الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 25th October,2004 العدد : 82

الأثنين 11 ,رمضان 1425

هؤلاء مرُّوا على جسر التنهدات
إعصار.. تكساس!!
«12»
بقلم/علوي طه الصافي

عالم مهيب، طويل القامة، يسير بهدوء، ويتحدث بتأن، وهو في حديثه لا يقول كلاماً من فراغ ليصب في فراغ، يقول علماً في حقل اختصاصه، وبخلفية تاريخية، لإدراكه أن العلم هو في أساسه ونشأته يقوم صرحه وتطوره على مراحل تاريخية حضارية تشترك فيها الإنسانية منذ نشأتها، مروراً بحاضرها، واستشرافاً لمستقبلها.
فهو يرى أنه ليس من حق أي جماعة إنسانية مهما بلغت من الرقي والتطور والتقدم الادعاء بأنها صاحبة الفضل الأول والأخير في أي حقل من حقول العلم والاكتشافات والمعرفة الإنسانية على كل مستوياتها.
الحضارات الإنسانية عنده ليست صراعاً كما يقول بعض المتفلسفين، وباعة الكلام المجاني الذين يقيمون فلسفاتهم على أرض هشة، وأفكار رومانسية تعتمد على الخيال والتخيل البعيدين كل البعد عن الحقائق المسنودة بالعلم، والرؤية العلمية التجريبية، لا بالرؤيا (الميتافيزيقية)!!
وإنما الحضارات هي إرث تاريخي متراكم معرفيا تتقاسمه كل البشرية، كل الشعوب، كل الأمم، وتركة عامة تشترك فيها البشرية، على اختلاف شعوبها وأممها، ولغاتها وألوانها وأعراقها ومواقعها الجغرافية، و(الديموغرافية) على سطح الكرة الأرضية.
وهو يشجب الحروب بكل أنواعها لأنها ليست نتاجاً حضارياً إنسانيا، وإنما هي وليدة نزعات نفسية مريضة، بينما الحضارات الراقية ترتكز على الرفع من مستوى الإنسان والإنسانية ضد كل الأمراض، وهو يرفض بعقلانية أن تحصد ملايين الأرواح في حروب ضروس لا تبقي ولا تذر، وتأكل الأخضر واليابس، وتهدم منازل فيجوع ويعرى عشرات الملايين منها بسبب الجفاف، وبخاصة في دول العالم الثالث كما يسمونه، أو النامي، وأخيراً الجنوب، بعد أن كان يسمى العالم المتخلف. لقد كثرت مسميات هذا العالم المرزوء بالكوارث المنكوب بالأمراض والمجاعات، مثله كمثل القط الذي ما أكثر أسمائه، وما أقل شأنه بنفسه كما ورد في المثل العربي!!
وهو رغم وقاره، وهدوئه حيث يبلغ السبعين من عمره حين قابلته وتعرفت عليه في فندق (انتركونتننتال) بالرياض في منتصف عام 1399هـ الموافق منتصف عام 1979م بمناسبة زيارته إلى المملكة حيث اجرى عمليتين جراحيتين ناجحتين لحالتين من حالات أمراض القلب في مستشفى (الملك فيصل التخصصي) بالرياض، يرافقة فريق من الاختصاصيين من تلامذته في جراحة أمراض القلب المفتوح، وهذا يعني أن معرفتي ولقائي الشخصي به، والمكوث معه لا يتعدى أربع ساعات بواسطة مترجمه الخاص في الوقت الذي كان يعد نفسه للعودة إلى بلاده، وقد مر عليه ما يقارب 26 عاما، أي أنه الآن في السادسة والتسعين من عمره، إذا ما ظل حياً على قيد الحياة، يعيش ويُرزق، وربما يعمل!! وشكله مع اسوداد شعره لا يدلان على السن التي بلغها، رغم انه يضع على عينيه نظارة سميكة!!
قلت رغم وقاره وهدوئه فإن زملاءه من الاطباء العاملين معه في غرفة العمليات في (هيوستن) بالولايات المتحدة الأميركية، والذين يعملون جادين للحاق به أثناء العملية لسرعته الفائقة في العمل أطلقوا عليه لقب (إعصار تكساس)، أو (ملك الجراحين)، فقد أجرى إلى يوم لقائنا به أكثر من (50000) خمسين ألف عملية، وهو يُعَدُّ (رائد جراحة القلب المفتوح في العالم)، ورغم تقدم عمره يعمل بمعدل (20) ساعة في اليوم!!
قبل أن نبدأ حوارنا الذي عرَّجنا فيه على كثير من المسائل التي تدخلنا في إطار دائرة اختصاصه في جراحة القلب المفتوح، قبل ذلك نرى لزاماً علينا التعرف على مسيرته الحياتية والعلمية في النقاط التالية:
* اسمه: البروفسور الدكتور (مايكل دبغي).
* ولد في بلدة (ليك تشارلز) الصغيرة في (لويزيانا) جنوبي الولايات المتحدة الأميريكية بتاريخ 7 أيلول 1908م، من أبوين لبنانيين من بلدة (جديدة مرجعيون) جنوبي لبنان.
* تخرج في جامعة (تولين) في (نيو أورليانز لويزيانا)، بكالوريوس علوم عام 1930م، وشهادة الطب عام 1932م، وماجستير في العلوم عام 1935م.
* ذهب إلى أوروبا حيث درس لمدة عام واحد في جامعة (ستراسبورع) في فرنسا، وأربعة أعوام في جامعة (هامبورغ) في ألمانيا حيث تخصص في الجراحة الوعائية (جراحة الأوعية الدموية)، ثم عاد إلى أميريكا.
* خدم في الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية برتبة (كولونيل)، وبعد انتهاء الحرب عاد إلى الجامعة في مدينة (هيوستون).
* يعمل رئيساً لكلية الطب في (بيلر) هيوستون، ورئيساً للقسم الجراحي فيها، ومديراً لمركز التدريب والبحوث القلبية الوعائية في مستشفى (مثوديست).
* كان والده (شاكر دبغي) قد هاجر في بداية حياته من وطنه لبنان ليستقر في(ليك تشارلز) بأميريكا.
* كتب مئات المقالات الطبية، نشرتها الصحف العالمية، وله عشرات المؤلفات المطبوعة كان آخرها أيام لقائنا به (القلب الحي).
* ينتسب إلى عدد كبير من الجمعيات الطبية.
* حاز على مجموعة ضخمة من الأوسمة، والميداليات، والجوائز العالمية.
* عمل مديراً للجنة الحكومية الأميريكية التي أوصت بإنشاء مراكز طبية إقليمية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتبنَّى هذه التوصيات (الكونجرس الأميريكي) ووافق عليها رئيس الجمهورية، وهي تعمل على أحسن وجه.
وهذا هو نص الحوار الذي أجريناه مع البروفسور الدكتور (مايكل دبغي) الذي منحنا جزءاً طيباً، وكريماً من وقته وتفكيره الثمينين:
* بدأنا حوارنا معه بطلب الحديث عن العمليتين الجراحيتين اللتين أجراهما في مستشفى (الملك فيصل التخصصي) بالرياض، وهما عمليتان مختلفتان فقال لنا:
إحدى العمليتين اللتين أجريتهما كانت لفتاة عمرها (15) عاما، إن استمرار الاتصال بين الشريان الرئوي الذي ينقل الدم إلى الرئتين، وبين الشريان الأبهر الذي ينقل الدم إلى الجسم، يحدث هذا خلال الحياة (الجنينية) أن يسلك الدم مجرى جانبياً متجاوزاً الرئتين، لأنه يكون قد تأكسج (أصبح نقياً بالأكسجين) في المشيمة (الخلاص في غضون الحمل)، هذا المجرى الجانبي بالذات هو المعروف باسم (القناة الشريانية)، وبُعيد الولادة، أي عند ما يبدأ المولود الجديد بالتنفس، وبعد أن يكون قد استغنى عن المشيمة لتنقية الدم بالأكسجين ينسد هذا المجرى الجانبي، أو هذه القناة تلقائياً.
أما إذا لم يحدث ذلك فإنها تبقى مفتوحة، وتؤدي إلى دخول الدم النقي من الشريان الأبهر إلى الشريان الرئوي، وهذا معناه أن الدم الذي يكون قد مر لتوه من خلال الرئتين سيعيد الكرة من جديد.
وفي هذه الحالة فإن الرئة والقلب يعملان فوق طاقتهما (القلب يضخ بمقدار أكثر، ودخول الدم إلى الرئة للتصفية بكمية أكبر)، والعمل الجراحي الذي قمت به هو ربط وقطع هذه القناة الشريانية.
أما الحالة الثانية: إذ من المعروف أن صمام الشريان الرئوي هو الصمام الذي يفصل بين البطين الأيمن والشريان الرئوي الذي ينقل الدم إلى الرئتين، ووظيفة هذا الصمام هي أنه حالما يضخ القلب الدم إلى الشريان الرئوي، يحول الصمام دون رجوع الدم ثانية إلى البطين الأيمن. ويحدث انه لانسداد جزئي في الصمام الرئوي فإنه لا ينفتح بما فيه الكفاية، الأمر الذي يرتِّب عبئاً إضافياً مرهقاً على القلب في دفع الدم إلى الرئتين، والنتيجة الاخفاق ما لم يتم إصلاح الوضع.
والعملية الجراحية التي أجريتها في الرياض هي لطفل في الخامسة من عمره، استغرقت ساعتين، تم فيها إيصال الطفل بالجهاز القلبي الرئوي الصناعي الذي يقوم بوظيفتي القلب والرئة خلال فترة الجراحة، ثم كشف الصمام وفتحه جراحياً، وبعد ذلك تم فصل الجهاز القلبي الرئوي بعد الاستغناء عنه، وعاد القلب لعمله الطبيعي دون مشقة!!
* سألته عن شعوره قبل دخوله غرفة عملية الجراحة، وبخاصة في الحالات التي تشكِّل فيها العملية التي سيجريها خطورة على حياة المريض، مع ضآلة نسبة نجاح العملية؟
أجاب بأنه يحس بشعور خاص، وربما كانت عبارة (إن شاء الله) نطقها بالعربية هي شعاري في مثل هذه الحالات، وفي كل الحالات، أي أنني أعتمد على الله، وأصلي له طالباً أن يوفقني في القيام بأي عملية أقوم بها بالنجاح، وبمعنى آخر فإنني استسلم لمشيئة الله.
* وحين سألته عن عدد العمليات الجراحية للقلب التي أجراها، والانجازات التي يعتز بتحقيقها أجاب:
بالنسبة لجراحة القلب المفتوح فقد بدأت عام 1953م، ولا يمكنني إعطاء جواب محدد حول عدد عمليات القلب المفتوح بعامة، أما عدد ما أجريت شخصياً من العمليات الجراحية ككل بخاصة فيزيد على (50.000) خمسين ألف عملية.
أما الإنجازات فينطبق في الواقع على الإنجازات التي وفقتُ فيها في بداية عملي الطبي، وفي فترة معينة من الزمن، وقد كنتُ سعيداً ومحظوظاً حقاً، إذ تمكنتُ من تحقيق أو تطوير أكثر من عشرة أنواع من الإنجازات، أو الوسائل الطبية المختلفة.


ص. ب (7967) الرياض (11473)
alawi@alsafi.com
يتبع

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
منابر
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved