الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 25th October,2004 العدد : 82

الأثنين 11 ,رمضان 1425

عَهد الشَّباب عِند أَبي ماضِي..!!

«إيليا أبوماضي» أحد بناة الشعر الحديث في المهجر الشمالي؛ صفت له القريحة وأينعت له خمائل الشعر هنالك في غيابه البعيد عن الوطن العربي؛ فغنّى بين خمائله الشعرية وأطرب في غنائه وأجاد.. اصطفى ألواناً متعدده من الأغراض الشعرية المتعارف عليها لدى الأدباء والنقاد فعبّر عنها أجمل تعبير ؛ لكنه في رابطته الشعرية تميّز عن غيره بخصائص وجدانية وقلمية بارزة تمثلت في مشاعره الإنسانية الرقيقة وفي شعره الاجتماعي المدرك وفي تفاؤله الباسم وفي حبه الدافق للحياة والأحياء..
عبّر أبوماضي الشاعرُ العربيُّ المهجريُّ الرقيق في شعره عن عواطف إنسانية مشبوبة وأفكار أدبية بليغه.. ولم يبرح في عطائه الصادق حتى ترجم إيحاءاته وتأملاته للناس ومن الناس في شتى الأمور والحقائق؛ وذلك في صور شعرية إنسانية تمتلئ بالدقة والبراعة وتزخر بالتصوير والجمال.. وكانت أحد النصوص الشعرية التي تتوشح بها أحد دواوينه الحيّة والتي تحكي مشاعره وتأملاته في الحياة تلك المقطوعة الشيقة التي أيقظ فيها مشاعر نفسية عفت عليها الأيام والسنون لكنّ خواطره الحاسة وانفعالاته الهائمة لم تترك لعوادى السنين سبيلا لإماتتها واحتوائها في نفسه ومشاعره.. إنه في تلك المقطوعة يتوجد بولهٍ واشتياق وحنين على عهد الصِّبا وعصر الشباب.. لم ينسه أبداً رغم صروف الدهر وأحداثه وأحزانه... بل ظلّ يتمنى أوبته وعودته ويتخذ من أداة التمني وسيلة يائسة لهذا التعبير والوجد والمستحيل.. لكنّ خطراته النفسية الكليمة ترمق تلك المستحيلات وتناجيها حتى لكأنها مرجوّةُ الإياب والعودة والعطاء..
وأبوماضي في وجده على عصر الشباب يردد أمنيةً عامة تلوكها حناجرُ كثيرين غادروا محطة الشباب آسفين ومرغمين إلى محطةٍ مُستهلكة تصرفهم عن بريق الجدة والحداثة إلى موئل يغص بالشجون والقدم والذكريات.. لكنه يغلو في وجده واشتياقه على غير ما ألفه الآخرون لأن مشاعره الحاسة تحمل فلسفة جارحه نحو أيام الشباب العاصفة وانعكاساتها الباقية على نفسه وحسه وجوارحه.. فهو يرى بأن البشاشة والأنس ثمراتٌ مستطابة لذلك العهد الضاحك ليس لها أن تجنى في غيره أو تطيب في سواه؛ فإذا ما ترحل وولّى رَحلت معه تلك الثمار مسرعات وحل محلها الأسى ومرارة الأيام وشحوبها.. ولذلك فإنه لا لغيره يحن للزمان الأول ويشتاق مثلما يشتاق الظامئ إلى الماء الزلال فيقول:
«ياليتما رجع الزمانُ الأولُ
زمن الشباب الضاحكُ المتهللُ
عهد ترحلت البشاشة إذ مضى
وأتى الأسى فأقام لا يترحل
أشتاق عصرك يا شبيبة مثلما
يشتاق للماء النمير الأيّلُ»
ويمضي شاعرنا يترسم بوضوحٍ وصدق صورةً باسمه لأيام الصّبا والشباب التي تُنسي متاعب الحياة وأبعادها وتحجب الرؤية عن مشكلاتها ومسؤوليتها بما تشمله مجتمعاتهمُ المحلية آنذاك من اللهو والانطلاق تجعلهم يظنون بأن ذلك الروض اليانع بالعبير والأريج جاء مسلاةً ومرتعاً لهم وحدهم وأن تلك الطيور المحلقة الهازجة التي تترنم في الأفق الطليق تطربهم وتمتع مسامعهم وأرواحهم فكأنهم مخلوقون في عالم ولعالم جديد فريدٍ بعيدٍ عن مسببات الآلام ودواعي الأسى والضيق.. يقرر هذه الحقيقة في تعبير شعري رشيق:
«وأنا وصحبي لا نفكر في غد
فكأنَّ ليس غدٌ ولا مستقبلُ
نلهو ونلعب لا نبالي ضمنا
كوخٌ حقيرٌ أم حوانا منزلُ
ونظن أن الروض ينشر عطره
من أجلنا ولنا يغني البلبلُ
فكأننا في عالم غير الذي
تتزاحم الأيدي به والأرجلُ»
ولنا مع أبي ماضي بقية آتيةٌ ووقفةٌ قادمة، تبرز أغراضاً أخرى وأَنغاماً منه مطربةً جياد.

عبدالله إبراهيم الجلهم
الرياض

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
منابر
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved