الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th January,2004 العدد : 45

الأثنين 4 ,ذو الحجة 1424

المتن والهامش
مقدمة في صفة الشعر (6/5 )
محمد العمري

وفكرة النفي إذن، أن تنفي اللغة ذاتها حال كونها في صفة التعاظل. إننا لن نكون هنا بإزاء لغة الدلالة ولا لغة المجاز، الهيكل البلاغي حين يتحول إلى لغة متعاظلة مرادف لصفة العقل الذي يتقمص غير صفته.
وفي الجهة المقابلة هناك تفاوت صفة بين مرتبة السياق الجمالي بما هو صفة لغة بشرط السند الجمالي وبين مرتبة الذائقة حين تكون في منزلة العقل العام، لأنها عند ذلك لا تعدو نطاق الاشتراك الذي ينظر إلى اللغة بصفتها الإجرائية ..، إن ما نسميه صفة إجرائية للغة إنما يعني فيما يعني تتأتىّ اللغة في سياقها الجمالي أو أنها لا تنفك عن نظام التلازم بين الدالّ والمدلول إلى نظام الاشتقاق الجمالي أو نظام المجاز، وإذا كانت المسألة هي هذه فإن القلة منبتَّة بين ذائقة بهذه الصفة وبين اللغة حال كونها في مرتبة التعالي الجمالي.. فما هي الصلة إذن بين ما نسميه إمكاناً لغوياً عاماً وإمكاناً لغوياً فرداً متعالياً؟ هل هنا مساحة تؤول بالنموذج الجمالي إلى فكرة التوفيق بين صفة فرادته وتأَتّيه عن سياق لغوي غير نافر أو غير متعالٍ؟؟ عن سياق عام على وجه التحديد؟ هكذا يمكن أن نتجاوز المشْكِل الجماهيري بوصفه أزمة ذائقة، غير أننا آيلون إلى الخلط بين الصفة الإجرائية للغة والصفة المجازية، حين يقع النص في شَرَك الغرض الشعري المحدد تنزاح الصفة المجازية حينئذٍ لصالح الإجرائية، هذا يعني فاعلية أكثر للعقل العام والإمكان المشترك في الوقت الذي لا ينحسر فيه النموذج عن فرادته وتعاليه على الإطلاق، أعني أنه يظل هناك شيء من تعالي الحس الجمالي بصورة ما، إنما المسألة الآن أن نُلحَّ على فكرة «الإمكان الفرد» أو«المتن الذهني اللغوي الفرد»، بمعنى أنه ليس في وسعنا الحديث عن تَأَتِّي اللغة في مرتبة من مراتب سياقها الجمالي حال تعذُّر ما نعدُّه شرطاً جمالياً، الآن، ربما نقول إن الصلة بين ما هو إمكان لغوي عام وما هو إمكان لغوي فرد، إنما تتنزل في اعتبار ترادفهما واعتبار أحدهما الذي هو العام جزءاً من الآخر الذي هو الإمكان اللغوي ذو الفرادة، ولا يصح أن نقول بانطواء العام على الفرد المتعالي.
إذا نحن عاودنا النظر في مسألة «لغة السياق الجمالي أو لغة المجاز أو لغة الشعر»، فإننا ربما نتفق على مفهوم الطيف الجمالي من حيث هو احتمال مطلق، أي أننا نقول بكون لغة الشعر مطلقاً غير ذي حدٍّ باعتبار الإمكان في مستوى الصورة الشعرية وفي مستوى الهيكل البلاغي، ليس باعتبار النموذج الجمالي الماثل الذي آل إلى حده اللغوي، ربما هو من الموافقات أن أَقَع على إشارة إلى هذه المسألة في «عيار الشِّعر، لابن طباطبا» أعني مسألة الإمكان المطلق أو إمكان تعدد النموذج الجمالي، إنه هو الطيف الجمالي على وجه التحديد، قال ابن طباطبا: «والشعر على تحصيل جنسه ومعرفة اسمه، متشابه الجملة، متفاوت التفصيل، مختلف كاختلاف الناس في صورهم، وأصواتهم وعقولهم، وحظوظهم وشمائلهم وأخلاقهم، فهم متفاضلون في هذه المعاني، وكذلك الأشعار هي متفاضلة في الحُسن على تساويها في الجنس، ومواقعها من اختيار الناس إيَّاها كمواقع الصور الحسنة عندهم، واختيارهم لما يستحسنونه منها» ابن طباطبا..، عيار الشعر، ط. 1402هـ، ص 13.
لماذا إذن هو متشابه الجملة، متفاوت التفصيل؟
ليس في وسعنا أن نفهم أكثر من كون ابن طباطبا يعني ثبات المتن اللغوي وتعدد المتن الذهني الجمالي. إن تفاوت التفصيل عند ابن طباطبا لا يعني أكثر من تفاوت النَّظْم عند عبدالقاهر الجرجاني، أي أن الذي يسميه ابن طباطبا «التفصيل» هو الذي يسميه عبد القاهر «النَّظْم»، وتفاوت التفصيل أو النَّظْم عندي إنما هو تفاوت المتن الذهني الجمالي..، نحن الآن بحاجة إلى الحديث عن طبيعة السَّنَد الجمالي، إنما لاحقاً؛ لأن هذه الكتابة فيما أظن تُلحُّ كل فكرة فيها على الأخرى، وما دمنا قد نظرنا في قول ابن طباطبا على أنه إشارة خفية ذكية إلى فكرة الطيف الجمالي الكثيف، فإننا بحاجة لقراءة مفهوم الشعر عند ذلك الناقد بما هو من مؤسسي الحقل المعرفي الذي ينظر في صفة اللغة حين تكون سياقاً جمالياً.
يقول: «الشعر أسعدك الله كلام منظوم بائن عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم بما خُصَّ به من النظم، الذي إن عُدل عن جهته مَجَّته الأسماع وفسد على الذوق، ونظمه معلوم محدود»، «عيار الشعر»، ص9. إذا أنا الآن لم أُلِح على فكرة النظم بوصفها إشارة إلى عمود الشعر العربي وموسيقاه. فإنني سأضطر إلى تذكيركم بما كنت أسميه لغة إجرائية في موازاة العقل العام، ولغة متعالية في موازاة العقل الشعري.
إن بينونة الكلام المنظوم عن المنثور التي يشير إليها إنما هي صفة العلو في المثال الجمالي، الكلام المنظوم هنا هو اللغة التي تقع في صفة السياق الجمالي، والمنثور الذي يستعمله الناس لا يعدو صفة اللغة الإجرائية، وبهذا الاعتبار يكون مفهوم الشعر عنده مفارقاً لصفة العقل العام، على أنه ابن طباطبا يقول في كتابه في موقع آخر: «والشعر هو ما إن عُرِّي من معنًى بديع لم يُعرَّ من حُسن الديباجة وما خالف هذا فليس بشعر» ويقول: «والتعريض الخفي يكون بخفائه أبلغ في معناه من التصريح الظاهر الذي لا ستر دونه»، عيار الشعر. ص 23، هل نتفق الآن على أن ابن طباطبا كان أكثر موافقة للمفهوم الشعري في تعريفه الثاني أكثر من الذي ألحَّ فيه على صفة الإعلاء الموسيقي حين أشار إلى الكلام المنظوم البائن عن المنثور، على أن الذي أُلمح إليه الآن هو كون نظام الصوت في اللغة صفة إعلاء ذهني وأنا أشير الآن إلى صفة «النَّبْر على وجه التحديد».؟ أي أننا لا نقول بجوهر الشعرية بشرط هذا الحدِّ بوصفه إمكاناً لغوياً هو الآخر بقدر الإلحاح على فكرة السند الجمالي أو المتن الذهني اللغوي الفرد.
وبهذا الاعتبار كنت أقول بكون الشعر ظرفاً عقلياً فرداً، وتلك فكرة أعلى من فكرة الجَرْسِ الموقَّع، أو فكرة الأصوات.
هكذا إذن، ونحن لم نعرض بعد لفكرة السند الجمالي، ولا لعلَّة الثنائية الشهيرة «الشعر والنثر»، ربما لاحقاً.
وللحديث صلة إن شاء الله.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved