الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 25th October,2004 العدد : 82

الأثنين 11 ,رمضان 1425

20 عاماً على تأسيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية «12»
إشكاليات منهجية.. وتصورات لا تقطع بين
الواقعي والمثالي.. وتأسيس على مقولات خاطئة

* الثقافية عبدالله السمطي:
1
انطلقت رابطة الأدب الإسلامي العالمية في 24 نوفمبر 1984م حيث أعلن عن تأسيسها في هذا التاريخ وقد سبق هذا التأسيس عقد ندوتين موسعتين الأولى بعنوان: (الحوار حول الأدب الإسلامي) وعقدت في رحاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في شهر رجب 1402هـ (مايو 1982م)، والثانية: بعنوان: (الأدب الإسلامي) وعقدت بعد تأسيس الرابطة بخمسة أشهر في رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في شهر رجب 1405هـ (أبريل 1985م) ثم عقد مؤتمر عام في جامعة ندوة العلماء بلكنو في الهند في ربيع الآخر 1406هـ (يناير 1986م). وما تزال الرابطة إلى اليوم تعقد اجتماعاتها وندواتها ومؤتمراتها المنظمة. وهي اجتماعات ضرورية للترويج لمفهوم: (الأدب الإسلامي) ونشره في العالم الإسلامي.
وتهدف الرابطة كما جاء في كتيب التعريف بها، وفي موقها على الإنترنت من بين ما تهدف إلى: تأصيل الأدب الإسلامي وإبراز سماته في القديم والحديث، وإرساء قواعد النقد الأدبي الإسلامي، وصياغة نظرية متكاملة للأدب الإسلامي، ووضع مناهج إسلامية للفنون الأدبية الحديثة، وإعادة كتابة تاريخ الأدب الإسلامي في آداب الشعوب الإسلامية، وغيرها من الأهداف، التي هي بالأحرى أهداف نبيلة، وعزيزة علينا بوصفنا مسلمين نحتاج لأفق أكبر في هذا العالم.
وقد وضعت رابطة الأدب الإسلامي العالمية 16 شرطا لتحقيق أهدافها وأعمالها واختيار أعضائها، ويمكن إجمال أبرز هذه الشروط كالتالي:
الأدب الإسلامي هو: (التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون وفق التصور الإسلامي)، وهو (ريادة للأمة، مسؤولية أمام الله عز وجل).
الأدب الإسلامي: أدب ملتزم، والتزام الأديب فيه التزام عفوي نابع من التزامه بالعقيدة الإسلامية، ورسالته جزء من رسالة الإسلام العظيم، وهو (طريق من طرق بناء الإنسان الصالح والمجتمع الصالح، وأداة من أدوات الدعوة) وهو (مسؤول عن الإسهام في إنقاذ الأمة الإسلامية من محنتها المعاصرة).
الأدب الإسلامي: هو (أدب الشعوب الإسلامية على اختلاف أجناسها ولغاتها) وهو (يقدم التصور الإسلامي للإنسان والحياة والكون أصولا لنظرية متكاملة في الأدب والنقد، وملامح هذه النظرية
موجودة في النتاج الأدبي الإسلامي الممتد عبر القرون المتوالية).
يرفض الأدب الإسلامي أية محاولة لقطع الصلة بين الأدب القديم والأدب الحديث بدعوى التطور أو الحداثة أو المعاصرة، ويرى أن الحديث مرتبط بجذوره القديمة، ويرفض النظريات والمذاهب الأدبية المنحرفة، والأدب العربي المزور، والنقد الأدبي المبني على المجاملة المشبوهة، أو الحقد الشخصي) وهو (يفتح صدره للفنون الأدبية الحديثة).
اللغة العربية الفصحى: هي اللغة الأولى للأدب الإسلامي الذي يرفض العامية ويحارب العودة إليها.
هذه هي أبرز الأهداف والمبادئ التي تدعو إليها رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وهي أهداف تواءمت عند صدورها مع واقع العالم الإسلامي آنذاك وبروز مفهوم (الصحوة) وظهور الثورة الإسلامية الإيرانية، والجهاد في أفغانستان واغتيال السادات، وانتشار التنظيمات الأصولية المسلحة، وما تبع ذلك من أحداث مأساوية في بلدان إسلامية مختلفة في مصر وإندونيسيا والبوسنة والهرسك والشيشان والجزائر وفلسطين والعراق.. وبعد مرور عشرين عاما على تأسيسها.. يحق للمرء أن يتساءل هل تحققت هذه الأهداف والمبادئ، وكيف تم تحقيقها، وهل أنقذت الرابطة الأمة الإسلامية من محنتها المعاصرة، أم زادت المحن وتكسرت النصال على النصال، ووقعت شعوبنا العربية والإسلامية تحت الاحتلال؟؟!
2
بعد مرور عشرين عاما على التأسيس لم تصل الرابطة إلى تحديد مفهوم للأدب الإسلامي، حيث عقدت العام الماضي ندوة بالقاهرة تحت عنوان (تقريب المفاهيم عن الأدب الإسلامي) معنى ذلك أن المفهوم لم يستقر بعد،
وهذا أول أمر يصيب منهج الرابطة بالخلل، والشك في سلامة المفهوم نفسه. فما زالت الرابطة تسعى لتقريب المفاهيم. وتطرح الرابطة مقولة: (وفق التصور الإسلامي) وهذه العبارة فضفاضة، فهناك تصورات كثيرة للأمور الأدبية والفنية، وبالتالي من الممكن أن يندرج تحتها جميع ما ينتج تحت فضاء الثقافة الإسلامية، فالأئمة الأربعة اجتهدوا تحت أفق التصور الإسلامي، والفرق الإسلامية، والجمعيات والأحزاب، والمفسرون،
والفنون، والأدباء والشعراء كلهم مجتهدون تحت أفق (التصور الإسلامي).
إننا حين نناقش هذه الأهداف والمبادئ، يمكن أن نقف عند جملة من المحددات:
أولا: مشكلة المفهوم.
ثانيا: الالتزام.
ثالثا: النظرية.
رابعا: القديم والحديث.
خامسا: الموقف من التيارات الأخرى.
هذه المحددات وغيرها، تمثل إشكاليات عالقة في تبيان مفهوم: (الأدب الإسلامي) ويطول النقاش حولها كثيرا لو أمعنا في مساءلتها. بيد أنه يمكن القول بإيجاز إن الإبداع الأدبي لا يتأتى وفق شروط مسبقة، وأن الالتزام يجعل من المبدع مسجونا في قفص (الشرط) وبالتالي لن يتسنى له التعبير بحرية، وسيقف موقف المداهن من قضايا كثيرة، أما حشر آداب الشعوب الإسلامية في هذا المفهوم، فهو أمر غير منهجي على الإطلاق، فلكل أدب تفاصيله ومرئياته الخاصة، بل إن تصورات كل أدب إسلامي فيما يتعلق مثلا بالعالم الآخر تختلف تبعا للثقافة والبيئة والجنس، فالمسلم العربي مثلا يتصور تصورات تختلف عن الهندي أو التركي أو الأوروبي أو المكسيكي. والأدب الإسلامي لم يحدد هذه التصورات التي تنعكس بشكل أو بآخر على قيم كل أدب إسلامي. أما القديم والحديث، فلابد من وضع منهجية تحدد ذلك، فلابد من وجود قديم وحديث، فالشعر العربي قبل الإسلام (ما يسمى خطأ بالشعر الجاهلي) غيره بعد الإسلام وهو اليوم غيره منذ 100 عام، تعددت الأشكال والرؤى والمواقف، ثم إن النتاج الأدبي الإسلامي عبر القرون المتوالية لم يكن بريئا تماما من التأثر بالثقافة الفارسية واليونانية والرومانية بوجه عام، كان علماؤنا القدامى مثلاً أفضل من شرح نظريات أرسطو، وكان نقاد القرن الرابع الهجري أكثر
من تأثروا بالثقافة اليونانية. وبالتالي لا توجد نظرية نقدية عربية إسلامية خالصة، بل إنها تتعزز بالروافد الكثيرة، وما نراه اليوم من نظريات منهجية غربية هو نتاج للتلاقح الثقافي الإنساني. نحن لم نقرأ شعرنا القديم بشكل جدي وجديد إلا من خلال هذا التأثر، وظهور البنيوية والأسلوبية والتفكيك مثلا جعلنا نعيد قراءة موروثنا الثقافي بشيء من العمق والفحص المنهجي السليم، وإلا ما ابتكرنا تارة أخرى، الآمدي، والجرجاني، وحازم القرطاجني، وابن خلدون مثلا، وما اكتشفنا نظرية النظم، أو الإسهامات البلاغية والأسلوبية في كتب إعجاز القرآن، وكتب البيان العربي.
أما الأدب العربي الحديث فلا يوجد فيه أدب مزور، أو منحرف.. إنها إبداعات تحمل قيم عصرها، وتحولاته المتعددة، في زمن يواجه فيه الإنسان مأزقه الكبير في عصر الاتصال والأحداث والتحولات الكبرى التي جعلت منه مجرد رقم يصارع أفق الحياة والموت.
3
ومع إيماننا بالقيمة الفكرية العظيمة للمجاهد والعلامة الإسلامي الكبير أبي الحسن الندوي والتي عرفناها من خلال حياته الحافلة بالعطاء والتآليف وفيها ما شهده الجميع في كتابه الذائع(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) فإن القائمين على مصطلح (الأدب الإسلامي) وأنا أتحدث هنا من وجهة فنية صرفة لا من وجهة دينية فكلنا مسلمون ولله الحمد يعولون في البدء على ما طرحه الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله عن الأدب الإسلامي نظريا، ثم على ريادته في تأسيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وهذا الجانب النظري يتمثل في كتابات صاغها الندوي رحمه الله وصدرت في كتاب له بعنوان: (نظرات في الأدب) هذا الكتاب يتضمن آراء عن الأدب العربي، تنطوي على نقد بيّن للشعر العربي، كما أن الندوي رحمه الله يحدد للعرب كيف يعبرون شعريا وأدبيا.. ومع احترامي لكل تشريعات العالم ونواميسه، أرفض رفضا قاطعا أن يحدد لي رجل غير عربي مهما كانت وضعيته كيف أكتب في لغتي العربية؟ وماذا أكتب؟ وأرفض أن يتدخل في قوانيني البلاغية العربية واتجاهات قصائدي بإيقاعاتها وأشكالها ودلالاتها. ليس ذلك من باب العنصرية بالضرورة (فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)، ولكن من باب الإحساس باللغة والولادة والنشأة والتربية في ديار العرب أو ما يسميه العرب ب(الطبع) و(السليقة) اللغوية.
إن مصطلح الأدب الإسلامي، نشأ
في شبه القارة الهندية، وانتشر ما يسمى «بالأدب الإسلامي» هناك، عبر مقاومة التمييز ومواجهة السيخ والبوذيين وغير المسلمين، من جهة وعبر مقاومة الاستعمار الإنجليزي من جهة أخرى، أي أن النشأة غريبة تماما عن الأدب العربي والثقافة العربية، ومؤسس المصطلح والداعي له هو الشيخ الفاضل(أبو الحسن الندوي غفر الله له لكنه يكره الشعر العربي وينظر إليه نظرة دونية، وهذه بعض آرائه عن الأدب العربي ضمنها كتابه المعنون ب(نظرات في الأدب) الذي قدم له د. عبدالباسط بدر، والصادر عن دار البشير، عمان، الأردن الطبعة الأولى 1990م:
(إن العالم العربي والحمد لله غني بكبار العلماء، غني بالمفكرين، غني بالمؤلفين، غني بالجامعات، غني بالمكتبات، ولكنه لم يرزق شاعرا عبقريا مثل إقبال) ص112
لقد كان شوقي أمير الشعراء في عصره ومصره، وله مواقف إسلامية ونغمة إيمانية في الشعر العربي الحديث، ويليه حافظ إبراهيم، ولكنه ما جاء على أفق العالم العربي من المغرب إلى الشرق من يقوم مقام محمد إقبال، فيقول الشعر الإسلامي القوي البليغ، المثير الذي يحرك أوتار القلب، ويكهرب الجو ويتغلغل في أحشاء المجتمع العربي الإسلامي وفي أحشاء الأدب العربي) ص112
إن عدم تقدم الشعر في العالم العربي كما تقدم النثر والكتابة،.. موضع يجب أن يركز عليه الباحثون في الأدب والنقد وتاريخ الأدب في البلاد العربية، ويبحثوا عن الأسباب الداعية إلى ذلك ص.ص 112113
ويحدد الشيخ الندوي رحمه الله موقفه من الأدب العربي، في هذه النماذج المقتطفة من كتابه السابق:
أصيب الأدب العربي بمحنة تصيب كل أدب.. هذه المحنة هي: تسلط أصحاب التصنع والتكلف على الأدب الذين يتخذونه حرفة وصناعة، ويتنافسون في تنميقه وتحبيره ليثبتوا براعتهم وتفوقهم) (وقد يطول هذا الأمر ويستفحل، حتى يصبح الأدب مقصورا عليهم ومختصا بهم) ص21
(ويطغى هذا الأدب الصناعي التقليدي على كل ما يؤثر عن هذه الأمة) ص22، وهو ينادي باعتماد ما يسميه ب(الأدب الطبيعي) في تراثنا العربي، فما هو الأدب الطبيعي عنده؟ إنه (ما جاء في بحث ديني، أو كتاب علمي، أو موضوع فلسفي أو اجتماعي، فبقي مطمورا مغمورا في الأدب الديني، أو الكتب العلمية، ولم يشأ الأدب الصناعي بكبريائه أن يفسح له في مجلسه، ولم ينتبه له مؤرخو الأدب لضيق تفكيرهم وقصور نظرهم فينوهوا به ويعطوه مكانه الائق به).
إنه كلام خطير جدا يقوله الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله عن تراثنا العربي المجيد، فهو يريد أن نمحو كل ما يتعلق بشعرائنا وأدبائنا المشهورين من امرئ القيس حتى المتنبي.. ونعتمد هذه الكتابات والنتف الصغيرة التي تأتي عفو الخاطر باعتبارها أدبا طبيعيا على حد قوله مبثوثة في بطن الكتب العلمية، وهي كما يعرف الجميع أن أغلبها مجرد منظومات علمية لا علاقة لها بالفن ولا بالأدب يذكرها
المؤلفون تعضيدا لكتاباتهم النثرية.. وهذه النتف المنظومة أو غير المنظومة يراها الندوي من الأدب الطبيعي و(هو الأدب الذي تجلت فيه عبقرية اللغة العربية وأسرارها وبراعة أهل اللغة ولباقتهم، وهو مدرسة الأدب الأصيلة الأولى). وهذه النتف هي: (رياض خضراء في صحراء العربية القاحلة التي تمتد من عصر ابن العميد إلى عصر القاضي الفاضل إلى أن جاء ابن خلدون) ص30
ويرى الشيخ أبو الحسن الندوي غفر الله له أن كتب السيرة والحديث النبوي (تسد هذا الفراغ الواقع في تاريخ الأدب العربي). ص23 لكن هل كان يقصد بها أن تكون أدبية، أي مجازية وخيالية؟
ويحتفي الشيخ الندوي بكتابات المتصوفة كالحسن البصري وابن السماك وابن عربي، وهو ما يتناقض مع المنهج السلفي الذي ينظر لهؤلاء بعين الشك والريبة.
(إن هذه القطع والنصوص منثورة في كتب الحديث والسيرة والتاريخ وكتب الطبقات والتراجم والرحلات، وفي الكتب التي ألفت في الإصلاح والدين والأخلاق والاجتماع وفي بحوث علمية ودينية وفي كتب الوعظ والتصوف). ص34
ولا تحتاج هذه النماذج إلى تعليق!! لكن أود ذكر هذا الحديث الشريف الذي يروى عن الرسول الكريم ژ: (أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي).
4
نصل الآن إلى سؤال جوهري: هل مصطلح الأدب الإسلامي جامع مانع، كما تتطلب الشروط المنهجية لأي مصطلح، وهل هو اتجاه أدبي أم تيار فني، وإذا كان كذلك هل مر على تاريخ الأدب تيار يضم أدباء من اليسار كما أشار لذلك معجم الأدب الإسلاميين (تأليف: أحمد الجدع) مثل: حسن فتح الباب، وأبي القاسم سعد الله، ويضم إرهابيين مثل: شكري مصطفى زعيم جماعة التكفير والهجرة التي اختطفت في العام 1977م الشيخ الذهبي وزير الأوقاف المصري في عهد السادات وقامت بقتله، وما الفارق بين المصطلح وبين الأدب الديني؟
ثم هل يحول المصطلح الإبداع إلى مجرد أناشيد وخطب ومواعظ وحكم؟
وما الفارق إذن من وجهة أيديولوجية بينه وبين أدب الالتزام الذي ساد في فترات الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين ولم يستسغه الفن؟ ثم هل احتكار المصطلح يجعل من يكتبون الأدب الإسلامي هم المسلمون، وباقي المبدعين غير مسلمين؟إلا كل إبداعنا على الأقل العربي بكل صوره وأشكاله واتجاهاته ينطلق من ثقافتنا الإسلامية؟ ثم لماذا هذه التفرقة بين أدباء الأمة وتكفيرهم بشكل ضمني؟!
إن جمال الإبداع الأدبي وروعته في تخييله وتجريبه، لا في كتابته من منطلق مدرسة تعاونية إنشائية تجعل من الموضوع الأدبي موضوعاً مدرسياً إنشائياً وتحدد له مسبقاً كمسابقات المبتدئين الأدبية شروط الكتابة ومجالاتها، مما يحد من طاقات
الخيال المبدع، ويجعل النصوص الأدبية مجرد نصوص مستنسخة، مختومة بإكليشية توصيات رابطة الأدب الإسلامي!!
إن الأدب الإسلامي في منزعه هذا إنما يحرم نفسه من عدة أمور:
أولها: الرؤية الناقدة للواقع وللإنسان وللعالم بوجه عام، بمعنى أن الأدب الإسلامي بوصاياه وأيديولوجيته يقع في نوع من المداهنة والرياء الشعري، إذا يقف عند حدود (المثالي) ولا يتخطى ذلك إلى نقد الواقع ذاته.
ثانيها: التجريب الإبداعي الذي يعطي مساحات أكبر للتجربة الإبداعية، ويجعل الخيال محلقاً في أجواء تعضد سيرة الإبداع المستقبلية، ولا تجعله يقف عند حدود الوعظ والحكمة.
ثالثها: تطور الأشكال الأدبية، إذ يصبح المنتمي إلى الأدب الإسلامي واقفا (محلك سر) ضمن دائرة إجبارية شكلية، إذ يبقى أسير النزعة التقليدية بكتابة القصيدة العمودية سابقة التجهيز، أو حتى بالكتابة ضمن قصيدة التفعيلة والشعر الحر المتأثر أصلا بمصادر غربية، ولنقل ذلك عما يسمى بالرواية الإسلامية، أو القصة الإسلامية.. وأدب الصحوة.
رابعها: التميز الأسلوبي بين كل أديب وآخر، فالكتابة ضمن شروط محددة مسبقة تجعل الإبداع وظيفيا، وبالتالي يفقد توهجه، ويفقد كل أديب تميزه وفرادته وشخصيته، ونسيجه، حيث يعمل موظفا مؤدلجا بعقد أبدي مع رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
خامسها: الاستفادة من إمكانات الإبداع الإنساني الأخرى، خاصة الإبداع الغربي وأدب أمريكا اللاتينية عبر المثاقفة الإبداعية، فهذا الإبداع يوضع ضمن شروط ذهنية (التحريم والتحليل) وبالتالي يتلاشى دور التأثير والتاثر، وتختفي قيم الآخر ولا يمكن تفهمها أو التواصل معها، وبالتالي يفقد الأديب دوره الرسالي الإنساني، وتصبح (عالمية) الأدب الإسلامي مقصورة على الداخل الإسلامي المتعدد المتباين في ثقافاته الهندية، والتركية، والفارسية، والشرقية، والعربية، وتتساوى ثقافتنا العربية كأسنان المشط مع ثقافات أخرى ربما تكون أقل شأنها منها بكثير.
سادسها: رصد تحولات الواقع اجتماعيا وفكريا وسياسيا واقتصاديا، حيث يصبح المنتمي للأدب الإسلامي بعيدا تماما عن هذه التحولات داخليا وخارجيا، هذه التحولات التي هي بالضرورة صورة لتحولات الإنسان والعالم.
سابعها: الحضور ضمن حركة التطور الإبداعي المزدهرة المحلية والعالمية. إن حرمان الأدب الإسلامي من هذه الأمور وغيابها عن استراتجيته يجعله أدبا من الدرجة الثالثة، يضم سقط متاع الأدباء، حيث ياتي آبار الإبداع بعد أن يكون قد هجرها ورادها وروادها، وبعد أن تكون قد جفت ينابيعها، فلا تجديد، ولا ابتكار بل تقليد واستنساخ يتكرر من كاتب لكاتب ومن شاعر
لشاعر.
ومن أغرب الدعاوى التي يطلقها المنتمون للأدب الإسلامي ما أسماه د. حسن الوراكلي في إحدى ندوات الجنادرية الثقافية ب(قصيدة التفعيلة الإسلامية) حيث قام بتأمين قصيدة التفعيلة التي هي نتاج عربي حداثي بمؤثرات غربية لصالح هذا التيار، وبالتالي هو لا يرى غضاضة في اقتباس أو استعارة النموذج الحداثي العربي الغربي, وبالتالي يمكن أن يتطور الأمر إلى استعارة أشكال أخرى فنقول: قصيدة النثر الإسلامية، والقصة القصيدة الإسلامية، والهياكو الإسلامي، والسوناتا الإسلامية، والإبيجراما الإسلامية.. إلخ.
ومن الدعاوى القريبة الغريبة أيضا ما أطلقه د. عبدالله العريني حول روايتين له هما: (دفء الليالي الشاتية) و(مهما غلا الثمن) صدرتا مؤخرا حيث أدرجهما في سلسلة (الأدب الروائي الإسلامي) وهما روايتان تفتقران لبديهيات الشروط الروائية الفنية سواء التقليدية أو الحدييثة.
ومن المعروف أن أغلب هذه الأنواع الأدبية تجلت لدينا بفعل التاثير الغربي الأوروبي والأمريكي بتقنياتها وأشكالها، وبتقسيمها الفني خاصة في الرواية والقصة القصيرة، فكيف ينظر المنتمي للأدب الإسلامي إلى الغرب؟ لماذا لا ينتج هو أشكالا أخرى مغايرة؟ ولماذا يستعير هذه الأشكال والنماذج من ديار الكفر؟
إن احتكار مفردة (الإسلامي) لصالح تيار أدبي دون التيارات الأخرى ينجم عنه ثلاثة أمور:
التفريق بين أبناء الأمة الإسلامية، باعتبار أن هذا أديب إسلامي، وذاك غير إسلامي، وهذا أمر مخالف للشريعة السمحة ولديننا الإسلامي الحنيف.
التكفير الضمني أو الإقصاء للكتاب الآخرين المنتمين لتيارات أدبية أخرى.
تعطيل قيم الاجتهاد الإسلامي، بالبقاء ضمن شروط وضعها (رواد) الأدب الإسلامي، ولم تضعها الشريعة، وهذا أمر ينافي فكرة أن ديننا الحنيف صالح لكل زمان ومكان، وأنه دين عالمي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
منابر
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved