الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th September,2006 العدد : 172

الأثنين 3 ,رمضان 1427

انكسار
جمعان الكرت الباحة
ثمّة حزن يشوب وجهه هذا الصباح.. كنت أظن أن السبب في ذلك اختلال أوقات الاستيقاظ إذ كان يمرح بهناءة خلال إجازته. هذا الاعتقاد لم يكن جازماً.. بدلالة استيقاظه المبكر يوم الخميس الذي يصادف السوق الشعبية.. ربما لهذا الكم من الكتب التي ضاقت بها حقيبته..
كنت أناظر عيني ابني اللتين كان يواريهما مرتاباً.. أيقنت أنه يخفي عني شيئاً لا يجرؤ الإفصاح عنه..
قلت هل توّد شيئاً؟
لمحني بشكل سريع وعيناه تفيض بدموع ساخة.. وقال بصوت مرتبك خافت: لا يا أبي.
وانصرف إلى الباب الخارجي حاملاً حقيبته وحزناً ثقيلاً.
لم أتمكن من معرفة الأسباب وقتها.. وددت الحديث مع والدته.. إلا أنها تمتعض لحديث يخصّ ابنها في مثل هذا الوقت المبكر من النهار بل تنثر كلمات غاضبات...
جاء وفمه مليئاً بالاحتجاج، وما أن توسّط صالون المنزل حتى قذف بالحقيبة.. وأباح بكلمة واحدة: المعلم.. وقعد على الأريكة, وبدأ ينتحب..
ضمته أمه، وأحنت رأسها لتستنطقه.. كان على وجهها خريطة من الغضب والحزن..
اشرعت سؤلاً من لساني..
ما الأمر؟
قالت: المعلم.
ما به؟
يقسو على ابننا بكلمات نابية يشبهه بالحمار ويصفه بالبلادة.
ما أن أرسلت الشمس حزمها الدافئة على منازل القرية.. حتى وقفت بجوار ابني في طابور الصباح كان وجودي يمثّل علامة فارقة.. ويثير تعجب المعلمين والطلاب.. أصررت على البقاء.
حين انتهى الاصطفاف الصباحي انعطفت وابني إلى حجرة المدير.. لم أر ابتسامة على وجهه..
قلت: ابني.. ابني..
لمحني ورّد بصوت مسترخ: ما به؟
قلت: يحمل حزناً ساعة بدء العام الدراسي.
قال: ولم تحملِّنا أحزان الطلاب؟
قلت: يأتون وهم يحملون باقات السعادة وقلائد الفرح وحزم التفاؤل إلا أنهم يرمونها على عتبة مدرستكم.
وقال: وهل تظنّ أننا نبيع أحزاناً وأوهاماً وتأويلات لا لزوم لها؟
قلت: إذاً.. لماذا تنطفئ روح السعادة عن هذه الوجوه البريئة؟
أجبني لماذا؟
قال: هذا شأنكم أنتم ولا دخل للمدرسة بها.
لمح ابني انكسار نظرتي. عدت أدراجي.. كاد ابني يتشبّث بي. إلا أنني أزحت يده بحنو وقلت: عليك الذهاب إلى رفاقك في الفصل.
نظر إليّ بحزن عميق.. وحمل حقيبته ومشى بتباطؤ...
ذهبت إلى العمل وكنت وقتها أفكّر عما إذا كان صدر مني هفوة أو أخطأت في كلماتي المقتضبة أمام المدير.
كدت أرجع إليه لاعتذر وبشدّة إلا أنني أرجأت القرار لوقت آخر.
لم أفاجأ بمسحة الحزن التي علت وجه ابني, ولم أحاول الدخول في حديث ممضّ مع زوجتي. وخرجت من المنزل مرتبكاً مشتت الذهن وفور وصولي الشارع شاهدت حروفاً ملونة تبكي بحرقة.. تحاول جاهدة التشبث بمشجب خشبي عملاق انتصب وسط الطريق.. كان وقتها يقهقه بنشوة ملأت آذان المارة سخاماً نتناً, فيما استمرت الحروف تمرغ أنوفها وأشدّ ما ألمني نظراته المثخنة بالغطرسة حين يجول ببصره لمشاهدة تلك الحروف الشفافة والجريحة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved