الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th August,2003 العدد : 26

الأثنين 27 ,جمادى الثانية 1424

قصة قصيرة
يقظة الموت
جمعان الكرت الغامدي
لا فرق بين الليل والنهار وليس هناك داعٍ للنظر إلى عقارب الساعة، ليس مهما أن تسير على عجل أو بتؤدة.. يميناً أو يسارا فالموت خارج الزمان والمكان هو اللعنة التي أمارسها.. لا فرق سواء أعيش أو أموت خارج الزمان والمكان. هل الموت يسبق الحياة، ام الحياة تسبق الموت؟ آه لقد مللت الصمت المفجع.. مللت تثاؤب الجدران الكئيبة البليدة. مللت هتاف الداخل الموجع.. هه سأحمل جسدي لانظر من النافذة التي تشبه العرجون، فكرة جميلة وجريئة.. أفضي بعيني العالم الخارجي. الشمس حمراء كئيبة، لا أعلم هل هي مشرقة أم مغربة؟ لا فرق.. انا خارج الزمان والمكان. الشمس متوهجة لا فرق.. الشمس منطفئة.. لا فرق.. جمجمة القمر مهشمة.. النجوم تتثاءب.. سأنام.. بل سأصحو سأتحدث اليك أيتها المتثائبة.. المتغابية سأقول بأن أصابعي هي التي ثقبت جدار الموت.. ولست أنا. حاكموا يدي.. حاكموها على جرمها اذا أردتم العدالة.. أما أنا سأرضى بالحياة خارج الزمان فعندما تسري تيارات باردة في عظامي ويستكين جسدي وتنطفئ عيناي سأرفع صوتي عاليا لأقول: أنا بريء بريء حتى لو كانت حدقات عيونكم تنغرس في جسدي كسهام مميتة.
2
خذوا رأسي واتركوا جسدي لعلي أشاهد الشمس وهي تغسل دموع السماء.. وأشم الهواء كقنينة فارغة والتذ بسماع نشيج الأصوات وهي تلوب الى أذني كدوامة بحرية أو هوائية.. وأطمأن على شجرة عمري وعلى أغصاني وبراعمي الغضة. فمنذ أن عروا جسدي من أعضائه لم أعد أشعر بالدفء رغم هجير الصيف اللافح وهل يمكن لجسدي أن ينبت في الصقيع؟ وهل يمكن لأغصاني أن تنمو في الهواء؟ خذوا رأسي لعله يشاهد أغصاني وأوراقي وتأتي لتنصهر في شجرة عمري البائسة وتكتب حروفاً مضطربة بأن الزمن لن يتوقف والليل كالنهار.. فشمس الليل أكثر إبهاراً.. والنهار الكسول كعربة خشبية تجرها خيول هرمة نحو القمة.
3
الأصوات عندي سواء.. ما عدا صليل القبضة الحديدية التي تحكم فوهة الجدران المتثائبة حينما يرتج البائس داخلها ترتعش اضلاعها كما تضخ الأنابيب البلاستيكية المتكاسلة سائلاً متوهجاً يرتطم في صفيحة رأسي وفي قيعان قدمي.. لا فرق فالشجرة بعد ذلك تتراخى ويتلبسها ماء بارد.. بارد كنا فورة الصباح.
4
من القاع يأتي صوت غير مفهوم. كلمات أظن أنني قد سمعتها وتناثرت حروفها، أظن أن لساني قد تحدث بها حينما كنت في علاقة جيدة مع الزمن ومع الشمس والهواء.. ربما وصلت تلك الكلمات المبعثرة إلى أذني، ارفعوا السيف فلن يعقد صداقة حميمة مع رأسي المتهم.. ولن يتوج هذا الرأس القميء. كنت عندها خارج الزمان والمكان، رأسي المتخشب رفض أن يفر من جسدي.. وجسدي قد عرّاه الصقيع منذ سنين وسنين.. والأغصان والأوراق متناثرة هنا وهناك وقد ذبلت بل يبست.. أصوات من الداخل والخارج تمازجت كبداية حرب ضروس: كُتبت لك الحياة، كُتبت لك الحياة، أظنهم قالوها وأظن أنني سمعتهم يقولونها.. فلم أعجب لأنه قد أناخ الموت جثتي بل تنفست الرمل.. وتركت لهم جسدي منذ أن ضغطت أصابعي على الزناد.. ومنذ أن تنصلت من أغصاني وأوراقي.. فلماذا إذاً تجرأتم أيها الأحبة على إيقاظي؟ ولماذا رفعتم حد السيف عن سنام جسدي؟ هل الحياة أغلى من الموت يا سادة؟
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved