الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th January,2004 العدد : 45

الأثنين 4 ,ذو الحجة 1424

لعنة الحداثة..!
منصور الجهني
وقوفا بها صحبي علي مطيهم
يقولون لا تهلك أسى وتجلد
ما علاقة هذا البيت بما أود قوله هنا؟
ربما لا علاقة، سوى أن هذا الموضوع الذي أود الكتابة حوله، أصبح مستهلكاً، ويبعث على الملل، والعودة إليه في هذه المرحلة، تشبه الوقوف على الأطلال، وتستعيد تساؤل الجاهلي الآخر «هل غادر الشعراء من متردم؟»..ولكن هل يجوز أن نغادر أطلال الحداثة مثقلين بأسئلتنا التي لم تنته بعد، والتي لم نجد للكثير منها جواباً شافياً رغم غزارة ما أريق من حبر.. يوازي وربما يفوق كل ما أريق من دم في كل حروبنا الخاسرة بدءا من البسوس الأولى، وحتى الأخيرة التي لم تبدأ بعد.. ما جدوى أن نعود إلى حوار الطرشان، وأن نستعيد ما كان من جدل عقيم، وما جدوى أن نطارد طواحين الهواء، في صحرائنا التي لا توجد بها أصلا طواحين هواء.. لأنه لايوجد بها ماء.. إذن لنقل لماذا ندور حول الرحى.. بينما الآخرون يسيرون قدماً باتجاه رؤيتهم الواضحة، وأهدافهم المحددة.
كل ما كتبته هنا ربما لايصلح مدخلاً لما أود قوله، أو تحديداً ما أود طرحه من تساؤلات، تفرضها العديد من الوقائع والمشاهدات والممارسات التي نمر بها أو تمر بنا في حياتنا اليومية، والتي تبين مدى غياب الرؤية الواضحة في تعاطينا مع مفهوم الحداثة، وهو ما يشكل ربما أساس تلك المشكلة الوهمية، التي يصر البعض على النفخ في رمادها لإثارة مزيد من الغبار الذي يحجب الرؤية، ويغشي البصائر والأبصار، وبالتالي يشكل عائقاً أمام أي إمكانية للتقدم الحقيقي، أوحتى للتفكير المنطقي والعقلاني، ويجعلنا ندور في حلقة مفرغة من الجدل العقيم.
أن نختلف حول مفهوم غير واضح أو محدد، يعني أن اختلافنا في الرؤى والتصورات، وليس اختلافاً على مبادئ أو مواقف.. يعني أننا لانختلف في الجوهري أوالعميق، لكن ربما في طريقة التفكير أو.. زاوية النظر.. أن ترى شيئاً سيئا طبيعي أن ترفضه وتقف ضده، والعكس أيضاً صحيح، لو رأى الحداثيون الحداثة باعتبارها هدماً للقيم والمعتقدات، كما يصورها غالباً خصومهم، لأصبحوا أكثر رفضا ومحاربة لها منهم، ولو فهمها الرافضون لها كما يفهمها أو يتصورها أنصارها، لأصبحوا أكثر حماساً.
لماذا يصر البعض على أدلجة الحداثة، واختزالها ضمن هذا الجانب الضيق.. الذي يضعها في مواجهة الدين.. كما لو أنها عقيدة خاصة لها تعاليمها وطقوسها، أو كما لو أنها تختص بشعب أو أمة من الأمم، ولا يحق للآخرين من أبناء الأمم الأخرى التعاطي معها.. مع الاحتفاظ في نفس الوقت بعقيدتهم ودينهم؟.. بمعنى الحداثة تخرج من الدين والملة، وبالتالي يصبح مبرراً حتى لعن الحداثيين على المنابر مضافين إلى أعداء الدين من اليهود والنصارى وسواهم.. هذا ليس خيالاً ولكن أعتقد أن كثيرين مر عليهم مثل ذلك الموقف وسمعوا ذلك.. وهو ما كان دافع تلك الكتابة.. وإذا كنت أعتقد عدم جواز لعن المسلمين سواء كانوا حداثيين أو علمانيين أو غير ذلك من التسميات، فإنني أكتفي بالتساؤل فيما إذا كان يجوز لعن اليهود والنصارى بالمطلق، بينما نعرف أن فيهم من هو أشد حماسا ودفاعا عن كثير من قضايا العرب والمسلمين، من المسلمين أنفسهم، وخاصة أيضاً أن معظم الآيات التي تتحدث عنهم في القرآن الكريم يكون فيها استثناء. قد لايخدم الإسلام أن نظهره بهذه الصورة العدائية للآخر.. وهذه الصورة المنغلقة على الذات والرافضة للتحاور خاصة في تلك المرحلة التي يواجه فيها ما ومن تعلمون. ربما كانت الحداثة في جوهرها تدعو إلى استخدام العقل، والتفكير العقلاني، وأعتقد أن ذلك أيضاً من خصائص الإسلام، وبالتالي لايبدو مبرراً أو منطقيا رفض الحداثة، كفكرة باسم الإسلام، أو طرح الإسلام كنقيض أو ضد للحداثة.. وهو ما قد يشكل إساءة للإسلام الذي هو دين العقل والعلم والمنطق وكل الأشياء الجميلة.
لماذا يصور البعض الحداثة كما لو أنها بعبع مخيف، يجب إبعاده بكل الوسائل عن فضائنا، وعن ثقافتنا.. بينما هذا البعض هو الأكثر استفادة وتعاطياً واستهلاكاً لمعطيات الحداثة؟ قد لايتعلق الأمر بخلاف قيم أو مبادئ بقدر ما هو خلاف مصالح.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved