الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th August,2003 العدد : 26

الأثنين 27 ,جمادى الثانية 1424

رأي ورؤية في حلقات سلسلة شريفة العبودي القصصية
يوسف بن عبدالرحمن الذكير

تختلف مجموعة شريفة العبودي القصصية «حلقات من سلسلة» ذائقةً وأسلوباً عما اعتدنا عليه من تيارات سادت بحور السرد القصصي السعودي في السنوات الأخيرة، وإن لم تختلف عن العديد منها محتوى وجذوراً.
فهي لا تنتهج أسلوباً صعب المراس والاستشفاف، يُرهق القارئ كأسلوب رجاء عالم أو أحمد الدويحي، ولا تننتمي لرمزية تُشغل وقد تُمتع المتلقي في محاولاته لفك الشفرات واستكناه المقصود، كما في المجموعات القصصية لكتاب متمرسين من أمثال حسن النعمي ومحمد علوان وعبدالحفيظ الشمري، وهي حتماً لا تعتلي أمواج ما اعتادت شطآننا الأدبية على تلقيه، من أدب الشباب الشاعري الطابع، المحلق بالقارئ الى سماوات رومانسية بأجنحة مفردات انيقة منتقاة، كما في مجموعات فهد المصبح وخالد الخضري ومحمد الشقحا، وإنما هي تنتمي الى مدرسة واقعية تعتمد على الحبكة والموضوعية، الوعظية المضمون، أقرب ما تكون الى مجموعات ادبائنا الرواد، من أمثال إبراهيم الناصر الحميدان في مجموعاته القصصية الأولى «أمهاتنا والنضال» «وأرض بلا مطر».
أما المحتوى والجذور، فهي تلتقي مع الكثير من المجموعات القصصية في الاستقاء من رواء آبار الماضي القريب وسواقي الحاضر المعاش، والاتكاء على ما مر به المجتمع السعودي من تقلبات وما نجم عنها من إفرازات فالكاتبة تغترف، مثلما هي تعترف، في مقدمة كتابها، مضامين وأحداث قصصها، لا من معايشتها الشخصية الحاضرة لما تمر المرأة السعودية من ظروف اجتماعية ومفارقات فحسب، بل وايضا من حكايات الأجداد، مروراً بمرويات الآباء، وصولاً الى هموم الأبناء.. وهنا لا بد من الاعتراف بأنها قد أحسنت اختيار عنوان مجموعتها، فهي فعلاً حلقات متصلة من سلسلة تمر عبر اربعة أجيال، تصلح لأن تكون، بمزيد من الجهد، ومزيج من المثابرة والخيال، فصولاً من رواية متصلة قد لا تقل إبداعاً عن كثير من الثلاثيات.
***
ففي قصتها الأولى «رب ضارة نافعة» المستقاة حتماً من حكايات الأجداد، تعود بنا الكاتبة، الى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وما كانت تمر به نجد آنذاك من فقر وفاقة، لتحكي عن معاناة أسرة قروية تعيش على الكفاف، ما ان يفرح اطفالها الجياع، بمنظر قدر يفور بماء يختلط فيه ملء قبضة من شحم مخزون مع حفنة من دقيق مكنوز، يضاف لها تمر ناقص النماء والمذاق يسمى «الشيص»، احتفالاً بموسم جناء التمر «الصرام»، حتى تتسبب ناقة السانية الجموح، في قلب القدر أثناء تبريده في الساقية، لتنقلب معه الأفراح الى نواح، فما كان من الأب في ثورة غضبه إلا وان قام بذبح الناقة، رغم اعتمادهم عليها في اللبن والسقاء، ولكن لا الحنق والغضب ولا الفاقة والحاجة، أنسته شيم الإيثار والكرم العربية الأصيلة، حين قام بتوزيع لحم الناقة على جيرانه الجياع، لتصل حبكة القصة الى ذروتها في قيام أحد الأثرياء بتعويضه عنها بعدما سمع عن مأثرته، بناقة أخرى محملة بالتمر والقمح!.. أحداث ومضمون قد تعيد الى الأذهان، بيت شعر مأثور، أبدعه الحطيئة قبل ما يقرب من اربعة عشر قرنا يقول:
من يفعل الخير لا يُعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
***
القصتان الثانية والثالثة تعكسان بجلاء مدى اتصال حلقات السلسلة وإن اختلف التسلسل! فالثالثة «الحمل» مستقاة من مرويات الآباء عن رجل يعود الى بلدته النجدية بعد عدة شهور أمضاها في الهند، قضاها في ممارسة التجارة، قصة ربما كانت الأروع بين قصص المجموعة تقنية وإتقاناً وثراءً بالشخصيات والحوار. فالكاتب من خلال تقنية الاستعادة «الفلاش باك» تبدأ قصتها برسم لوحة حية تموج بالحركة لإناخة القافلة لقضاء الليل، تعود لبطل القصة، ليستعرض بتلك التقنية صوراً من موَّلوه من رجال ونساء بلدته.. الفقيرة أم عبيد الرملاء تموله ببضعة دراهم في السر، خشية انقطاع الصدقات عنها.. وابو مبارك ثري القرية المحنك يشترط لا تزيد حصته عن ثلث الارباح بدلا من النصف كبقية من مولوه لكونه الممول الأكبر.. والعجوز حصة الدرّاسا المهمومة بمستقبل ابنتها البلهاء منيّر بعدما هاجر زوجها ليستقر في الشام ويطلقها، وهي تحاول إغراءه بالزواج من ابنتها.. إلا ان عُقدة القصة هي صُرة !! صرة تبغ ربما ترمز لما تعانيه تلك البلدة من مرض التزمت المزمن الذي ذاع صيته فاشتهرت به تلك البلدة، منذ أن سطّر الرحالة الإنجليزي «تشارلزداوتي» مروره بها، حين كاد يفقدها خلالها حياته، نتيجة تعصب وتزمت أهلها في كتابه «رحلات في الصحراء العربية» في أواخر القرن التاسع عشر تزمُّت يضطر معه بطل القصة لدفن صرة التبغ في الصحراء خشية اكتشاف أمره واتهامه بالخروج عن الدين!.
فيما القصة الثانية «بيت الطين» المنتمية للجيل الثالث الذي ربما هو جيل الكاتبة، محورها يدور حول انتقال عائلة، من بيت طين الي منزل اسمنتي حديث، على إثر بحبوحة اقتصادية تنسبها المؤلفة لعقد الستينيات!.. ومن غير الواضح ان كانت تلك غلطة مطبعية، أم خطأ في التاريخ، فالطفرة الاقتصادية كما هو معروف حدثت في التسعينيات الهجرية الموافقة للسبعينيات الميلادية!.. إصرار الابن الشاب على الانتقال عصفت بحياة الأب العجوز فدفعته للانطواء والانعزال حتى الممات.. ولم يشعر الابن بخطئه إلا حين عاد الى بيت الطين بعد فراق طال عشرين عاما، ليجد الخواجة المستأجر الذي عرف قدره أكثر مما عرفه الأبناء، قد حدده، فأحاله الى جنة تعبق بالتراث.. الابن العودة إليه، ابى من ابى وشاء من شاء من أفراد عائلته!.. مغزى القصة في حضها على الاعتزاز والتعلق بالتراث غير كاف لتبرير المبالغة الواضحة سواء في درامية الاحداث او في الوصف الرومانسي لفناء بيت الطين المزدان بشجرة توت وليس نخلة او سدرة، تجري من تحتها سواق، لا يُعرف من أين تأتي، ولا الى اين تجري، رغم ان احداث القصة تجري في مدينة صحراوية تفتقر لعيون جارية او ينابيع!..
***
«على مفترق الطريق» و«السقوط» و«ليلة في دار» ثلاث قصص منتمية الى الجيل الرابع من الأبناء تعكس بوضوح غريزة الأمومة في شخصية الكاتبة، من خلال خشيتها على الأبناء، فالقصص الثلاث هي امتلاءً بالسمة الوعظية، فقد جاءت متتابعة، وكأنما الكاتبة تتعمد عقد مقارنة ما بين شاب كادح مكافح يعمل ويدرس في آن، ينتظره مستقبل واعد في الأولى منها، وشاب مدلل ينتهي به المطاف في غرفة الانعاش، وقد فقد صديقه إثر حادث مروري مهلك نتيجة استهتاره في الثانية من تلك القصص، فيما الثالثة عن شاب من الأرياف وما يعانيه من تشرد في مدينة كبيرة وهو يبحث عن مستقبل غامض، بعدما جرده اخفاقه في إحراز مجموع في الثانوية العامة، من اختيار مستقبل مأمون واضح الاتجاه، ورغم تميز القصة الأخيرة بايماءاتها الواضحة الظاهرة واتساع الفجوة، ما بين طبقات قلة من الأثرياء، والأعم فقراً وإدقاع، إلا انها الأكثر اكتظاظاً بالهفوات «.. فالشاب زال استغرابه من قلة اهتمام أبيه بمستقبله، بعدما أدرك أنه فلاح أميّ وكأنما لم يدرك تلك الحقيقة إلا بعد تخرجه من الثانوية، والأم تحضه على الاسرع، لمعرفتها بمواعيد مغادرة حافلات النقل الجماعي!.. فأنى لزوجة فلاح أُميّ الاطلاع على مواعيد رحيل ووصول حافلات المواصلات ما بين مدن وبلدات!.. وصوت تسجيل الرد الآلي للهاتف يقول:
إن الرقم الذي طلبته غير موجود في الخدمة مؤقتاً.. فضلاً اطلب الرقم الصحيح!.. وفي ذلك خلط صريح، إذ لا يمكن ان يكون الرقم المطلوب غير موجود في الخدمة وغير صحيح في آن واحد.
أما بقية القصص فهي نسوية الطابع، بعضها يفتقر لوضوح المضمون كقصة «وغاب ضوء القمر» وبعضها لا يخلو من سخرية وتهكم، كلجوء سائق سيارة الأجرة السعودي «جازي» لارتداء القميص والبنطلون وافتعال لهجة بلكنة آسيوية لنفور السيدات السعوديات من ركوب سيارة اجرة يقودها سائق سعودي كما في قصة «مشوار» وختاماً فلا يسع قارئ موضوعي مُنصف، سوى ان يعترف ان مجموعة شريفة العبودي القصصية التي حازت خمس منها جوائز من كبريات الصحف والنوادي الأدبية قد نالتها عن جدارة واستحقاق.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved