الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 26th June,2006 العدد : 159

الأثنين 30 ,جمادى الاولى 1427

وجوه وزوايا
الدفّانة
أحمد الدويحي

بادرني الشاعر محمد جبر الحربي، كان قادماً يلفه الحزن، وتفيأت والأصدقاء ظلال سيارة تتصدق ماء، فقابلته للسلام عليه، أردد بيتاً له (حثونا التراب بها مرتين) من قصيدة، كتبت في زمن بعيد، فقاطعني كأنه يختصر الأحاسيس والكلام نهاية إلى المقبرة..
التراب.. التراب!
شيخ الرواية إبراهيم الناصر الحميدان، يظهر أنه يصغي للمبدع عبدالعزيز الصقعبي إلى جواره، ولست أعرف ما إذا كان هذا الكاتب الكبير، وقد وجد من يكرس اسمه خارج بلاده، ويسمى إحدى قاعات الثقافة في دمشق باسمه، يفكر في بطله الراحل (منور) أحد شخوص رواية (الغجرية والثعبان)، والنهاية المتباينة بين الواقع والرواية، الرواية التي لم أجد لها مثيلاً من بين روايات عالمه السردي، المفعمة بروح الحوار والشباب والأسئلة الصعبة، كنت أنظر في المدى البعيد في المقبرة فتحدني أسوارها المترامية، فأتذكر فوراً بأن أمي وأبنائي وفهد العريفي وعبدالله القرعاوي وبكر الشدي بين هذه الأسوار مع موتى المسلمين، وربما صديقي الجميل يرفع بصره ساهماً إلى البعيد، يفكر في أبعد مما أظن، يفكر في أيام الطفولة، وخشيت سؤاله لو أن الميت في إحدى مدن العراق الشقية بنار الحروب، فهل كنا سنرى غياب الأصدقاء والكتّاب عن وداع مثقف بهذا الجحود؟
عبدالرحمن فهد الراشد الذي ارتسم الحزن في وجهه، ترحم على عبدالله نور وقال لقد أضعناه، وأسهم معنا في ضياع نفسه..
عبدالله القعيد كان يتحدث عنا جميعاً وننصت له، يتحدث عن الراحل الكبير وجحود الساحة، ويصفق سعد الهمزاني كفاً بكف على الرجل الذي أحضر أوامر للناس للدخول إلى المستشفيات ويموت في مستشفى رديء، وكان هناك محمد صديق، وهاني الحجي، ومحمد القدادي يشير إلى أهله وأولاده وأقربائه يتلقون العزاء، الرجل الذي حمل رقم الهاتف الذي نُشر في الصحف قبل موته، قال لقد تلقيت أكثر من خمسمائة مكالمة تسأل، وعبدالله بن بخيت قد وزع رسائل على الجوال تحدد موعد الدفن..
خطف مشهد سرب كثيف لهنود، جاءوا ليمشوا في وداع جنازة أحدهم من المسجد إلى القبر، جنازة اصطف خلفها مئات من الجنسية الهندية، صف بعضهم في صفوف متراصة، للصلاة على الجنازة، وبقي الآخرون ينتظرون إلى النهاية عن توالي الأصدقاء، ليدفن الميت بجوار الأديب الراحل عبدالله نور إلى مثواه، المثقف الذي كان يوماً طليعياً،..
ولأن الصيف على الأبواب فقد التهب دماغي، وسخن سؤالاً لا لون له ولا طعم ولا رائحة، أردت أن أنام على وجعه، أين هم أحباب عبدالله نور، فربما كانت ديمقراطية مشهد موت الهنود اخر امالهم، فواجهني صوت أحدهم باكياً من مدينة بعيدة، يترحم على عبدالله نور فعذرته، ويجيب آخر على جزئية السؤال، فعرفت بأنه يخاف يدخل إلى المقبرة، وقال ثالث أنا جئت إلى الرياض بعد أن خفت نور عبدالله نور، حينما كان يعلم كيف للمرء أن يتناول الكلام الجميل ويصممه ويفسره ويدل على أصول الكلمات والحروف..
عبدالله نور نحن بحاجة إليك لنعرف، وقد تبارى أصدقاؤك بطول الساحة الثقافية وعرضها، ليقولوا لنا ولنعرف ما لم نعرفه عنك قبل موتك، نعرف أنك عانيت من سنوات الظلم بسبب دورك الثقافي كاملاً، فتعالوا لنعرف على وجه الدقة وليس مجرد تهريج، كيف كان عبدالله نور وحيداً من بين المثقفين العرب بما فيهم وفدنا الثقافي، هو الذي رفض شرهات صدام حسين؟!، وتعالوا لنعرف أيضاً على وجه الدقة، كيف لبسنا عبدالله نور صفة مثقف الصحراء الحقيقي، وحامل ومقومات تلك الثقافة والمبشر الصادق بنواميسها، وقولوا لي أخيراً وليس اخراً، ماذا يعني الصديق محمد جبر الحربي بتلك الجملة المبتسرة، (ظلمناك يا محمد!)، واذكر محمد وحده بالاسم، لأنني استغربت تماماً مثل هذا الطرح، وماذا تعني مثل هذه التصنيفات؟ وقد يخرج علينا آخرون بما هو أكثر غرابة في عالم عبدالله نور رحمه الله، أم أن المسألة مجرد توظيف حالة وتنتهي!؟.
سرحت كثيراً لأيامٍ في حالة عبدالله نور، أتذكر العشرات الذين كتبوا وتحدثوا وأضافوا إلى شخصيته الثقافية النادرة، وقد قيل رأينا نوره بعد موته ولم نر نور كتبه، فعسى أن يكون ذلك تحريضاً لهم، فربما كان الناجي الوحيد من تناسي عقاب ساحة (دفانة) كما قال عنها ذات يوم، كبير اخر هو محمد حسين زيدان - رحمهم الله جميعاً-


aldw17y1000@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved