الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th September,2006 العدد : 172

الأثنين 3 ,رمضان 1427

العرب من زوايا أمريكية (7)
إرهابي أبدايك
سعد البازعي

على الرغم من أن رواية (الإرهابي) لجون أبدايك تتمحور حول شاب مسلم من أصل عربي أمريكي يسعى للقيام بعمل إرهابي في أمريكا، فإن المحور الحقيقي، المحور الذي يحتوي الشاب وما يمثله من محورية أو أهمية، هو المجتمع الأمريكي نفسه، أو الولايات المتحدة. الروائي الأمريكي ليس معنياً بالإسلام والمسلمين إلا بقدر ما يتماسون مع الحياة في الولايات المتحدة، وهو في هذا لا يسعى إلى إدانة المسلمين أو دينهم وإنما إلى إدانة الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي جعلت من الممكن لشاب مسالم وطيب، شاب يتقدم في تعليمه وأمامه مستقبل جيد، أن يتحول إلى إرهابي، أو إلى مشروع إرهابي.
في المقالة الماضية تناولت الأحداث والأشخاص الرئيسين في الرواية ودور أولئك في التحول الذي يتألف النسيج السردي من أفكاره ومشاهده.
هنا أود أن أقف عند ما يبدو لي أنه المرتكز الأساسي للرواية بما يتضمنه من إيضاح لبعض الجوانب التي لم أتناولها في المقالة السابقة.
ذلك المرتكز ليس في تصوري سوى الحياة الأمريكية، وبالتحديد حياة الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة بما فيها من تنوع وتعقيد، وما يؤثر فيها من عوامل سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو غيرها.
ولو كنا سنختصر كل ذلك في عاملين، على ما في ذلك من اعتساف، لقلنا إنهما عاملا التدين والعلمنة، التدين ممثلاً بالأديان الثلاثة وأهمها هنا المسيحية، دين الأغلبية الأمريكية بالطبع، والعلمنة ممثلة بعوامل عديدة أهمها النزعة الاستهلاكية والبحث عن اللذة سواء تمثلت بالمال أو الجنس أو المخدرات أو غير ذلك. هذان العاملان يختصرهما أبدايك في بداية الرواية باقتباسين، الأول من (الإنجيل) يمثل معاناة النبي يونس، والثاني من كتاب للروائي الكولومبي ماركيز يقول: (عدم الإيمان أكثر صموداً من الإيمان لأنه يقوم على الحواس).
أحمد عشماوي هو ضحية الصراع بين هذين العاملين، والآخرون في الرواية يجسدون أحدهما أو يساعدون على إبرازه.
في مطلع الرواية يندلع الصراع بين العاملين من خلال العلاقة المتنامية بين أحمد والفتاة الزنجية جوريلين.
فالفتاة التي تحاول إغراءه تشارك أيضاً في الغناء ضمن جوقة الكنيسة في البلدة، كما في تجمعات أخرى، ولا ترى تنافراً في ذلك، وأحمد يكره ما تقوم به، كما سبق له أن أخبر الفتاة، لكنه يظل مشدوداً إليها، ولنلاحظ كيف يصف أبدايك العلاقة بينهما حين يقول إن أحمد (مع ذلك كان يستمتع باهتمامها به وهي تأتي إليه بين الحين والآخر مثل لسان يتحسس ضرساً متورماً).
التشبيه المشار إليه يأتي من زاوية الفتاة طبعاً، لكن التركيز في الرواية يقع على أحمد وكيفية نظره إلى العالم، فالكاتب يتابعه وفي الغالب ينظر إلى العالم من خلاله، أي أنه يصف كيفية تفاعل أحمد مع ما حوله لأن الشاب هو بوتقة الانصهار التي تتجمع فيها المشاهد لتؤدي في النهاية إلى شخصية الإرهابي: الإغراء، الخراب الروحي، المادية، الكفر، إلى غير ذلك.
ويشتد التماهي بين الكاتب والشخصية حين يقتبس أبدايك من القرآن الكريم، وهي اقتباسات كثيرة وبعضها بحروف أجنبية مع كون الكلمات عربية، كما يحدث في استشهاده بسورة (الفيل).
ذلك سيدهش قراء أبدايك الأجانب بكل تأكيد ويعطي العملية السردية نوعاً من الواقعية غير المألوفة في الآداب الغربية عموماً.
ومع ذلك فإن بعض اللبس يحدث حين تتداخل معتقدات أبدايك نفسه ونظرته للإسلام من ناحية بما يفترض أن أحمد يعتقده بوصفه مسلماً، من ناحية أخرى.
ففي أحد المواضع يتحدث الكاتب عن موقف أحمد من أهل الكتاب فيتذكر آية تؤكد علاقة المسلم بالأنبياء والرسل السابقين، لكن أبدايك يذكر الآية كما لو كان قائلها محمد: (إبراهيم، نوح: هذه الأسماء ليست غريبة على أحمد تماماً. ففي السورة الثالثة أكد النبي...)، كما لو أن النبي عليه الصلاة والسلام هو المتحدث في القرآن.
وتقترب الرؤيتان حين يكون النقد موجهاً إلى أمريكا المعاصرة، لكن دون أن يغيب اللبس تماماً.
فموقف أبدايك مما آلت إليه أمريكا في عصرها الحديث تحت ضغط الاستهلاك وهيمنة الشركات وانهيار القيم، إلى غير ذلك هو ما تعلنه غير رواية ومقالة لأبدايك، فهو موقف معروف ومعلن.
غير أن ملاحظة ضمن ذلك النقد تثير الشكوك. فالانهيار والشحوب البادي على الشوارع المتهالكة في بعض المدن الأمريكية وتشرد الشبان وانتشار المخدرات هي بعض المظاهر التي يلاحظها أحمد ويتفق معه فيها الروائي، بالتأكيد، لكن حين يمتد النقد إلى اليهود فتلك مسألة أخرى.
ذلك أن أبدايك ينتقد (سادة الرأسمالية الغربية فروع البنوك التي تقع مكاتبها الرئيسية في كاليفورنيا ونورث كارولاينا، إلى جانب المخافر المتقدمة لحكومة فدرالية يهيمن عليها الصهاينة وهي تسعى من خلال الرعاية الاجتماعية والتجنيد العسكري إلى الحيلولة دون قيام الفقراء بالسلب والنهب).
إذا كان أبدايك ينتقد الحكومة الأمريكية لأسباب كثيرة فهل يمكنه أن يدخل الصهاينة في النقد إذا أخذنا بعين الاعتبار خطورة ذلك في أي من البلاد الغربية اليوم، خاصة الولايات المتحدة؟ أم أنه يستغل وجود شخصية أحمد ليمرر من خلاله نقداً لم يكن ليقدر على تمريره من دونه؟ أياً كانت الإجابة فإن أبدايك يقدم صورة كئيبة لواقع الحياة الأمريكية المعاصرة، الواقع الذي يشكل الخلفية الضرورية، كما يتضح من روايته، لتبلور شخصية إرهابي مسلم. يتأكد ذلك من كون نقد الواقع الأمريكي هو أيضاً ما يصدر عن شخصية المدرس اليهودي ليفي الذي يعرف وهو في الستين من عمره أن أمريكا قبل عقود قليلة كانت أفضل بكثير مما هي الآن.
(إن أمريكا، كما يراها جاك ليفي، مكسوة بغطاء صلب من الدهون والقطران، يعلم أنها مليحة صاغها القطران ما بين المحيطين. حتى حريتنا التي نتباهى بها ليست مما يعتد به، فبعد رحيل الشيوعيين لا تفعل الحرية سوى أنها تتيح للإرهابيين أن يتحركوا، يستأجرون الطائرات والحافلات الصغيرة وينشئون مواقع الانترنت).
بهذه الملاحظة الأخيرة يبقي أبدايك نفسه بعيداً عن التماهي مع أحمد، على الرغم من استخدامه إياه للتعبير عن نقد الواقع الأمريكي، تماماً كما يفعل هنا مع ليفي. فتقابل وجهات النظر واختلافها ضروري لعافية العمل الروائي من الناحية الفنية، لكنه فوق ذلك مهم لمنح القارئ القدرة على قراءة الأحداث والشخصيات من موقع أكثر وعياً بتعقيدات الحياة. ومع أن أبدايك متعاطف مع أحمد في كثير من المواضع فإنه متعاطف أيضاً مع ليفي، والاثنان يقفان فوق بقية الشخصيات في أهميتهما لنقل الأبعاد الثقافية والأيديولوجية للرواية. أحمد الشديد التمسك بدينه يقف هنا مقابل ليفي الذي فقد صلته بدينه اليهودي، بل بكل دين. لكن حتى أحمد يظهر في المواضع المتأخرة من الرواية عرضة للشكوك الدينية، بل وموافقاً، وإن بتردد، على الاقتراب الجنسي من الفتاة الزنجية، فهو يصارع شياطين يهددون دينه، كما يقول هو في عبارة تفتتح بها الرواية وتختتم: (هؤلاء الشياطين أخذوا ربي مني).
ولعل الروائي الأمريكي أراد منا أن نرى تخلي أحمد عن توجهه الإرهابي في نهاية العمل بوصفه نوعاً من الخضوع لسيطرة الحياة الأمريكية على شاب كان ينوي تدميرها. إن رواية (الإرهابي) عمل جدير بالقراءة، ولا أستبعد أن نراها مترجمة قريباً.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved