الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th January,2004 العدد : 45

الأثنين 4 ,ذو الحجة 1424

الشيخ العبودي وجمال التواضع
عطاالله الرشيدي
في الواقع أن ما من رجل زاد على غيره تواضعاً إلا زاده ذلك فضلاً عليه، فالشيخ الفاضل محمد ناصر العبودي عالم متشعب المواهب في مختلف العلوم الشرعية، والاجتماعية، واللغوية، والجغرافية وغيرها فالكتب التي قام هذا الشيخ الجليل بتأليفها في مختلف العلوم المفيدة تشهد له بسعة العلم وتوقد الفكر على حد سواء. والفرق الكبير بين عالم أشد تطلعاً إلى من يلفت نظره إلى الأخطاء التي قد تقع منه، إما بفرط من الجهل بالشيء، وإما بالرواية المغرضة، فيبادر إلى تصحيح مثل هذه الأخطاء إن وجدت مع جمال التواضع، وآخر تأخذه العزة بالأثم فلا يقع عنده مثل هذا التنويه إلى أخطائه موقع القبول، فاتساع آفاق المعرفة هو المعيار للفرق بينهما: فالأول: قد نهل من العلم قارئاً فباحثاً فكاتباً ثم محققاً حتى وصل إلى حقيقة أن العالم كلما ازداد علماً أدرك أنه بحاجة إلى المزيد من المعرفة بالشيء، فيما الثاني: قد أقحم نفسه في عالم الأدب من دون أن يملك من الأدوات العلمية ما تؤهله عقلياً إلى أن يكون واحداً ممن لهم زيادة في الفضل على غيرهم بنمو الفكر واتساع آفاقه في هذا الجانب من العلم.
ولا شك في أن الشيخ العبودي كان بحق واحداً بارزاً من الصنف الأول عن جدارة علماً وخلقاً كريماً. ولا أقول ذلك من قبيل الملق لمآرب في النفس، وإنما أقول ذلك متوكئاً على أقوال من احتكوا به بعد أن ساءهم ما كتبه عنهم وكان إلى تصحيح الخطأ وتصويب الصواب أسرع من تناقش معه في الحديث فيه، وقد قال لي واحد منهم: إنه كان متهيباً منه قبل مقابلته، وقد خرج من عنده وهو يشعر بأن هذا الشيخ أقرب الناس إليه وداً أو محبة.
فشخصية الشيخ العبودي شخصية تتمتع بثقافة متعددة المواهب والإبداع ولذلك فهي جديرة بالتكريم والتبجيل، فما تكريم الدولة أيدها الله له إلا تكريما للكلمة الصادقة إذا أحسن استخدامها، فهي كقبس النار إن أحسن القابس استخدامه انتفع منه وأهله، وإن أساء أحرقه وأهل بيته معاً.فالحديث عن هذه الشخصية اللامعة في عالم الآداب والإبداع لا تتسع لها الصفحات وتعجز عن متابعتها الأقلام. ولذلك فأنا أول من يعترف بعجزه عن الإلمام والإحاطة بكل جوانب الحياة العلمية والإنسانية فيها، ومع هذا استطيع وباختصار شديد القول إنها قد تميزت بثلاث مميزات هي:
1 الشيخ العبودي
العالم اللغوي
كل من يطالع ما كتبه في مقدمة كتابة: (معجم بلاد القصيم) عن لغة سكانه و(الأمثال) و(الكناية والمجاز في لغتنا الدارجة) يدرك أن الرجل كان متبحراً في هذا الجانب من العلم، وهو ما مكنه من إرجاع الظواهر اللغوية في لغتنا العامية إلى أصولها اللغوية الفصيحة، وكان في ذلك مدرسة لمن بعده.
2 الشيخ العبودي
العالم النسّابة
لا شيء يثير الحزازات في النفوس أكثر مما يثيره الحديث في الخوض بالأنساب على غير دليل من العلم وحقاً قال أحد الباحثين في علم النسب: «.... والحديث عن أنساب القائل العربية المعاصرة تتكاءده النفس ويتجشمه النسابون ولا يقوى منهم عليه إلا الناهض الرجيل الضليع دون الضالع ...» وقليل هم الضالعون من أرباب العلم في هذا الباب وغيرهم كثر من الضالين والمضللين في هذا السبيل، ولتبحر الشيخ محمد بن ناصر العبودي في هذا الموضوع نأى بنفسه عن الخوض في هذا الشأن ما لم يقم دليل صحيح عليه من النقل أو العقل فلنأخذ ما قاله عن جماعة من جماعات مجتمعنا الكريم وما قاله الآخرون فيها مثلا على عبقرية هذا العالم الفطن في هذا العلم الذي يبحث كما يقول ابن خلدون: في تناسل القبائل والبطون من الشعوب وتسلسل الأبناء من الآباء، والجدود وتفرع الغصون من الأصول في الشجرة البشرية.
فقد اتخذ البعض من اسم هذه الجماعة دليلاً على أنهم من بقايا الصلبيين الذي تم تشتيتهم على يد دولة الأيوبيين. وكان أول من وهم وأهم من بعده بهذا الرأي الذي لا تؤازره حجة نقلبه ولا عقلية هو سليمان أفندي البستاني في عهد العثمانيين. وقد درس شيخنا العبودي فئة من هذه الجماعة فتبين له أنها تشترك في المنازل والعادات والتقاليد والأحوال الاجتماعية مع قبيلة بني محارب القديمة العهد وهو ما يدعوه إلى الاعتقاد بأنهم من بقايا هذه القبيلة الغابرة، وهذا رأي لا يتعارض مع المعطيات التاريخية مع واقع الحال. فلو لم يكن للعبودي في هذا المجال باع سوى ما اعتمده علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر يرحمه الله في تصنيفه كتاب: (جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد) على مسودة كتابه الذي لم ير النور بعد لكفاه شرفا في تبوّء المنزلة العالية في علم النسب.
3 الشيخ العبودي
العالم الجغرافي
وللشيخ العبودي في الجغرافيا باع يعلو على من يطاوله في هذا الحقل من المعرفة، فهو رحالة جوّاب لا يعرف الكل ولا الملل في استكشاف معالم البلدان ومجاهل البقاع في الأرض. فقد طاف قارات المعمورة وجال في ربوعها مفيدا ومستفيدا فكان من حصيلة هذا الجهد الشاق أن أثرى المكتبة السعودية خاصة والعربية عامة بالعدد الكبير من الكتب المميزة والنفسية عن مشاهداته وانطباعاته في مختلف بلدان العالم، ولعل أهم أثر للشيخ العبودي في ذلك هو: (معجم بلاد القصيم) وهذ المعجم الذي يتكون من ستة أجزاء يعد موسوعة علمية في مختلف العلوم الأدبية والتاريخية والجغرافية وبه علا نجمه بالسماء، وشاع ذكره في الناس.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved