الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th August,2003 العدد : 26

الأثنين 27 ,جمادى الثانية 1424

البناء الشعري:
د.عبدالله الفيفي *
مفهوم الهلهلة وموقف الفحولة
تختلف المراجع في تفسير تلقيب «المهلهل بن ربيعة، ت.نحو 100 ق. هـ= 525م» بلقبه هذا، ويمكن إدراج أوجه التعليل فيها في نوعين:
1 ذلك التعليل التقليدي للقب الشاعر ببيت من شعره، فقد قيل: إنما سمي مهلهلا ببيت قاله، وهو:
لما توقَّل في الكراع هجينهم
«هلهلت» أثار مالكاً أو صنبلا
بل إن «المعري، رسالة الغفران، تح. بنت الشاطيء، 5» يذهب إلى أن قائل البيت هو أخو المهلهل، وقد لقب بمهلهل، فلما هلك شبه به أخوه مهلهل بن ربيعة، وهو ينفي الوجه الآخر للتعليل الذي يربطه بالأسباب الفنية، ويزعم كذب من قال به، ولقد شاعت ظاهرة تعليل القاب الشعراء بأبيات من شعرهم شيوعاً يشي بأن القائلين بذلك يقلد بعضهم بعضا، وربما صنع بعضهم الابيات لتفسير اللقب حين لا يعلم وجه تفسيره، حتى انه لا يكاد صاحب لقب من الشعراء إلا قد التمست كلمة من شعره لتفسير لقبه، وحتى لقد امتد هذا التقليد بتعليل ألقاب الشعراء بأبيات من شعرهم إلى عصر «بشار بن برد» مثلا، الذي لقب ب «المرعث» وعلل ذلك ببيت من شعره، ويكفي مؤشراً على تكلفهم كثيرا من ذلك أنهم قد تكلفوا تعليل لقب «طرفة بن العبد» بقوله:
لا تعجلا بالبكاء اليوم، مطرفا
ولا أميريكما بالدار إذ وقفا
والبيت غير موجود في أصل ديوانه كما يشير محققه «الضناوي»، وإنما هو في المزهر للسيوطي، وكذلك فعلوا في تعليل لقب «المسيب بن علس»، فقالوا إن اسمه زهير، وإنما لقب بالمسيب لقوله:
فإن سركم ألا تؤوب لقاحكم
غزاراً فقولوا «للمسيب» يلحق
«ينظر: ابن دريد، الاشقاق، تح، هارون 316» مع أن ظاهر البيت يدل على أن الشاعر حين قاله كان يحمل لقب المسيب ويدعى به، بل لقد زعموا أن «النابغة الذبياني» إنما لقب بلقبه هذا لقوله:
وحلت في بني القين بن جسر،
لقد «نبغت» لنا منهم شؤون
وذلك لشناعة هذه اللفظة، حسب«ابن رشيق، العمدة، تح، عبدالحميد، 1:47» ومن السهل ان يجد المرء كلمة في شعر الشاعر تتفق مع لقبه، إذا ركن إلى التعليل بها، كما أن من السهل أن يحدث التصحيف أو أن يحدث في تلك الكلمة التماسا لكشف العلم لدى لغوي ما بعلة تلقيب الشاعر، وهو ما يحتمل هنا وراء تصحيف كلمة «نبغت» من «نبعت»، بل ربما اصطنع اللغوي أو الراوي البيت لتعليل اللقب، ومن مرجحات هذا أن القائل بتعليل لقب المهلهل بيت من شعره هو «ابن الكلبي»، المتهم في أمانته العلمية، وكان دافعه إلى هذا استنكاره أن يوصف الشاعر بهلهلة الشعر وهو أحد شعراء العرب. «ينظر: ابن جني، المبهج، تح، هنداوي، 129».
2 أما الوجه الثاني من أوجه التعليل، فهو ذلك التعليل الفني الذي تدلي به طائفة من أقدم رواة الشعر ونقاده، «كأبي عبيدة، ت. 209/210هـ = 824/825م»، أو «ابن قتيبة، ت، 276هـ= 889م».
فأبو عبيدة «نقائض جرير والفرزدق، 2 905» ينقل أن المهلهل «إنما سمي مهلهلاً لأنه هلهل الشعر، يعني سلسل بناءه، كا يقال:«ثوب مهلهل»، إذا كان خفيفاَ، ثم يذهب «ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تح، شاكر، 297» إلى أنه «سمي مهلهلاً لأنه هلهل الشعر، أي أرقه، وكان فيه خنث، ويقال: إنه أول من قصد القصائد، وفيه يقول الفرزدق: ومهلهل الشعراء ذاك الأول»، وفي هذا التفات إلى خاصية بنيوية في قصيدة المهلهل استأهل عليها لقبه هذا، حتى ليمكن القول إن «مهلهل الشعراء» تعني «مهلهل الشعر»، أو يمكن القول ان اضافة مهلهل الى الشعراء إذ تؤكد المعنى الفني وراء اللقب تشير إلى أن من الشعراء مهلهلين، كان «مهلهل بن ربيعة» أولهم.
تلك شهادة فنية إذن، قيل في تفسيرها ما يحمل على محمل المدح للشاعر أو ما يحمل على محمل القدح في شعره، بيد أن كلا المحملين ينبئ عن وعي نقدي وراء تلقيب الشاعر بهذا اللقب، ينطلق من أن للشعر نظاماً لغويا أكثر تعقيداً وصناعة من الكلام العادي، «قارن مثلاً: تودوروف، الشعرية، 1011، وكوهن، بنية اللغة الشعرية، 188، وكذا: بكار، بناء القصيدة العربية، 97».
وهكذا فإن الباحث إذا استقرأ مفهومات القدماء من وراء لقب «المهلهل» يجدها تتعلق بجوانب تجربة الشاعر العشرية المختلفة، من لفظ وأسلوب، وصناعة، وموسيقى، وتصوير، وخيال، وبناء كلي للنص، وتقصيد للقصائد، بحيث تتخذ القصيدة طولها وملامحها الفنية التامة.
فقد وصف شعره بالرقة، وعلل ذلك بخنث ولين في طبعه وشخصيته، ويضيف «الأصفهاني: الاغاني» تعليلاً نفسيا، يتمثل في وصف المهلهل «الرقة والخنث»، قائلاً: إنه «كان كثير المحادثة للنساء، فكان كليب يسميه «زير النساء» فذلك قوله:
ولو نبش المقابر عن كليب
فيعلم بالذنائب أي زير».
وتأتي نعوت أسلوب المهلهل الشعري بالرقة بعبارات مختلفة تراوح بين الإيجاب والسلب، وذلك كاستخدام عبارة «طيب شعره»، أو «رقة النسج»، أو «حسن النسج»، فالمهلهلة من الدروع هي الحسنة النسج، ليست بصفيقة، يقابل ذلك :«سخف النسج ورداءته»، فالمهلهلة من الدروع أردؤها نسجا «ينظر: الزمخشري، أساس البلاغة، وابن منظور: لسان العرب، «هلل»، أو «اضطراب الشعر واختلافه»، «الجمحي، طبقات الشعراء، نشر الألماني، جوزف هل، 38»، وهذا التضاد في مفهوم «الهلهلة» قد جعل بعضهم كابن منظور يفهم من صفة «المهلهل» وصفاً لشعره بالرداءة، وهو حكم لا يستند على دلالة لفظ اللقب فحسب، بل أيضاً على موقف من الجديد المختلف الذي افترعه الشاعر المهلهل بترقيق الشعر والخروج به عن عباءة فحوليته الأسلوبية المعهودة، ولذا لم يعدوه حسب «الأصمعي، كتاب فحولة الشعراء، تح: المستشرق ش. توري، 12» في خانة الفحول، ومن يضع لقب المهلهل بإزاء شعره يلحظ انطباقه عليه حقاً، لما يتميز به شعره من سهولة وليونة وبديع أحيانا، وهذا مدار العرض والتحليل في المساق التالي، بمشيئة الله.
قطوف:
ونحن مع مجموعة الشاعر «عبدالله بن صالح الوشمي» البحر والمرأة العاصفة» ، «2002»، إزاء قصائد تجمع بين خاصيتي «الفحولة» و«الهلهلة» معا، أي بين خاصية الأصالة والتمكن من الاداة اللغوية والفنية وخاصية التجديد والتخطي، جاءت قصائد الديوان موسيقيا تراوح بين شكل القصيدة العربية وشكل التفعيلة، ومن أبرز الجماليات في نصوص الوشمي: التناص، وتوظيف العناصر البيئية: كنت هنا أمتد فوق رمله الذهب/ وألمح البدر على فراشه، والنجم كالهدب، في هذه البيد التي، تعزف في ربوعها الجن وحول نارها يجتمع العرب، مازال صوت شاعري يملأ هذي البيد بالعجب.. تلك خيمة الوشمي الشعرية إذن التي تشده دوما عن «البحر والمرأة العاصفة» مؤذنة بميلاد صوت شعري جدير بهذا الاسم.

++
* أستاذ النقد المشارك بآداب جامعة الملك سعود
aalfaify@hotmail.com

++
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved