الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th April,2004 العدد : 56

الأثنين 7 ,ربيع الاول 1425

لِمَ د. خيرية السقاف؟!
جميلة بنت ياسين فطاني *
عندما تُختارُ د. خيرية السقاف لتكون محور الملحق الثقافي المتميز ل(الجزيرة) تكريماً لها.. قد يُسأل لِمَ؟!
وحينما اختيرت د. خيرية السقاف الشخصية النموذج للتكريم ضمن الفعاليات الثقافية في احتفائية الرياض عاصمة الثقافة العربية 2000م.
ربما قِيل: وَلِمَ د. خيرية السقاف؟!
وفي اللقاءات العلمية والمهنية المتخصصة والمؤتمرات والندوات المحلية والعالمية العربية، والمنتديات الثقافية والأدبية والمهرجانات داخل المملكة وخارجها.. حينما تختار د. خيرية لتكون ممثلةً للوطن.. عضواً رئيساً في لجانها أو مساهمةً بورقةِ عملٍ ومتحدثةً رسميةً أو نجم حفلاتها وضيفة الشرف بها.
ربما قيل: ولمَ د. خيرية السقاف؟!
وحينما يسبق اسمها وحضورها أية فعاليات وجلسات خاصة تجد تلك النفوس المشرقة بالابتسامات الصادقة، وسمات التقدير والإعجاب تتسابق نحو شخصية.. وتتحلق حولها وأنت بالكاد تتبينها جسداً يتضاءل بين طول القامات وضخامة الرؤوس فتتأكد أنها خيرية.
وربما قِيل حينها: ولِمَ د. خيرية السقاف؟
وحينما تجد عدداً كبيراً من الشخصيات ذات الأسماء العريقة في سماء الأكاديميات والصحافة والأدب ومجالات أخرى مختلفة يجمعن على أستاذية من تتلمذن على يديها فتعرف أنهن يعنين خيرية السقاف.. فحينها تدرك مَنْ هي د. خيرية السقاف.
وحينما تكون في جامعة الملك سعود بالرياض وتجد باباً غير موصد في أغلب الأوقات ترتاد تلك الغرفة الأعداد الكثيرة من الطالبات والموظفات.. وتجد تلك الوريقات بلون الأزهار والفراشات والسماء الصافية تتزيَّن بعبارات الود الصادق والإعجاب بالمُثل العليا.. عبارات الشوق والبوح..أوراقاً تتجدد يومياً حيث إن صاحبة الغرفة تتسلَّم هذا البريد يومياً وتحتفظ به في سجل شرف الإنسانية.. تعرف أن هذا الباب (وبلا تعريف) باب غرفة خيرية السقاف..
وربما يقال حينها.. وكل حين: لِمَ د. خيرية السقاف؟
وحينما تجد كاتباً يتبعه أعداد هائلة من القراء.. تشرق عيونهم بالفرح والحزن.. وترتسم الانفعالات الإنسانية على وجوههم فلتُدرِك حينها أنهم يتواصلون بالمحبة مع خيرية السقاف.
ولا تسل أبداً: لِمَ د. خيرية السقاف؟
ذلك أنها إنسانة تميَّزت بالإبداع.. فتميَّز الإبداع باسمها وتلك هبة الخالق عزَّ وجلَّ يختص بها من يشاء من عباده.. وقد اختص بها د. خيرية السقاف.. وهي لها أهل إن شاء الله.
موهوبة في الأدب وفنونه، في النقد، التعليم، الصحافة، الإدارة، حب الثقافة، وفي فن التعامل الإنساني في هذه الحياة الصعبة.. موهوبة بالفطرة ثم بإذكائها وتغذيتها.. بل رائدة بلا منازع في العديد من هذه المجالات.. والتاريخ يسجِّل لها ذلك ويوثِّقه.. لا أنا أو غيري من محبيها.. فنحن أمة لا تحاول أن تخفي الشمس بيدها.
وأنا لست ممن يُناط بهم قراءة التاريخ لهذا الوطن ومتميزيه ورواده ومحبيه..
ولست أيضاً ممن يُناط بهم نقد الأدب وتقييمه.. فما أنا سوى طالبة تدرجت مع أدب خيرية السقاف وقيادتها الصحفية والمجتمعية.. وصادقتها وأصدقتها لزمن ينوف عن الخمسة والعشرين عاماً.. فما أورثني إلا الصدق, والأمانة، والخير.. فكثيراً ما تعبر محطات في حياتنا نستمد منها معين الحياة وتظل آثارها إحدى سماتنا الشخصية وتاريخ حياتنا.. وهكذا كانت د. خيرية السقاف في حياتي محطات مضيئة وسمتني بما جعلتني أعيش بصورة مقنعة قانعة والحمد لله لي وربما لمن يعايشني.. وما زالت د. خيرية السقاف تلك النجمة المضيئة في دمي..
في عام 1399هـ كانت أولى المحطات الخيرية في حياتي حينما تتلمذت على يديها في السنة النهائية لي في قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود (الرياض حينها).. ولم أدرس الأدب السعودي منهجاً فحسب معها.. بل كثيراً من علوم الحياة. وآدابها.. فهي لم تكن أستاذة كغيرها في حدود منهجها يكون تواصلها مع طالباتها.. بل كانت بحسها الأدبي الإنساني.. بأمومتها ووطنيتها بأخوتها وصدقها تحتوي طالباتها.. وهكذا احتوتني وعدداً من زميلاتي.. كنا نتحلق حولها حتى بعد انتهاء علاقتنا التعليمية لتمنح مواهبنا الضوء الأخضر باتجاه الأفق المتسع، فكنا السبع الأول بذرة أول مكتب صحافي نسائي وهي أول مديرة تحرير رسمية لصحيفة وطنية لها وزنها في عالم الصحافة وهي صحيفة الرياض.. وكانت تجربة مثيرة وثرية عُدت في تاريخ الصحافة بدايةً متميزةً لمدرسة صحفية منهجية بالخبرة والدربة رائدتها المحنكة د. خيرية السقاف.. وتوالت الأسماء في تلك المدرسة.. لمعت بعضها واستمر بعضها وخبا الآخر.. موضي الزهراني إيمان الدباغ ولاء حواري ماجدة الجارودي جميلة فطاني نادية الدوسري.
ثم قماشة السيف وهيا المنيع وهدى الجاسر.. ثم ليلى الهلالي، شفاء العطاس وغيرهن.
لم تكتفِ بتعريفي للمجتمع من خلال الصحافة لكنها قدمتني للمجتمع الأدبي والأكاديمي كاتبةً وقاصةً، وللمجتمع الثقافي والتربوي عضواً فاعلاً بإذن الله ولم تكن لتعلن لي أو لمن تقدمني إليه فضلاً لها.. وكذلك تفعل مع الكثيرين غيري.. بل كانت وهي ابنة الخلق الرفيع في تواضع العلماء والعظماء، تُرجع الفضل لله من قبل ومن بعد.. ثم لما حبانا الله من فضله من مواهب ومثابرة والحق أن أفضالها كما أفضال الذي لا ينكر تميزها.
وليس الأدب والصحافة والعلوم الأخرى التي تتعلق بها هي سمات وروافد تميزها، فخيرية السقاف التي تولت مناصب عدة في جامعة كبرى هي جامعة الملك سعود أبرزها عمادة مركز الدراسات الجامعية للبنات لفترتين متتاليتين الذي تعامل معها من داخل أروقة الجامعة وخارجها ليدرك أنها أنموذج فريد متميز في الإدارة التربوية، تلك القناة التي تعتمد اعتماداً كبيراً على العلاقات الإنسانية الإيجابية أكثر من اعتمادها على المقومات الأخرى وجميعها كانت لدى خيرية السقاف.
ورغم ثراء تجاربها وتعدد مواهبها وسعة علمها، إلا أنها كانت أعظم ما تلقى محبيها، فهي تلكَ الشخصيةَ المليئة بالحب، المتواضعةَ في عزةِ نفسٍ وإباء القريبةَ من النفوسِ تقابلك بأعلى درجة من الحميمية والود.. وعلى الرغم من أن الله حباها، إضافة إلى شرف النسب (كونها من آل البيت وحفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أهل الأرض قاطبة) ويكفيها شرفاً هذا النسب العظيم إلاَّ أنها زادته وزيَّنته بالأدب والخلق الرفيع المؤمن الحق ولا نزكيها على الله، فالله حسيبُها، وجمعت إلى ذلك حب العلم والتعلُّم وهو أهم مقومات الشخصية النموذج.. ولم تكن شهادة الدكتوراه هي الغاية التي كانت تصبو إليها كما يوسم ويوصم البعض.. لكنها الوسيلة الخيرة التي أوصلتها إلى منهجية التعليم فما زادها كل ذلك إلا تواضعاً لله ثم لخلقه.. فزادها اللهُ رفعةً بين خلقه.
أَذكرُ أنَّ في آخر محاضرة لها بمكتبة الملك عبد العزيز قبل نحو شهر من هذا التاريخ وكان عنوانها (إستراتيجيات النجاح) كانت الحاضرات من أكاديميات ومثقفات وطالبات وبعددهن الكبير، كن ينتظرن أن تعرض د. خيرية السقاف مسيرتها الذاتية الغنية بالمواقف التي تؤطر إستراتيجيات النجاح.. لكنها بتواضعها المعهود لم تتطرق إلى مواقفها الشخصية أبداً في محاضرتها.. فما كان من الحاضرات وفي مقدمتهن د. فوزية أبو خالد وعبر مداخلات ذكية وضعنها أمام واقع الاستشهاد بمواقفها الشخصية.. فكانت القناعة أكبر أن المنهج الذي عرضته لم يكن نظريات وحسب، بل هو أسس ومنهاج حياتها وتعاملها.. ومن عايشها والمقربات منها يؤمن ويؤكدن على ذلك.. وتلك هي القدوة.
أخيراً كم أسعدني كما أسعد غيري أن تحظى د. خيرية بما هي له أهل له لمسة الوفاء والتقدير التي تقصر عن إيفاء حقها من صحيفة الجزيرة الغراء الوفية من خلال هذه الأقلام المدركة لأهمية تكريم الرموز الإنسانية ولتكون خيرية السقاف بعيداً عن المجاملات والمحسوبيات أول أنثى تُفردُ لها الصفحات ويُستكتبُ لها المفكرون والأدباء والمثقفون والمحبون لها في الله والمعترفون بأستاذيتها وفضلها، بل وهم من يسعون إلى الكتابة عنها وهي لا شك.. تستحق أبلغ الثناء والتقدير فهي صاحبة الفضل لا المتفضل عليها.
ولن يقول أحد: لِمَ د. خيرية السقاف!!
متَّعها الله بالصحة والعافية والرضا وجزاها خير الجزاء وأوفى.. وأدامها رمزاً للخير والحب والعطاء..


* كاتبة وقاصة

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved