لنسأل أنفسنا.. من منا وقف متأملا وعاشقا أمام خيل أو فرس وفطن إلى أن نفسه تموج أمام هيبة هذا الكائن العبقري الذي نشعر ونحن أمامه بالتداعي وكأنما التاريخ حكاية شعبية مكتوبة بين عينيه فلا نقف عند حدود التسجيل لما قد يتداعى في الخاطر من شوق وعبر وحكايات عن الليل والخيل وقصائد الرعاة والصحراء والريح والصمت إذ قد تنتشي النفس إلى حد الاندماج والذوبان كما روي عن أحد الخيالة حين يذكر أنه لشدة علاقته بفرسه، يشعر أن ساقيه تلتحمان وتتحدان بجسد الفرس حتى كأنهما جسد واحد متحد عضوياً وكأن ساقيه جزء من جسد الفرس.. وأردف ولو أتيح لهذا الفرس أن ينطق لقال هذا.. ولا غرابة إن كان هذا الاتحاد بين حبيبين لكن حين يكون بين إنسان وحيوان اندماج حتى لكأنهما إنسان واحد ومخلوق |
جديد.. فهذا تجسيد لحميمية العلاقة بين الإنسان والخيل، فالعلاقة بين الفارس وخيله علاقة تفوق العشق ولنا في فرس امرىء القيس وقفات ونشيد حال ارتباط ما بين شاعر وفرسه.. فارس وفرسه.. صياد وصيده علاقة تخلق توتراً ذا دلالة ترقى بالخيال إلى الشعور بالقداسة والعنفوان في علاقة الفارس بفرسه في صورة مشاغبة. |
وقد اغتدي والطير في وكناتها |
بمنجرد قيد لأوابد هيكل |
وكأن الفرس مربوط بصيده فلا بد أن يصله ويستحوذ عليه والأوابد هي الصخور وكأن الصيد مربوط بالصخر المربوط بالفرس ذاته صورة فيها من المرونة واللياقة ما يجعلك تشفق على الصيد نفسه من قوة وعنفوان هذا الفرس ولعلني رأيت وأنا أقفز من فوق المقعد المقابل للتلفزيون، جنونا بخيل الجليد، ولّد في النفس مشهداً داخلياً رأى في لحظة تجل خيال امرىء القيس فوق فرسه، وعيون رجل من زمني الحاضر أضفيت عليه ملامح امرىء القيس، وجهه الملوكي وشعره الأسود الكث وتجهمه، لكني لا أعرف له خيلاً ولا فرساً كفرس امرىء القيس ولم أجده في صحراء بلادي يمتطي خيلا ويلقي السلام على معشوقته وهو على عجل لكنه كامرىء القيس من سلالة واحدة جوهراً وبنيه رمزاً وايحاءً لأخلاق الفارس وصفاته من نبل وشهامة وإقدام وشجاعة وأثرة فنقلت صوب الحرية صوب ذلك الرمز الذي يتميز بجمال الشكل وحسن السمت وطول الصمت عند كلمته فالكلمة كلمة واحدة لأن الفارس لا ينطقها إلا من برنامج العقل والوعد وعد فالحرّ عند وعده وعند خياره فإذا اختار فخياره مسئوليته بمحاسنه وعيوبه فالفارس النبيل لا يتراجع من منتصف الطريق ولا يحاكم الآخرين غيابيا ولا يخضعهم لاختبارات لمجرد تصيد عيوبهم، سمته الإقدام مهما كانت النتائج وقوته في أن يعيش لغيره أكثر مما يعيش لنفسه، ففارس زمني الجميل قد لا يكون امرأ القيس أو المهلهل أو كليباً أو خالد بن الوليد ولكنه احساس يصلك بأنه فارس من الفرسان القدامى فارس الزمن الجميل بأدوات اليوم وبإحساس ومشاعر اليوم فالقاسم المشترك بين الفارس القديم وبينه هي الاخلاقيات وليس الشكل والأدوات كالليل والسيف والقرطاس والقلم. |
أساسات ثابتة لا تهتز ولا تميل ويكون سعيداً بل في قمة سعادته فعمله معجزة وسط هذه الأجواء العصرية الكئيبة وأجواء الحسد والغيرة والمنافسة إذن الفارس في صحراء بلادي لا يزال عفياً حراً ولكن كما قلنا بأدوات أخرى ولكن يبقى التساؤل الجارح، أين الفرس، هل أصبحت مجرد زينة واصطبلات فخمة للتباهي والفرجة وصحراؤنا خلاء، مجرد صحراء وراء صحراء، وصحراء بلا خيل جحيم، وخيل الجليد، زحف بي نحو ذاكرة صحراء خلت من خيلها الذي يتراكض فوق جليد الغرباء، عجبت من طاقات هذا الكائن الذي خلعت عليه العرب أوصافا اسطورية ولم تكن تبالغ فلديه من الطاقات ما جعلنا نرى ان العرب لم تبالغ، ها هو يتراكض فوق الجليد فوق صقيع تلك البلاد الغريبة ولنا ان نعض أصبع الندم فكم من اشياء سُلبت منا ونحن عنها في غفلة والآخر عن عمد استطاع أن يستلها حتى سلبنا أغلى رمز في حياة العرب. |