الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th August,2003 العدد : 26

الأثنين 27 ,جمادى الثانية 1424

شجرة الحياة...!!!
حسين المناصرة

ليس سهلاً أن تكتب صفحة عن قامة ثقافية متعالية!!.. كيف بإمكانك أن تختزل عطاءً ثقافياً إشكالياً استمر أكثر من خمسين عاماً؟! السؤال الذي يؤرق: كيف استطاع إحسان عباس أن يكتب ما كتبه كما ونوعاً في زمن حياته القصير؟! هل استطاع أن يستمتع بحياته كما استمتع بكتابته!! كان إجابته حزينة تفتك بأرواحنا عندما سئل:«ماذا ستفعل إن أتيحت لك الفرصة لتمارس حياتك منذ البداية؟» قال بعفوية الأطفال:«سأستمتع بحياتي، لأن الكتابة أسرتني فأفقدتني متعة الحياة الذاتية»!!
هو ناقد مبدع.. دارس مدقق.. معلم رائع.. رجل مجرب.. مبدع.. مثقف متفتح.. مفكر متوازن.. إنه على أية حال واحد من الذين سيبقون أحياء في الحياة إلى ما شاء الله للأدب العربي أن يخفق بحروف الضاد المسكونة بوردة الحياة وسكينها..
لن ننسى ما أنتجه في التأليف والتحقيق والترجمة والإبداع.. فعدد كتبه تجاوز سنين عمره البالغة ثلاثاً وثمانين سنة.. كتب في النقد، والشعر، والسيرة، والقصة، والرواية، والمقالة.. فكان موسوعياً فيها كلها.. وكان ناقداً معلماً أيضاً.. سار في ركب التراث إلى جوار ركب الحداثة.. وعانق وعي القديم إلى جانب معانقته للحديث والمعاصر.. فأهدى الدارسين حيث وجدوا علماً غزيراً .. ولغة حميمة..
كان إحسان عباس في هذا كله عالماً عربياً له فرادته التي تميزه عن الآخرين، وتضعه إلى جانب عمالقة الأدب العربي الحديث: أحمد أمين، وطه حسين، والعقاد، وشوقي ضيف..!!
عندما تتوقف عند هذه القامة الثقافية «الرائعة»، لابد أن تذكر قوله صلى الله عليه وسلم :{أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علماً ثم يعلمه أخاه المسلم}.. هكذا غدا إحسان رشيد عباس واحداً من الذين تصدقوا.. وتصدقوا.. ثم مات جسداً؛ لتبقى صدقته روحا جارية، تنير السبل أمام الدارسين في فنون الأدب كلها.. هنا يترعرع وهج الحياة الحقيقية .. بجانب وهج الموت الماثل في الكيان الصهيوني الذي مسح قريته ( عين غزال) التي كانت أمنية العودة لا تفارق وجدانه أو مخيلته.. أمنية ولّدت فيما بعد في داخله (غربة الراعي) الذي يعيش بعيداً عن وطنه وأرضه وأهله.. لم يقتله اليأس، ولم تخدعه أوهام المنافي.. كان صبوراً جلداً يرى فلسطين العربية المسلمة في ثنايا كل ما كتب، وخاصة في ثنايا كتاباته عن الأندلس.. والمقاومة...!!
لابد أن يبقى في ثقافة الدارسين.. «زيتونة حيفاوية» تمتد جذورها عميقا .. لتنتج الزيت نوراً ودواء وغذاء.. أو «دالية خليلية» تعيش على ندرة الماء لتخصب العنب بألوانه كلها.. أو «نخلة ريحاوية» تجعل الصحراء حياة آمنة...
يرحمك الله يا أبا أسامة!! ويجعل لك في كل حرف كتبته أو نطقته أو قرأته؛ لتخدم من خلاله هذه الأمة، بذرة في الطريق إلى الإقامة الخالدة في جنان النعيم..!!
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved