الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th January,2004 العدد : 45

الأثنين 4 ,ذو الحجة 1424

البحر في التراث العربي
العريني : البحر لا يخدل سائله .. ولذا لجأ إليه الشعراء

* الثقافية:
يزخر التراث العربي بذكر مفردة «البحر» ومترادفاتها في نصوصه الإبداعية شعراً ونثراً وكان الشعراء يستعيرون تلك المفردة لإثراء قصائدهم بالمعاني والأخيلة الجميلة وقد التقت (المجلة الثقافية) بالدكتور عبدالله العريني أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الذي أوضح لنا أن الشاعر كان يلجأ إلى «البحر» ليعمق معانيه ويمد أخيلته إلى الامتداد «اللانهائي» وقال: (البحر) هذا الوجود الحي الذي يشغل الحجم الأكبر من هذه الأرض كان يمثل أفقاً واسعاً في خيال الأديب والشاعر العربي بخاصة الذي يتمثل وجوده في مخيلته الإبداعية، ويسبق إليه خياله كلما رأى ما يتصل إليه بسبب.
كان الجود والكرم من الخصال في طبيعة العربي الأصيل الذي يعطي بلا منّ ويعطي عطاء سخياً واسعاً فلا يجد الشاعر خيراً من تشبيه الكريم بالبحر. وهو يعلم حق العلم ما يعنيه البحر من السعة والامتداد اللانهائي، ومن الخير الوفير الذي يمنحه لكل من سعى إليه من الصيادين الذين يأخذون منه لحماً طرياً هو عماد حياتهم وحياة المجتمعات التي تعيش على سواحل البحار وكذلك الغواصون الذين يستخرجون منه اللؤلؤ والمرجان ومع وفرة الرزق والخير المستكن في أعماق البحر فإنه لايخذل سائله وكذلك الرجل الكريم فإنه يفيض على الذين يطلبون رفده وعطاءه، حتى أصبح تشبيه الكريم بالبحر أمراً كثير الورود في أشعار العرب وإن كان كل واحد يتغنى بطريقته في عرض وجه الشبه بين الممدوح وبين البحر فأبو تمام يلحظ أن الكريم يشبه البحر في أن الخير فيه شامل عام كما أن البحر في ساحله وأعماقه يمثل الكرم المثالي فيقول:
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والجود ساحله
والمتنبي يعرض تلك المشابهة بين الرجل الكريم وبين البحر في صورة الشَّاك المتردد وهو في ذلك يفضل الأسلوب العربي في إبراز المبالغة في معرض التساؤل المحيّر فيقول عن رسول ملك الروم:
واقبل يمشي في البساط فيما درى
إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي
والعجيب أن المتنبي نفسه يشير في بيت من أبياته الشعرية إلى الظاهرة العلمية بتكثف بخار الماء من سطح البحر وتصاعده إلى طبقات الجو العليا حتى يبرد ثم يعود مرة أخرى في صورة المطر الذي قد ينزل على البحر الذي خرج منه، ولذا فإن الفضل للبحر لأن هذا المطر من مائه فيقول:
كالبحر يمطره السحاب وما له فضل عليه لأنه من مائه
وإذا كانت أدبيات بعض المدن الساحلية تكشف عن الوجه الآخر للبحر الذي يأخذ فيه الناس ثم يحتويهم في جوفه غير مبالٍ بالأحزان التي تنال أقرباءهم فإن الشاعر العربي القديم كما بدا لي لم يرصد إلا الوجه المشرق ولعله لم يعش مثل تلك التجارب المؤلمة فظلت صورة البحر رائعة جميلة يشبه بها أحب الناس إليه.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved