الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th April,2004 العدد : 56

الأثنين 7 ,ربيع الاول 1425

من صراحة البوح إلى استنطاق تأويل الأشياء وحركة العلاقات
د. عالي سرحان القرشي

خيرية السقاف اسم لا يخطئه المتابع للحركة الأدبية في المملكة، ولا تبعد عنه عين المتأمل لفعل المرأة الاجتماعي والتعليمي في هذه البلاد، عشقت الكتابة ولم تجعل ذلك فعلاً لقلمها فحسب، بل رأت أن تكون في موقف من يدفع بالكتابة إلى أن تبلغ غاياتها، ويستحثها على النهوض من مكامنها، فوقفت في الفعل الصحفي، كاتبة، ومحررة إلى أن تسنمت منصب مدير تحرير في جريدة لرياض مسجلة بهذا أول منصب من هذا النوع لامرأة سعودية.
في مقالات السقاف يتجلى بوح إنساني تشعر فيه بالضجر من عالم اليوم، وما فيه من حماقات رعناء وتسلط قاهر.. فيلتصق قلمها بالأبعاد الإنسانية يستجليها من الأعماق ويرسم لها الضوء في متاهات الحيرة والقلق.. تجدها تصرخ حين لابد للصراخ أن يكون، حين تجد الاستنكاف عن صوت المرأة، فتأخذ القلم لتكتب:
(هنا قفوا يا سادتي وامنحوني العفو لصراحتي)
(اليمامة 1392هـ)
وفي غمرة الانزياح الإعلامي تجاه موقف ما، تجدها تتأمل، وتقف عند البعد الذي تخشى أن ينسى، وتختلط فيه الأمور في غمرة الضجيج الإعلامي على نحو ما حدث بعد بوابة المواجهة مع أولئك الذين أشهروا السلاح، وبثوا الرعب في وجوه إخوانهم المسلمين في هذه البلاد، فأخذت مقالاتها تؤكد على الفصل بين ما يقوم به هؤلاء وما يظهر من هيئة شائعة في المشايخ وطلاب العلم وما في بلادنا من توجه لأعمال الخير، داعية إلى أن لا نخلط هذا بذاك.
كتبت خيرية السقاف القصة القصيرة وأصدرت مجموعة بعنوان (أن تبحر نحو الأبعاد) دار العلوم سنة 1982م.. ولديها كما علمت مجموعتان تنتظران الطبع وقد حظيت هذه المجموعة بالتفاتات عدد من النقاد منهم د. محمد صالح الشنطي، د. نصر محمد عباس، الأستاذ نسيم الصمادي.
وقد نشرت في العدد الأخير من مجلة الفيصل، صفر 1425هـ قصة بعنوان (الاعتذار) اعتمدت فيها على الإيحاء والرمز، وتجنبت البوح الكتابي الذي تدخله في سياق الاحداث على نحو ما هو واضح في مجموعتها الأولى على النحو الذي مسه الدكتور الشنطي وأشار إليه حين قال (لكن ما يشوبها هو ذلك النزوع الإنشائي في صياغتها اللغوية) (فهي تنتصب بيننا وبين هذه الشخصية بأسلوبها وأفكارها).
ففي قصة (الاعتذار) نجد القطار الذي يحضر بدلالته المعهودة عبر المقعد، وصوت العجلات، هواء النافذة .. لكنه يغيب بهذه الدلالة لينفتح بدلالة أخرى، وعلى فضاء آخر، تكونه علاقات النص.
الآخر الذي تخاطبه لا يندلق إليه الحديث بالاستعطاف والحميمة لأن الكاتبة كما يبدو لي، تريد للعلاقات الناشئة في النص الحديث والتعبير عن الشعور بالاضطهاد والتسلط فهي تريد أن تنأى عن إدخال هذا البوح في كتابتها ولأن الساردة التي تحكي بلسانها تريد أن ترسم هوة بينها وبين الآخر إذ يشعرنا جريان السرد بذلك بعد علاقة كانت أكثر تواصلاً ومشاركة على نحو ما يظهر في قولها (أتذكر كيف كنا نرسلها في المشاوير الوعرة ونعتقلهما عند الإشارات الحمراء، ونحرك بهما متاريس المعتقلات؟) كانت أكثر تواصلاً مقابل ما هو قائم الآن.
(هذا المساء ستحتفل أنت باستقبال أصدقائك وعلي أن أشعل وقيدي هنا تتحدد الساردة بأنها.. أنثى) لأن هذه هي سمة مثل هذا المجتمع للعمل الذي تكتب فيه وله الساردة. وهنا نجد سيطرة الآخر الذي تخاطبه على وقتها.. ويمضي بنا النص راسماً العلاقة بين الذات والآخر على نحو ما تشير دلالاته إلى توترات واعتراض ومواجهة. لكن مزية السرد أنه طوى ذلك كله في ضوء ما تنفتح عليه الدلالات .. من مثل قولها:
* حيث قدمت لك ورقة بيضاء كي تحمل عليها فتسودها بقوائم الطلبات، وبجدول حركاتي.
* كيف تخلط العطر بالخضار؟ وكيف تضع التفاح مع البصل؟
* مسحت على قدمي، كي لا أنسى تقديم الاعتذار إليهما..
* وشاشة الحاسوب تلتهم بصري.. وأنت لا تزال، لم تهضم وجبتك بعد...
أقترح على الكاتبة لو قبلت ذلك حذف هذه الفقرة عند ضم هذه القصة في مجموعة (أتدري أنني عندما فتحت عيني لم أكن في القطار؟ ولا كانت قدماي تصطكان بقدميك؟!
لكنني كنت هنا)
وذلك لأن فضاء النص بدأ يتكون في ذهن القارئ، أصبح قابلاً لأن يحمل ابعاد (القطار) التي يريدها .. قبل هذه العبارة منذ قولها (شاشة الحاسوب كانت تلتهمني بضوئها الفسفوري، كي أنحني إلى حيث قدمي، وأقدم لهما الاعتذار عني وعنك..)
ولأن هذه العبارة أيضا حين تبقى تظل حابسة للقطار في دلالته المعهودة ويصبح الانتقال عنها ليس نموا للدلالة، وإنما توجيها من الكاتب، وإدخالاً للأمر في دائرة الحلم.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved