الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th August,2003 العدد : 26

الأثنين 27 ,جمادى الثانية 1424

ذاكرة الضياع
قراءة في رواية اللعنة
حسين المناصرة

«لم يا إلهي.. لماذا هم يأخذون
كل شيء.. كل شيء.. هي
اللعنة.. كل شيء هنا ملعون.
تدور حول نفسها متطلعة إلى كل
زاوية وركن.. نعم هي اللعنة
علمت بهذا منذ طفولتي.. أجل..
علمت ولم أدرك ذلك إلا
الآن.. يتحشرج صوتها تبكي، يا
إلهي لم كل هذه الأحداث من
حولي.. لم الألم.. لم العذاب.. لي
وحدي».
(الرواية، صوت شروق، ص92)
تفتقد رواية «اللعنة» لسلوى دمهنوري للكثير من جماليات الفن الروائي، بحيث تبدو مجرد حكاية متشعبة الأطراف، تفتقر إلى حيوية البنية السردية، فتهيمن عليها اللغة الإنشائية، وبرودة أفعال الشخصيات، وتجويق اللغة الحوارية، وكثرة الأخطاء اللغوية في المفردات والتراكيب النحوية والأسلوبية.. الخ.
بل إنها رواية فضفاضة، مترهلة، تفتقد في نصفها الأول على الأقل لحرارة السرد، فيشعر القارئ انه ضائع في متاهات مقدمة إنشائية تهويمية طويلة بلا فائدة أو معنى، الأمر الذي يجعل هذه الرواية قصة قصيرة في بنيتها الرئيسة، بمعنى انها نفخت كالبالون لتغدو رواية رغم أنفها، لهذا يبدو ان تعاملنا معها سيكون على أساس انها رواية من منطلق التساهل لا أكثر ولا أقل، وهذا الكلام ينطبق على روايات أخرى محلية عديدة، دخلت إلى دائرة الرواية عنوة، فعدّت روايات في الببليوغرافيات تحديداً!
تحكي الرواية حكاية مستمدة من أسرتين تقليديتين منعمتين، إحداهما أسرة السيد عبدالكريم الحسيني التي أودى حادث انقلاب سيارتهم بحياة أفراد العائلة التي لم يبق منهم على قيد الحياة سوى الطفل شامل الذي ذهب وهو في السابعة من عمره إلى أمريكا ليتعلم اللغة عند صديق الأسرة السيد ديمرين وزوجته السيدة جاكي، وكذلك اخته الصغيرة «ميرا» «ميرمارا» التي يجهل مصيرها، وان كانت على الأغلب عند عمها السيد مهدي!!
والأسرة الثانية هي اسرة السيد يوسف الملاحي، الرجل المزواج، الذي يطرد زوجاته وأولاده دون رحمة منه، فصارت أسرته بذلك تعيش ضياعا اجتماعياً واغتراباً نفسيا، بعد ان أصابتها اللعنة التي تسمت بها الرواية على حد تعبير «شروق» بطلة الرواية!!
تبدأ الرواية بعودة الأمريكي العربي المسلم شامل ديمرين بعد ان صار طبيبا إلى مدينته العربية، ليعمل في احد مشفياتها، ويبحث عن جذوره بعد ان سكن قرب بيتهم القديم الذي انهارت معالمه في ظل تغير واضح في المدينة خلال عشرين سنة قضاها في الغربة: «عشرون عاما هو الزمن الغابر والنفس الوحيدة الحائرة المتلهفة.. المحرومة اللاهثة» «ص13».
بل تمتلئ عودته أيضاً بالغربة، لأنه «عائد إلى غربة أكبر وأمر، فما أقسى غربة المرء في وطنه، وهو لا يعلم عن كيانه شيئاً ) 23)».
تقوم بينه وبين مريضته شروق الملاحي التي تعاني من أمراض القلب والاختناق علاقة متينة، ومن خلالها تتوثق صلته بعائلة السيد يوسف الملاحي الذي يمتلك بقايا أملاك عبدالكريم الحسيني والد شامل الحقيقي. كان شامل يظن بأن شروق هي ابنة يوسف الملاحي، والأخت الكبرى للخيالة «تهاني»، ثم يكتشف انها زوجة السيد يوسف الملاحي لا ابنته.
يبحث شامل عن السيدة جميلة أم عبده ليعرف منها شيئاً عن أهله، وعندما يلتقي بها يعرف منها ان اخته الصغيرة «ميرا» نجت من الحادث، وتؤكد هذا الخبر السيدة سلمى والدة صديقه «حاتم».
تبدأ الرواية بداية فعلية في الصفحة التاسعة والثمانين، بمعنى ان الثماني والثمانين صفحة السابقة، يمكن اختزالها في ثلاث صفحات.. تبدأ الرواية إذن من اعترافات شروق لشامل، حيث تحكي له حكايتها المؤثرة، حكاية انها ليست ابنة يوسف الملاحي، بل زوجته وأم ولده فارس، فيصدم شامل الذي أحبها، وفكر بها كثيراً، وإذا بها امرأة متزوجة من رجل في عمر جدها..
يستمع شامل كذلك إلى اعترافات الست جميلة أم عبده، حيث تغدو ظاهرة الضياع محورية في الرواية، ولعل ضياع شامل في بحثه عن بقايا أسرته يعد أخف بكثير من اللعنة التي ضيعت أسرة الملاحي، حيث عاش أفرادها ضياعا مركبا بسبب «اسطورة الملاحي» التي لا تفتأ شروق ترددها بوصفها لعنة على مسمع شامل، واصفة هذا الضياع بقولها: «انها اللعنة.. أجل هي اللعنة.. كل شيء هنا ملعون (ص103)».
تحدثنا السيدة جميلة عن نفسها وابنها عبده بوصفهما تشردا بعد عز وثراء.. اسمها الحقيقي انجيلا، وهي زوجة السيد يوسف الملاحي، وابنها عبده «عبدالإله» هو ابن السيد يوسف الملاحي.. تشردا بعد ان تزوج السيد يوسف زينب ابنة صديقه الجابري، فاستطاعت هذه الزوجة الجديدة الظالمة ان تجبر الملاحي على طرد انجيلا وابنها ليعيشا حياة الفقر والألم، فلجآ إلى والدي شامل.
ونعرف من السيدة شروق ان السيدة زينب بعد ذلك اصيبت بنوع من الجنون، فحبست في حجرة خاصة، وذلك بعد ان تزوج السيد يوسف ربيبته شروق التي عطف عليها ورباها بعد وفاة والديها، فعاشت بين أبنائه، بل أحبها ابنه هشام، فكان ان طرده أبوه من البيت، وكذلك احبها ابنه طارق، وحاول ان يساعدها بوضع المخدر في شرابها تخفيفا لآلامها التي تفجرت بعد ان تزوج السيد يوسف طليقة أخيه الإسبانية الشريرة «هيلين» التي تسببت في أمراض شروق ومعاناتها.
في نهاية الرواية يموت السيد «ديمرين» وهو ينطق بالشهادتين، كما تسلم زوجته جاكي، ويعلن السيد يوسف المقعد انه نادم على ما فعله بشروق، طالباً منه ان تسامحه ليرتاح في موته، ويعلمها انه كتب باسمها ثروة، وطلب منها ان تفتح صندوقا لتأخذ منه رسالة من والديها إليها.. في الوقت نفسه يلتقي شامل بصديق قديم لأبيه كان يعرف الأسرة.. يخبره شيئاً عن أخته «ميرا»، فيذهب شامل إلى بيت السيد يوسف، حيث يكون اللقاء بينه وبين اخته التي غالبا ما تكون شروق التي ربما عرفت انها «ميرا» من الرسالة التي تركها لها والداها غير الحقيقيين.. فقد تركت الساردة النهاية مغلقة، لا نعرف هل اخته تهاني ابنة يوسف الملاحي، أم شروق زوجة يوسف الملاحي، أم فتاة أخرى تعمل خادمة في بيت الملاحي، وهذه التعمية فجة على أية حال!!
تمتلئ الرواية بالمصادقات، والغربة في تسلسل الأحداث وعدم منطقيتها، وفجاجة الحوار والعلاقات، بحيث تبدو الرواية في نهاية المطاف تصلح ان تكون «مسلسلاً تلفازياً» رديئاً، يؤثر في العجائز والمراهقين.. لأن ذاكرة الضياع محكومة بالمبالغة، فيبدو البشر كأنهم أحجار شطرنج بلا مشاعر، وتعد اللغة الإنشائية الفضفاضة مقتل هذا النص الذي تتأكد هامشيته الفنية أيضاً بوجود مقتل آخر هو الحدث والعلاقة غير المقنعين من بداية الرواية إلى نهايتها!!
توجه اهتمام الساردة إلى دور اللعنة في تكوين بنية الضياع، وهذه فكرة مهمة بوصفها فكرة مجردة، لكن بنية السرد للأسف ليست في مستوى الكتابة السردية الفنية/ ومع ذلك لا نستطيع الغاء جهدي الحكاية والإنشاء المبذولين في هذه الرواية، كما لا نغفل وجود جمالية ما في النصف الثاني من هذه الرواية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان أي أدب لا يخلو من جمالية ما تسكن فيه!! ولأن هذه القراءة غير معنية بالجوانب الجمالية تحديداً، فإن لكل رواية مهما كانت درجتها الفنية ذاكرة تتكئ إليها، وذلك انطلاقاً من كون الذاكرة السردية تتأسس في سياق الرؤى والمضامين في الدرجة الأولى.. ومن هنا اتضح من العرض السابق تشكيل ذاكرة الرواية من خلال ذاكرة الضياع الاجتماعي، سواء أكان هذا الضياع بسبب اللعنة «تعددية الزواج»، أم بسبب تحطم السيارة!!
يمكننا إذن ان نؤكد سلبية بناء شخصية شامل بوصفه شخصية باردة في بحثه عن ماضيه، لكن الساردة في المقابل حاولت ان تجعل شخصية شروق أكثر حيوية من خلال التركيز على نفسيتها المأزومة.. أما بقية الشخصيات فهي تكاد تكون بلا مشاعر حقيقية في تعبيرها عن ضياعها واغترابها، طبعا هذا بسبب انشغال الساردة بمظاهر الأشياء، حتى في مجال اللغة التي كانت قوالب جاهزة، غيبت إمكانية وجود تركيبة سردية حيوية!!.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved