الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th August,2003 العدد : 26

الأثنين 27 ,جمادى الثانية 1424

أعراف
ينابيع الذاكرة
محمد جبر الحربي

يتميز الأديب الكبير ممدوح عدوان، كرفاقه من الأشجار العربية الجميلة التي أثمرت بعد نكسة ال 67 وأثَّرت بشكل كبير في خارطة الإبداع العربي، بالتزام عميق، ووعي حاد، ونظرة ثاقبة، وحس عال بنقاط الضعف والقوة في المشاريع العربية الكبرى منذ مقاومة الاستعمار، إلى الثورات المختلفة، إلى الواقع، المعاش اليوم.
ومن هذه الأشجار معين بسيسو، محمد الماغوط، ناجي العلي، سعد الله ونوس، أمل دنقل.
وقد لا يكون هنالك تقارب عمري، إيديولوجي، أو معرفة شخصية بين هؤلاء وقد يكون وإنما قصدنا الانتماء الى الأدب الجاد، والتجدد المستمر، وعدم الانزلاق إلى الترفّع عن القضايا الكبيرة والمصيرية بحجة الركض خلف التجريب والتغريب.
ولعدوان مقولات جميلة في هذا الإطار، ومنها كتابه الرائع (دفاعاً عن الجنون) ومن ذلك ان إسرائيل بوجودها، وتدميرها المستمر، وحروبها المستمرة الظاهرة والباطنة حاولت قتل كل شيء في الإنسان العربي.
وان من وسائل مقاومتها إعادة الاعتبار الى كلّ مناحي الحياة.. إلى قيمة الحياة والتشبث بكل جمال.
وعلى ذلك يمكننا أن نقول أن كتابة قصيدة جميلة ومميزة لعيون حبيباتنا هو نوع من المقاومة.
لقد أدرك عدوان ان الارتقاء بالإبداع هو قيمة أولى للمواجهة.
وأدرك ان الصراخ والصوت العالي في الكتابات الرنانة لا يقدم أدبا جاداً.
لذلك انصرف الى البحث عن المعادلة التي لا يملك ميزانها إلا القلة القليلة، كما رأيناها متبدية في إبداعاته المتلاحقة والمتنوعة والثرية.
وقد رأيناها كذلك لدى سعد الله ونوس في الشام، وأمل دنقل في مصر، ودرويش وفواز عيد وناجي العلي في فلسطين، والمقالح ودماج في اليمن، ومحمد علوان وجار الله الحميد في السورية وهكذا.
وفي المقابلة التي أجريت مع عدوان مؤخرا (قبل أسابيع) في التلفزة السعودية، وقد بدا فيها متعباً، ومقاوماً، وباسماً.. وشجاعا جريئاً فيما يؤمن به.
يقول عدوان (أستعيد من الذاكرة ولا أقتبس) ان وقوفه اليوم خارج العمل السياسي أو الحزبي لأنه لم ير بديلاً موضوعيا وقال بالحرف الواحد ان المعارضة أسوأ من السلطة (إذا كانت السلطة سيئة فالمعارضة أسوأ) وقال ان ادونيس، وهو يقصد شعره، ومقلديه.. يكتب من بعيد.. من الخارج.. وانه لا يعايش الواقع ولا الناس. وانه من المفترض انه يشعر المراء باللذة والمتعة عند قراءة الشعر.. وأدونيس لا يقدم ذلك.
فيما أثني على طروحات أدونيس منذ الثابت والمتحول.
ويمكننا ان نفهم عدوان من الرأيين السابقين.
فهو يريد إبداعاً عاليا.. وان يصل هذا الإبداع.
وهو يريد أن يكون للمبدع موقف ولكنه لا يريد الانزلاق في فخاخ الأحزاب. وتخبطاتها.
لذلك انصرف (هكذا أعتقد) إلى العمل الجاد في أكثر من حقل مستخدماً السلاح الذي رافقه طول سنوات عطائه فترجم لنا مجموعة كبيرة من الأعمال المميزة.. واشتغل على الدراما، والمودراما، وواصل وأصل مشروعه الشعري.. وأصبح اسمه أكثر قربا للمواطن العربي عبر المسلسلات التلفزيونية المتعددة.. وواصل إدهاشنا بتقديم غير المألوف دائماً.. أو ليس هو صاحب (يألفونك.. فانفر).
ممدوح عدوان باختصار قيمة عربية خالصة، ومبدع عربي حديث ومتجاوز، في زمن يصعب فيه أن نقول ذلك على كثير مما نقرأ ونرى.

++
mjharbi@hotmail.com

++
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved