Culture Magazine Monday  26/02/2007 G Issue 188
فضاءات
الأثنين 8 ,صفر 1428   العدد  188
 

على مائدة الشيخ التويجري (1)
د. عيد بن مسعود الجهني

 

 

الكتابة عن العلامة والمفكر والأديب والمؤرخ الكبير معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري عافاه الله وشفاه ومتعه بالصحة والعافية وأمد في عمره، ليس أمراً سهلاً ولكني أحسبها ممتعة، وقد يبدو أن في هذا القول تناقضاً أو تضارباً، وليس الأمر كذلك إنما الكتابة صعبة عنه بأي عبارات أو جمل أو شعر أو نثر لن توفيه جزءاً يسيراً من حقه مهما اجتهدت، لأنه شخصية ضخمة عملاقة، فالإحاطة بكل جوانب هذه الشخصية بعيدة صعبة المنال وادعاء ذلك إجحاف في حقه وفي حق نفسي إذ ادعي ما لا أطيق.

أما كون الكتابة عنه ممتعة فلأنه شخصية محببة لا تتمثله وأنت تكتب عنه إلا وأُشرعت أبواب من العاطفة الجياشة والأحاسيس النبيلة الدافقة، والمحبة الصادقة التي لا تشوبها شائبة ولا يخالطها غرض.

ثم إن الكتابة عن الشيخ التويجري ممتعة لأنك وأنت تكتب تعلم أن ما تكتبه سيقرؤه محبوه ومجلوه وهم كثر في عالمنا العربي والإسلامي بأحاسيسهم قبل أبصارهم وبأفئدتهم قبل أفواههم، فيضمخون كلماتك بأريج من العاطفة الصادقة ويبلون يبسها بنداوة الإحساس العميق.

(لو قيل لي صف شيخنا العالم الجليل التويجري في جملة واحدة لقلت (إنه رجل بقامة الوطن ونكهته).

فالرجل عصامي طموح ومكافح وصاحب جلد غير محدود وشخصية فريدة شامخة، وهو في كل خطواته لا يرضى إلا بالتفرد والنبوغ في كل مجال يلجه ولا يرضى إلا بالتميز في كل ساحة يدخلها، ففي كل المجالات التي طرقها في الإدارة والفكر والعلم والأدب ترك بصمات لا تزول، وكان محط الأنظار والمحور الذي يدور حوله الآخرون، له فكر ثاقب ونظرة لا تخيب، وقدرة عالية على تحديد الهدف، فإذا حدد هدفه فلا شيء يقف في وجهه، يمضي في عزم الرجال في طريق تحقيقه، ما عرف عنه أنه كلف بعمل فعجز عن النهوض به، أو سعى في تحقيق غاية فنكص عنها قبل أن يصل بها إلى نهايتها المرجوة.

وللرجل قدرة كبيرة على العمل والإنجاز يعجز عن مثلها الآخرون، فما يفعله التويجري في شهر يعجز عنه غيره في سنة، وما يحققه في سنة يحتاج من غيره لسنوات طويلة، فهو رجال كثر في إيهاب رجل واحد.

إن لكل شخصية بارزة متفردة مفتاح شخصية أو ربما مفاتيح، تحركه وتفسر سر تفوقه وتميزه، ومفتاح شخصية الشيخ التويجري (المحبة)، محبته لوطنه، ومحبته لإنسان وطنه، ومحبته للخير، أما المفتاح الثاني فهو حبه للتميز فهو لا يرضى إلا بالكمال وإن كان دونه خرط القتاد وينبع ذلك من الاعتداد بالذات والشعور العميق بقدراته الكامنة.

ولد في حوطة سدير الطيبة الوادعة عام 1336هـ وإن كانت الحقيقة تقول إنها هي التي ولدت فيه وخالطت لحمه ودمه وعظمه قبل أن يرى النور، فتح عينيه عليها وخطا على ترابها خطواته الأولى، وانطبعت صورتها المحببة في نفسه بشوارعها الترابية الضيقة المتعرجة ومنازلها القديمة البسيطة، وقضى فيها سني عمره الأول ثم انتقل إلى المجمعة وعمره ست سنوات.

والمعروف عند علماء النفس أن أهم السنوات التي تشكل شخصية الإنسان وتوجهاته هي هذه السنوات الأول الجميلة من العمر، وكان لهذه السنوات أثر كبير في حياة الشيخ التويجري المليئة بالفخر والاعتزاز، وان الصورة التي انطبعت في ذاكرة الشيخ التويجري عن حوطة سدير والمجمعة كان لها أثر كبير في حياته وتعامله مع الناس ونظرته للمجتمع الطيب الذي عاش في كنفه عندما شب فقد كان المجتمع مجتمعاً متعاطفاً متآلفاً تسوده المودة والمحبة والرحمة، فالجار يسأل عن جاره، والمجتمع كله أسرة واحدة، وكان الطفل الصغير - شأنه شأن بقية الأطفال - يأكل حيث جاء وقت الوجبة في أي بيت، وينام حيث غلبه النعاس.

وكان الأطفال يجدون العطف من الكل، يحاطون بالمودة والحنان، ويقبلون التوجيه الرشيد والسديد من كل كبير، وكان التويجري في تلك السن المبكرة يشعر أن الكل أهله وأحباؤه، وحمل تلك الصورة في داخله بعد انتقاله وارتحاله واصطحبها في خطواته الواسعة في طرق باب الحياة، فأينما حل برزت تلك الصورة المثالية وعامل أهل البلد الذي يكون فيه كأنهم أهله وربعه وعشيرته، في احترامه للكبير وعطفه على الصغير وإغاثة الملهوف، ومد يد العون لكل محتاج من الضعفاء والمساكين.

وكان حب حوطة سدير والمجمعة الغرسة التي نمت ليمتد ظلها وفيئها على الوطن كله، وليكون الشيخ التويجري نموذجاً يحتذى مثله في حبه وإخلاصه غير المحدود لوطنه الكبير المملكة العربية السعودية، التي تأسست بعد جهاد وكفاح ثلاثين عاماً على يد المؤسس والموحد والمصلح الملك عبد العزيز رحمه الله، وليتحول هذا الحب إلى طاقة للعمل لا حدود لها ودافع قوي للعطاء قدمه الشيخ التويجري لأمته ولولاة الأمر منذ عهد الملك عبد العزيز حتى اليوم عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهذا العمل الجليل وغيره كثير جعله من الشخصيات المعدودة التي يشار إليها بالبنان فيما قدم لوطنه من خدمات جليلة وأعمال نبيلة.

ولأن هذا الوطن الكبير الذي شرفه الله بخدمة الحرمين الشريفين عرف بالوفاء لأهل الوفاء فقد لقي معالي الشيخ التويجري من الوطن - حكاماً وشعباً - ما يستحق من التكريم والوفاء والمحبة الخالصة والمكانة الرفيعة التي يعد الشيخ التويجري بحق أهلاً لها.

يتبع


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة