الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th May,2003 العدد : 13

الأثنين 25 ,ربيع الاول 1424

محمد الشدي
ربع قرن في خدمة الثقافة

يبدو ان "محمد الشدي" قد أُعجب بالتجربة الصحفية اللبنانية المتطورة وكانت له اتصالاته وصداقاته برموز تلك الصحافة من أمثال "سليم اللوزي" و"ياسر
هواري" وآل "فريحة" فكانت "اليمامة" أول مجلة سعودية على النمط الصحفي المتطور بدأب "محمد الشدي" ولا زلت أتذكر، انه أول من أصدر أعداداً
خاصة تتضمن مادة إعلانية بهدف تطوير المجلة من خلال العوائد المالية، حيث أصدر أعداداً خاصة، أتذكر منها عدداً خاصاً عن الصناعة في المملكة. كما
كانت الأعداد الخاصة عن "اليوم الوطني للمملكة" من أوائل الأعداد المتميزة التي كانت تصدر لهذه المناسبة وأتذكر انه اقترح ان أجري حديثاً في ذلك العدد
عن اليوم الوطني مع الشيخ "محمد بن صالح بن شلهوب" أحد رجال الملك عبدالعزيز الذين بدأوا معه خطوات توحيد هذه البلاد والمسؤول عن الشؤون
المالية، مما كان يعتبر أول وزير للمالية، وقد أجريت ذلك الحديث في أخريات حياة الشيخ "شلهوب" وكان آخر وربما أول حديث صحفي معه .
كان "محمد الشدي" يقود حركة تطوير مجلة، يحاول ان ينتقل بها لتكون مجلة مصورة متميزة بإخراج صحفي حديث، يحاكي ذلك التطور الذي كانت
تشهده المجلات العربية من أمثالها في لبنان ومصر، ولم ينهزم أمام ضآلة الإمكانات الفنية الطباعية المتاحة في "شركة مطابع الرياض" بالمرقب، وهي تكاد
تكون المطابع الوحيدة التي يمكن طباعة المجلة بها، حيث كانت تطبع بها جريدة الرياض اليومية والدعوة الأسبوعية، وقبل ذلك "الجزيرة" الأسبوعية التي
تحولت الى يومية، ولا زلت أذكر ان "محمد الشدي" كان يقف مع "أبو خريِّف" فني "الهايدبرج" القديمة التي كانت تطبع عليها مجلة اليمامة، وكان كل لون
يطبع منفرداً ثم تركب الألوان بعد ذلك، وكيف كان "محمد الشدي" يُدلّه "أبا خريف" حتى يشد من همته.
وكانت هذه "المطبعة" حينما تتعطل يتأخر معها صدور المجلة في وقتها، وتبدأ "الحرب النفسية" وتوتر الأعصاب بأخذ مداه حتى يتم الإصلاح. أذكر بعض
هذه الوقائع، لأنه لا يمكن للأجيال الجديدة في دنيا الصحافة اليوم، أن تتصور وتقدر مقدار الجهد الذي كان يبذله هؤلاء الرواد، من أمثال "محمد الشدي"
وجيله، والجيل الذي تلاه. دون تصور جزء من الواقع الحقيقي الذي كانوا يديرون العمل في أجوائه وظروفه. وبمقياس ذلك الزمن المثقل بإمكاناته الفنية
المحدودة، يعتبر ما حققه "محمد الشدي" قفزة صحفية هامة في تطور الصحافة في بلادنا على المستوى الفني والمستوى التحريري.
ولم يهمل الجانب الثقافي، وهو الكاتب والمثقف. فأتاح لي مع نخبة من الزملاء ان نصدر أول مجلة ثقافية تصدر عن مجلة اليمامة. فصدر "ملف اليمامة
الثقافي" الذي أحدث ردوداً واسعة مشيدة بالأدب السعودي الحديث في الصحافة اللبنانية على وجه الخصوص، من خلال ما نشر في "ملف اليمامة الثقافي".
ومنذ تعرفت على "محمد الشدي" وحتى الآن، وهو قطب مهم فاعل في الحياة الثقافية والصحفية في بلادنا، فقد ظل بدأبه المستمر ومثابرته في مواقع
المسؤولية والإنتاج، فهو الآن ومن خلال عمله كرئيس "للجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون" يكرس جهوده في أكثر من موقع من مواقع الإنتاج، ولو
استكان الى ذاته وراح يكتب ويؤلف وينشر، لكان له من الذيوع، أكثر مما هو فيه، حيث يقف خلف أنواع متعددة من المنتج الثقافي الذي تفعِّله الجمعية،
في مختلف مناحي اهتماماتها المنوطة بها من خلال فروعها المنتشرة في المملكة عبر ربع قرن من الثقافة .
على المستوى الشخصي، ينطوي "محمد الشدي" على شخصية كتومة كما يبدو لمن يتعامل معه عن بعد، ولكنك حينما تقترب منه، وتقتحم أسوار تلك
الشخصية "الكتومة" تتحطم تلك الأسوار، ويبدو لك شخصاً مرحاً، له "تعليقاته" و"قفشاته" اللاذعة الممزوجة بلماحية فاحصة. فهو شديد الإغراق في
تفحص من يقابله لأول مرة، يسبره ببصريته، وتلمع حدقات عينيه، التي تضيق ولكنها كعيني العصفور الفاحصة المدققة. أو هي "الرؤية العصفورية" على
نحو ما يعبر "ارشيبالد مكلش" في توصيفه للشاعر صاحب تلك الرؤية، التي تفجر الخاص من خلال تلك الرؤية "الحدقية" الى الرؤية "العامة" الواسعة. وربما
كان ذلك سرّ الاختلاف على شخصية "محمد الشدي" لمن لم يستبطنوا هذه الخصوصية. فهو على هذا القدر شديد الحذر والترقب، يؤلف بداخله "امتحاناً"
يضع فيه الاسئلة والأجوبة، ويصححها ويعطي علامات النجاح والسقوط لمن يتعامل معه، وبعد ذلك ، تصبح الطرق مفتوحة الى عالمه. وربما لا يحتاج الى
إقامة هذا النوع من الامتحان، إذا انتصرت فراسته فيكون الحكم من أول مرة، ليس على طريقة "الحب من أول نظرة" ولكن على طريقة "الفعل من أول
مرة".
"محمد الشدي" من تلك الشخصيات التي يختلف حولها، أصحاب المهنة من الوسط الصحفي والثقافي وعلى المستوى الشخصي، انظر الى هذا الاختلاف،
على انه علامة إيجابية، فالشخصية المؤثرة والمنتجة هي شخصية إيجابية، ولا بد "للإيجاب" من "سالب" يولد "الطاقة" من منظور علمي، كما يتعزز هذا
المنظور على المستوى الإنساني.
ولست حالة "استثنائية" في تعامل "محمد الشدي" مع الآخرين. ولكنني أنظر الى أن مسألة التواصل الإنساني، فيما بين "النماذج البشرية" تتعقد، على هذا
النحو المطلق المتسارع في الحكم، ولو ان تلك النماذج، تتيج لنفسها فسمة من استبطان مكونات الشخصيات وافتراض ان البشر حالات نفسية مختلفة،
مجبولة على الفطرة الإنسانية الطاهرة كما خلقها خالقها، لأمكن للبشر فيما بينهم، حل مشكلة الاختلاف على الشخصيات المتفردة من تلك النماذج
البشرية، التي يتعدد الاختلاف حولها، ولأمكن بناء نوع من العلامات "المحايدة" التي لا تؤسس على مصالح شخصية مباشرة. ومن المؤكد ان كل شخصية لا
تخلو من وهج هذه الفطرة الإنسانية السليمة، إن حاولت البحث عنها وإعلاء سمتها من خلال التعامل الإنساني الخلاق.
على هذا المستوى من التنظير لشخصية "محمد الشدي" على المستوى الشخصي استمرت علاقتي به، وأمكن استثمار الجوانب الإيجابية في هذه الشخصية،
وفي ظني أنني حزت بهذا القدر، على مكانة تميزت بالقبول والتواصل الإيجابي، ولا يزال حسن ظنه بي، أكثر مما أُحسن الظن بنفسي.
بعد تلك الرحلة من التواصل، التي اعترتها فترات من الانقطاع، غير المخطط من كلينا، وحينما يلتقي حبل التواصل، وبطريقتي في اكتشاف ما اعتبره مجالاً
للاكتشاف في شخصيات زملائي وأصدقائي، اكتشتف ان "محمد الشدي" لا يزال ذلك القارئ "النّهم" وذلك الكاتب، الذي لا يزال يُجدّف في نهره
المتجدد. ومما لفت انتباهي انه بدأ يصنف اهتماماته وينتقي قراءاته. وهي حالة ملحوظة لمن أفنى أكثر من نصف حياته في القراءة والكتابة واكتشفت انه
الآن قارئ للتاريخ على نحو يكاد ان يكون متخصصاً. وبالذات تاريخ الجزيرة العربية. وهو في ذلك قارئ مدقق بطريقته الخاصة المألوفة لي، ولا يزال ذلك
الكاتب المتوهج في طرح موضوعاته المتميزة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved