الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th July,2005 العدد : 116

الأثنين 19 ,جمادى الثانية 1426

أزمة التراث
إبراهيم الناصر الحميدان *
يخيل إلى أن معظم الشعوب التي تحاول أن تناقش وضعها عن طريق الرصد والتحليل لا بد أن تصل إلى حقائق قد تغيب عن السطحيين الذي لا يدرسون الظواهر حسب سياقها وإنما يعتبرونها حقائق ثابتة لا تتغير ولهذا السبب اصطدمت الحداثة بوجهها العنيد بالكثير من ثقافتنا التراثية التي لم نكن نهضمها كما يجب إنما ابتلعناها عنوة حسبما قدمت إلينا بأساليبها الإرغامية فكان من الطبيعي والحالة هذه أن تصطدم الحداثة المجني عليها بهذا الجدار المقابل ثم تقع خاسرة لا يعرف المنادون بها والمعنيون بها السبيل إلى إقناع طائفة كبيرة حتى نحن المثقفين بالاعتصام بها وفهم مغزاها الحضاري المتفتح.
لقد ناقش الكاتب الرائع الأستاذ محمد بن علي المحمود في مقاله الأسبوعي في جريدة الرياض جانبا من مشكلة الحداثة دون أن يسميها واصطدامها مع التقليديين وكيف أنها تخسر مواقعها لأن الطرف الآخر يعرف كيف يطبعها باسم الدين الإسلامي الذي يركز على الثوابت دون أن يفرق بين ما هو أساسي وما هو عارض نسارع نحن في الدفاع عنه لأننا قبلناه منذ طفولتنا على هذا النحو فأصبح في ظننا يدخل في الإطار الشرعي وهو ليس كذلك.
فالتراث من الواضح أنه يشتمل على جانب عقلاني وآخر تقليدي يفتقد التمحيص ففي تاريخنا الطويل ينطوي مضمونه على ما نادى به فلاسفة متفتحون وواعون أمثال الجاحظ والمعري والتوحيدي الذين يواجهون فكراً آخر ينادي به الأشعري والغزالي وابن تيمية
إن هذا المزيج كله من التراث ودعاة الحداثة فشلوا في إيضاح الفرق في حشر التقليدي بين ما هو منفتح وناضج وآخر سطحي وسلبي لا يستقيم مع حياة الإنسان المتطورة.
إذن فقد ظلم أدونيس وغيره حين طرح التراث بنسقيه الأبيض والملون فتعثر خطابه بين فتات التشوق إلى التجديد أحياناً دون تمحيص بعد أن فشل في إقناع كافة الفئات في التمييز بين فلسفة المعري والجاحظ العلمية تجاه الغزالي والأشعري في طرح رؤاهم وجميعها تراثية ومن هنا ينبغي للحداثة أن تطرح نفسها من جديد كفكر تحرري يبحث عن التجديد ومسايرة حياة الشعوب الأخرى الثقافية المتطورة وفكر احتكاري يدونه في حلقة مفرغة لا تقنع بالشواهد والتحليل الموضوعي لأنه لو طرح النقاش الحر بين التيارين لوجدنا أن الاتجاه الذي انبثق منه الإرهاب هو المفكر المتقوقع الذي يرفض أي حوار مع الآخر بينما الفلسفة الحضارية التي نادى بها الجاحظ والمعري فهي التي تتجه لها كافة الشعوب الواعية وتقتفيها النخب العربية فالصراع القائم اليوم بين الإرهاب والثقافة هي حقيقة في محيط التراثي ولا بد أن تخرج الشعوب الناهضة من هذا المستنقع وتنشد توجهه المضيء وطمس الظلم والظلام.


* ص.ب 6324 الرياض 21442

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved