الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 25th October,2004 العدد : 82

الأثنين 11 ,رمضان 1425

الأدب.. الجماعة والفرد
د. صالح زياد
يبدو الحديث عن الهموم والقضايا الاجتماعية التي يعانيها مجتمع أو فئة حديثا لا صلة له بالبحث في الأدب والدراسة له. ربما، لأن الأدب، كما يمكن أن نتصور للوهلة الأولى، لا يملك أن يحلها، أو أن القراءة النقدية خاصة المهمومة بالخاصية الأدبية لا تباشر إعلان ما تتعاطاه نصوصه منها، أو أن غير أديب من كبار الأدباء وشطرا ليس قليلا من روائع النتاج الأدبي يميل إلى إشكاليات فردية أو يكب على ذوات حالمة وشاردة، أو أن مهمة الأدب أن يلذ ويدهش ويسرِّي فيغدو من لوازم ذلك دوماً البعد عن الموقف الاجتماعي المعبأ بجدية أو كآبة لا تحتمل.
وكل ذلك حق وباطل في وقت معا.. حق لأن هذه الصفات مطابقة لما نعتقده من حقيقة الأدب والنقد، ولكنه باطل في التفسير والنتيجة التي ينتهي إليها؛ إذ ليست القضايا والإشكالات الاجتماعية مادة للأدب إلا من حيث هي مسميات وأبنية ذهنية ينزع عنها الأدب آلية الأُلف ورتابة العادة، يكتشفها، ويستدرج القارئ إلى إنتاج وعي بها.
ولهذا فإن الوصف في إطار الأدب لقيمة بأنها اجتماعية ولأخرى بأنها غير اجتماعية، غير دقيق؛ لأن معاني الأدب، في المطلق، معان اجتماعية وفردية، فالأدب نسق لغة، واللغة فعالية ثقافية اجتماعية وفردية في الوقت ذاته. وإذا لم يكن هناك ذات فردية إلا من خلال إطار اجتماعي، فليس هناك مجتمع إلا من خلال رؤية الفرد.
لكن الذي ينبغي أن نلتفت إليه، هنا، هو أن الأدب بوصفه حركة مجازية مستمرة، أي إزاحة وتأسيسا متجددين للتسمية والتصور، يتجادل فيه (الواقعي) والمتخيل ضمن رؤية إبداعية، لا يبقى مجالا لتصور الهموم والقضايا الاجتماعية والفردية في نصوصه فرعا لأصلها في الخارج.. كيف يكون ذلك وهي، أي معناها وصورتها الذهنية، تالية لبنائها وتسميتها أدبياً، لا سابقة؟
هكذا تصبح القضايا الواقعية ذاتها مجازا في الأدب من زاوية المفارقة لمألوف بنيانها الذهني، وذلك بإخضاعه لجدل وتفاعل مع الخيال ومع المهارة الإبداعية في تنظيم الرموز وانتقاء الاستراتيجيات والفضاءات الدالة، بما يجعل ما اعتدنا، عمليا، النظر إليه في الواقع المعاش من قضايا اجتماعية، مادة أدبية مستقلة بنائيا عن واقعها في خارج النصوص استقلالا يتيح لها خاصية الإنتاج الدلالي المتجدد.
أقول هذا القول وانا أطالع بعض شهادات كُتّاب القصة في المملكة التي تسري فيها نبرة الإلحاح على تأكيد مغزى ما يكتبون بالنسبة إلى مجتمعهم، فيقول محمد علوان: (كانت القصة بمثابة الصرخة التي أصرخ بها لأن لدي ما أقوله وما أعانيه لا على اعتبار الهموم الفردية، بل لأنها جزء من هموم هذا الإنسان، فرحه وخيبته وانتصاره).
وهي ذات الفكرة التي تحملها صيغ مختلفة، تأخذ عند سباعي عثمان، وجهة النفي أن يكون الأدب ترفا لا دور اجتماعيا له، وتلمح عند حسين علي حسين الصلة بين فردية الصراعات النفسية والقضايا الاجتماعية لبيئة محددة، وتؤكد على ناتج الوضوح والمقروئية في تقارب الكاتب مع هموم وآلام الناس عند عبدالعزيز مشري، وأن هموم القصة، دوما، تحمل في رأي شريفة الشملان وجار الله الحميد وناصر العديلي وعبدالعزيز الصقعبي وسعد الدوسري، صلة بتحديات العصر وقضايا الإنسان العربي والإنسانية جمعاء، وهي عند عبدالله بامحرز وخالد البليهد نوع من أنواع الخلاص والخروج من المأزق والانتصار على محاولات الاحتواء والاستلاب.


* الرياض جامعة الملك سعود
zayyad62@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
منابر
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved