الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th May,2003 العدد : 13

الأثنين 25 ,ربيع الاول 1424

أ ثر خفيف
حتمية الحرب
علي العمري

قد لا تكون أوقات الحروب من اللحظات المثلى للتأمل في مسألة الحرب كونها أوقاتاً صالحة أكثر من غيرها للهستيريا وطغيان التشوش العقلي وظهور
تيارات جارفة من العواطف العمياء والأحاسيس الغامضة والمنفلتة والأفكار البدائية.
إن تأمل الحرب بما هي الشكل الأكثر نضجاً وعنفاً ووحشية لمسألة الصراع البشري لا تبتعد عن تأمل الصراع الوجودي الأشمل على هذه الأرض صراع
الفرد وصراع المجموع.
فالإنسان بما حالة من الوجود الناقص على آلدوام يظل يبحث عن كماله المستحيل عبر علاقاته مع الآخر الذي ليس إلا "الموت المتحجب لإمكاناتي" بتعبير
سارتر الذي يحدد نوعين من رد فعل العلاقات الإنسانية المتبادلة الأول يستلب الآخر ويحيله إلى شيء أو موضوع يعتمد على الأنا وهذه هي "السادية"
والثاني يقبل حرية الآخر بوصفها الأساس لحرية الأنا وهذه هي "آلمازوشية" لتظل حركة الفرد الدائمة بين الدفاع والهجوم ولتتجلى حلبة صراع الإنسان
الذي يراه نيتشه "أقسى حيوان في الوجود" لأنه لا يجد ارتياحاً على آلأرض إلا بمشاهدة المآسي ومصارعة الثيران والصلب وما تمتع بلذة الجنان على الأرض
إلا يوم اخترع الجحيم" إن الحرب لا تبدو هي الاستثناء في التاريخ البشري بل على العكس من ذلك يظل السلام هو لحظة التقاط الأنفاس الخاطفة قبل
خوض حرب جديدة، فالحرب هي التي تولد التاريخ وتحركه. انها فعل تهال عليه القداسة منذ بدايات الإنسان الأولي حين كان العدو هو القربان الذي
يسفح دمه تقرباً للآلهة، يذكر غاستون بوتول أن بعض المجتمعات البدائية كقدامى المصريين والأزتيك كانوا يذبحون أعداداً هائلة من الأسرى في طقوس من
الرقص والفرح وروائح البخور. والحرب كظاهرة من أقدم الظواهر التي شكلت التجمعات البشرية وصاحبت وجودها تظل الظاهرة التي يستحيل اقتلاعها
أو تصور الوجود البشري بدونها لذا فلا محل عند تأمل الحرب للعواطف أو الاخلاق فأرسطو وأفلاطون يريانها ضرورية لتشكيل المدينة، كانط وصل إلى
قناعة مفادها استحالة السلام الدائم، هيجل ونيتشه يمجدان الحرب، أما دومتر فلديه الحرب حتمية وذلك، حينما تفقد النفس الإنسانية لولبها بالميوعة وقلة
التصديق والرذائل المفسدة الخلق التي تتبع اسراف الحضارة، لا يمكن إلا أن تغمس في الدم فالثمرات الحقيقية للطبيعة الإنسانية والفنون والعلوم والمشروعات
الكبرى والتصورات العليا وفضائل الرجولة تتعلق بحالة الحرب بوجه خاص، هكذا ينظر للحرب كظاهرة ضرورية وسويّة بحسب بعض النظريات
الاجتماعية، اذن بأي منطق ترفض الحرب، ولماذا؟ ألجهل بالقوانين وعدم إدراك للآليات العميقة التي تتحكم في حركة الكائنات بما فيها الإنسان، أم للرفض
الحالم بالطوبى بالسكونية واللافعل حيث يفرغ الوجود من المعنى ومن الزمن، أم لأسباب سيكولوجية أوأخلاقية أو حتى أسطورية فبعض الأساطير البوذية
والصينية تُحَقِّر الحرب وتنبذها؟ لماذا يظل داخل الإنسان دائماً الصوت الرافض للحرب رغم حتميتها؟


alialamri2000@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved