفات الرؤوس)، فضلا عن الوجوه بين الرجال، نعم نسلم معه أن الإسلام موروث احتوى على كل الفضائل، لكن هناك في المجتمع العربي، والسعودي بصفة خاصة، موروثات شعبية مقيتة، ليست من الإسلام في شيء، مثل حجر البنات، والإسراف الاجتماعي، والسحر، وغلاء المهور، والغلو والتطرف.. أليست هذه موروثات يجب على الكتاب والمبدعين مناقشتها؟ وإذا ناقشها كاتب اتهم بالخروج عن الإسلام، وهو يصر على ألا موروث غير الإسلام، نحن لا نطلق على الأنبياء صفة الفنانين، فالفن له مدلولات كثيرة، يقول في نقده لنص السريحي: (.. فهل أصبح الأنبياء في نظر السريحي مجرد فنانين أتوا بما يخالفون به السائد...) نعم جاء الأنبياء بما يخالفون به السائد، فكان السائد في أغلب الأديان الوثنية، ومنها عبادة الأصنام في مكة، ويكاد يكون الرد واحداً لكل الرسل صلوات الله وسلامه عليهم عندما يطلب منهم ترك عاداتهم واستبدالها بالتوحيد، وكان الرفض صريحاً، في قولهم {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} ولو لم يكونوا كذلك لما كانوا في حاجة إلى نبي يخرجهم من الظلمات إلى النور، وأحياناً يكون النص في واد وتعليق الشيخ في واد آخر، فقد علق على حديث للدكتور عثمان الصيني، حيث يرى الصيني أن الحداثة شمولية، ولم يذكر أنها بديل للإسلام، لكن القرني يصر على أنه قال: إنها بديل للإسلام، ومثله حديث للدميني في ناحية والقرني في ناحية أخرى، فقد أحال ما قاله الدميني إلى المذهب الشيوعي!! وهل كل من يحاول إيجاد حل للفقر والعوز والدعوة للعمل ومحاربة التضخم والرأسمالية والجشع، ومحاولات إصلاح المجتمع صار شيوعياً؟! إضافة إلى أن الشيوعية قد انتهت مبادئها ولا مجال للحديث فيها اليوم، كما يورد كلاماً لعبدالرؤوف الغزال، ينقد فيها الغزال النقد الآني، ويدعو إلى نقد منهجي، ويرى القرني أن هذا الرأي ماركسي!. ولا أدري على أي أساس بنى أحكامه؟
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved