الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th August,2003 العدد : 26

الأثنين 27 ,جمادى الثانية 1424

بوح
الزوايا الحادة
إبراهيم الناصر الحميدان

كم أحترم ذلك الذي يحاول طرح مالديه من شواهد بقصد الإقناع باعتبار هذه الخطوة ضرورية حتى نتفاعل مع مضمون أية فكرة تطرح للتداول. إلا أنه يصدمني ألا أستطيع المضي إلى نهاية ما يرمي إليه ذلك المفكر، إما لعدم عثوره على الزوايا التي ترفد تلك الرؤية أو لأن القابلية لدي لم تستطع هضم واستيعاب وسائل إقناعه. وتلك مشكلة أعرف مقدما أنها أزلية أو لا تنفي الإختلاف بين كافة المجتمعات الإنسانية باعتبار أن مستوياتها الفكرية واحدة وهذا يناقض التكوين البشري لعقل الإنسان في حسباني أن صاحب الفكرة «الجريئة» لابد وأنه وجد صعوبة حتى يخرج على الرأي الآخر وأن الشجاعة لم تكن لتعوزه حتى يعلنها صريحة في مواجهة «الضد» وهذه الخطوة الأولى لا تعني تعصبه أو بالأحرى التماسه كافة أسباب الشواهد، لأنك مالم تتمكن من الإقناع فإن ما تحمله من أفكار ليس مقبولاً أو على الأقل مستساغاً وفي هذه الحالة فقد فشلت في اجتياز العقبة الرئيسة في تداول أية فكرة جديدة في الطرح. والفعل ليس دائماً هو مفتاح النجاح أي الإقناع، فالإرهاب على سبيل المثال لن تستطيع أدواته إقناعي وكذلك شأن الملايين بأنها الوسيلة الوحيدة للتعبير عن رفض واقع معين حتى وإن كان قد تملك شخصاً أو أكثر في أنه الوسيلة الوحيدة للتعبير عن فكر متقوقع، لأن الله أعطاني عقلا يجعلني أتحاور معه أولا وليس مباشرة مع الآخر. ومن هنا كان الإختلاف وسيلة لاتساع الرؤية بالتحاور والمناقشة الواعية.
لقد أثارني ما طرحه أحد الزملاء المفكرين حين قرن ما بين الفكر القبلي والتراث باعتبارهما وجهين لعملة واحدة وبظني أن ذلك ينطوي على الكثير من التجاوز فالتراث يمكن فحصه وغربلته وليس هو «ثقافيا» ذلك العطاء الذي أخذ هالة من التقديس الإذعاني. وبديهي أن الكشف العلمي هو أيضاً بمثابة تراث تناقلته الأجيال ولم يرفض بدعوى قبليته أو عرقيته وخلاف ذلك. فالانتماء القبلي قدري كالأسري والمجتمعي لم يتحقق برغبتنا إنما هو انتماء حددته جذورنا وبالتالي لا نحاسب عليه، كذلك الشأن بالنسبة للتراث إنما العلاقة هنا تختلف على الأقل لأن التراث يتحول إلى إنتماء ثقافي يمكن التحكم به لاحقاً بالوعي والتعليم وليس هذا بالنسبة للشأن القبلي. ودعوة غلاة الحداثة وعلى رأسهم أدونيس سقطت منذ بدايتها لأنه يدعو إلى قطع أية صلة بماضينا تراثنا الفكري بالذات الذي انحدرت منه الأجيال الثقافية وكأنما نسي بعض المراحل المضيئة التي كان الصوت الثقافي العربي هو المدوي عالمياً. وبذلك فالتراث هو تاريخ الأمم والمطلوب نقده وحفره أيضاً وليس طمره والانتقاص من مكانته جزافاً أننا قد نخجل من أن تاريخنا قد اتخذ منحى دموياً في مراحل معينة ولكنه أيضاً أشرق بأنوار باهرة وهذا شأن الأمم جميعاً، فالتقديس ينبغي أن يحدد بالتعاليم السماوية التي جاء بها القرآن الكريم وما خلاف ذلك يخضع للفحص والقراءة الواعية لأن التأويلات طغت كثيراً حتى زرعت هذه المشارب المتباينة عقائدياً وكما أن القيادة قد أوجدت مركزاً لتداول الرأي نرجو أن يكون منبراً حراً يتصف بالمرونة وقبول الرأي الآخر حتى نخرج من الغلواء والشطط الذي دفع إلى العنف، لأن الإسلام دين السلام والمسامحة وليس الإرغام والتحكم بعيداً عن الزوايا الحادة التي طرقها أعداء الدين للتصدي للتوجه الحضاري الذي ترتفع الأصوات المنادية للسير باتجاهه وهكذا، فالقبلية تتقاطع والاحتفاء التراثي وليست وجهاً آخر له.

++
ص.ب 6324 الرياض:11442

++
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved