أثر خفيف
أحكام علي بن زايد (3)
علي العمري
|
هكذا يتضح ان علي بن زايد ليس مجرد شاعر قروي تلتقط حكمه وأشعاره من ألسنة الناس، بل شخصية متجاوزة لظرفها استطاعت النفاذ إلى عمق الوجود بتناقضاته وأسئلته وآلامه، بأسلوب تأملي بسيط، لقد كان ابن زايد يعي تماما معنى ان توجد أن تحيا أن تتألم، أن تخسر:
ذي ما يغارم ويغرم/ له المنايا تشلَّه
مع ضرورة الحذر والتيقظ، إذ الدهر متقلب لا ستقر على حال، وما هو لك اليوم ربما كان عليك في الغد «لا تامن الدهر لو طاب». فأمانك قد يكون هو بالضبط مصدر الخطر، ثم اليقين المؤلم بتلك الحقيقة التي هي آخر ثمرات الحياة نضوجاً، إنه الموت الذي يظل أمامك منتظراً في منعطف ما من النفق المتعرج، لا ينفع الهرب ولا يجدي طول العمر ما دام لابد من الموت:
لو عاش الانسان ما عاش/ اربعميه طال عمري/ لابد من داعي الموت.
يحدد ابن زايد في إحدى مقطوعاته قضايا حياته الملحة مختصرة إلى أربع، أولها العلاقة بالله، ثم العلاقة بالمال، ثم العلاقة بالموت، والرابعة عن العلاقة بالبخل الذي يراه الشر كاملاً.
هكذا تظهر أشعار علي بن زايد في شكل مقطوعات موزونة مقفاة مكثفة، توجز وتختصر مدلولات ذات أبعاد معرفية عن علاقات الفرد بالجماعة والطبيعة والسلطة التي تتبدى داخل مجتمع قروي بأشكال متعددة منها المرئي كسلطة القوة والغنى وسلطة التحالفات القبلية والأعراف والقوانين الصارمة والقرابة، ومنها اللامرئي الذي يتجلى في مجابهة الفرد للمجهول والخفي، وقد يكون ما وصل من أشعاره على ألسنة الرواة هو ذاك الذي يخاطب القضايا والمسائل الملحة لدى من تناقلوا أشعاره، بمعنى أنه ربما كان له أشياء أخرى أُهملت، فمثلاً لا يظهر في أشعار ابن زايد موقف شخصي من المرأة كحبيبة أو معشوقة بمعنى أنه لم يتغزل، وربما للبيئة التي عاش فيها دور في ذلك كونها بيئة قروية قبلية مغلقة شديدة الصرامة في مسألة علاقة الرجل بالمرأة، فقد أورد ذكر زوجته في احدى المقطوعات باسم المرأة فقط، وكما يشير أغاريشيف لم يذكر اسم زوجته نظراً للتزمّت الذي كان سائدا في تلك البيئات. وكما يذكر أغاريشيف أيضاً فربما كانت ثمة بعض الأشعار المجموعة منتحلة على لسان ابن زايد وليست له، ومع ذلك يظل هذا الكتاب مصدراً وحيداً في حدود علمي، يقدم لنا صورة واضحة عن شاعر الحكمة والمثل، الذي ظلت أشعاره تمدُّ بطاقاتها أجيالاً عديدة تجد فيها المفتاح كونها لمحات فطنة تستبطن الموقف وتصل إلى القانون الخفي وراءه.
++
alialamri200@yahoo.com
++
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
