الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 26th June,2006 العدد : 159

الأثنين 30 ,جمادى الاولى 1427

هل القيم الإسلامية قيم عالمية وتنموية؟
*د.احمد بن حمد الدبيان

هذا سؤال قد يستنكره بعض الناس أو يأنف منه!، وربما غضب في سريرته على رجل مثلي أن سأل هذا السؤال!؛ لأنه من المعروف لنا جميعاً أعني من الراشدين وكبار السن (ولست منهم) أن القيم الإسلامية قيم شاملة وفيها مصالح العباد والبلاد، ونحن نردد ذلك دائماً في ثقافتنا الإسلامية في كل مناسبة وفي كل وقت وحين!، ونتيجة ذلك أنها في عرفنا ووعينا قيم عالمية وتنموية!، ولكن الحديث عن الموضوع له شق يدخل في تكويننا الثقافي والتعليمي بصفة خاصة!.
يزعم الغرب عبر مؤسساته السياسية والثقافية والمدنية الآن أنه يروج لقيم إنسانية عالمية فيها خير العالمين وعليها مدار صلاح الأرض والعباد والبلاد من مثل: قيمة التساوي في الحقوق، وقيمة التسامح، وقيمة الحوار مع الآخر، وقيمة الحريات، وقيمة حقوق الأسرة والمرأة والطفل..إلخ، وأنه أي الغرب قد آن الأوان لبسط ذلك في العالم كله، بعد تفرد القطب الواحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم الآخر الذي صار عديم الحيلة أعزل أمام هذا الغزو الثقافي والفكري الشامل. وهذا الفكر الجديد يهاجم بلادنا وينتقد سياساتها وقيمنا الفكرية وتكويناتنا الثقافية وتراثنا الإسلامي في كل مناسبة، بل ودون مناسبة، ليقر في الأذهان ويثبت في العقول أننا أمة تسير خلف الناس، وتعيش على هامش الأمم وتجتر ذكريات التاريخ!!، وهو يود من هذا كله أن ترسخ هذه الأقوال كالماء ينقط فيحفر الصخر، لتصبح قناعة لا يرتقي إليها الشك لدى بعض القاصرين من المثقفين والكُتّاب الغربيين، بل لدى بعض أبنائنا من العرب المسلمين بعد حين من الوقت. في آخر المطاف صرنا نرى من ينتقد الإسلام فكراً وديناً ومنهجاً لا نقداً علمياً تجديدياً بل متجنياً مختصراً للدين والتاريخ في مقولة واحدة أو اثنتين، حتى وصل الأمر إلى القرآن العظيم. وهذا له حديث آخر في غير هذا الموقف.
وفي مقابل هذا التيار انطلق المفكرون المسلمون الغيورون مشكورين ليرددوا مقولتهم أن الإسلام دين التسامح والحوار والعدل.. وهذا حق. ومن قبل هذا حدث الموقف نفسه عندما حدث الصدام الفكري بين الفكر العربي والإسلامي منطلقاً من دوله الفقيرة المتأخرة مدنياً وبين الحضارة الغربية في بداية انطلاقها الحضاري المدني الصناعي فرأينا نفس الخط الدفاعي ممثلاً في جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وغيرهما من أبناء ذلك الجيل.
والحقيقة التي يجب في رأيي أن نعترف بها أن عندنا مشكلة في المنهج والعرض حول موضوع القيم. وهي أننا نحن من خلال ممارساتنا التعليمية والثقافية في العالم الإسلامي والعربي خصوصاً قد أبعدنا القيم الإسلامية عن فكر الناشئة وأبعدناها تبعاً لذلك عن الفكر الجمعي العام لمجتمعاتنا، ولذلك صار الجيل الجديد من أبنائنا لا يربط بين القيم الإسلامية والتنمية ولا يربط بين القيم الإسلامية والحضارة ولا يربط بين القيم الإسلامية والعالم المعاصر!!.
أخذ تعليمنا من الدين الإسلامي الجانب الفقهي التعبدي وهو مهم جداً بلا شك!، ولكننا في المقابل لم نذكر أبداً، أو قل ذكرنا قليلاً أو على استحياء أحياناً أن الإسلام شامل لكل مناحي الحياة، أو ذكرنا ولكن لم نقل كيف!! وفوق ذلك هناك قيم كثيرة لم نتطرق إليها في إطارها الإسلامي مثل: قيمة حماية البيئة والحفاظ على الطبيعة، وقيمة الرعاية للحيوان، وقيمة الحوار والمجادلة بالحسنى، وقيمة دور المرأة في المجتمع، وقيمة العدل، وقيمة الخلافة في الأرض وما تتحمله من مسؤولية أخلاقية نحو الآخر وعلاقات إنسانية وإحسان إلى الخلق.. وغيرها كثير من معالم هذا الدين العظيم، وشواهدها لا تُحصى من كتاب الله ومن السنة المطهرة.
ومن بعد هذا التغييب والإخفاء غير الواعي الذي جاء أحياناً بحسن النية وجهل بالمنهج جاء الغرب أخيراً ليقول لنا ولأبنائنا بالخط العريض: إن القيم التي جاء بها قيم جديدة يجب أن ندرسها ونعيد ترتيب حياتنا بناء عليها، لأنه ليس لنا سابق عهد بها!!.
هل القيم الإسلامية حماية للمجتمع مما هو فيه من التطرف والمصادمات التي تمتد وتتطور لتصل إلى الإرهاب؟ أو أنها تساعد عليه في نهاية الأمر، كما يدعي بعض من يظنون أن حل المشكلة يأتي من إضعاف المناهج الدينية أو حذفها وإضعاف وتقليص المؤسسات الإسلامية؟!.
يقدم الإسلام نفسه من خلال نصوصه الكثيرة على أنه رسالة للناس جميعاً وأن فيه مصلحة البشر، ومن هذا المنطلق يغدو بدهياً لنا أن هذا الدين حام للمجتمع، وكلما زاد الوعي الديني والثقافة الإسلامية الصحيحة زاد أمن المجتمع وقلت جرائمه وخوفه، ولست أعتقد أن شخصاً أبعد عن الإرهاب والظلم من شخص فهم الإسلام بصوره صحيحة ودقيقة كما هي قيمه الحقيقية، والتزم بها.
تأملت هذا التأمل، وتداعت هذه الأفكار في ذهني وأنا في مدينة تطوان شمال المغرب للمشاركة ولحضور ندوة عن (القيم الإسلامية ومناهج التربية والتعليم) اشترك في عقدها منظمة الإيسيسكو مع المدرسة العليا للأساتذة في تطوان والمعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن. جمعت هذه الندوة مجموعة من المفكرين والتربويين من بلاد عربية شتى! واطلعت خلال الندوة على قسم صغير للبحث العلمي في مدرسة الأساتذة العليا في تطوان، وهي معهد يؤهل المدرسين في المرحلتين المتوسطة والثانوية.
قدم هذا القسم المعني بالبحث العلمي منهجاً اطلعت فيه على جهد رائع وعمل دؤوب سر خاطري، وهو تصميم منهج للتربية الإسلامية أبرز الجوانب والقيم الإسلامية التي غيبناها نحن في مناهجنا كما ذكرت.
ذكر لي أخونا الدكتور خالد الصمدي المنسق العام للجنة بناء مناهج التربية الإسلامية أنه وزملاءه أعدوا استفتاء طريفاً لطلاب المدارس لديهم وسألوهم في أسئلة كثيرة عن العلاقات الذهنية التي ترد في أذهانهم عند ورود كلمات مثل الإسلام والإيمان، فذكروا أشياء كثيرة تتعلق بالفقه وأحكامه والتوحيد وأقسامه ونحوها.. ولم يربطوا أياً من هذه الكلمات بموضوعات الحياة العملية المعاصرة!.
ثم أعادوا السؤال بطريقة أخرى، وهي أن قدموا كلمات مثل التنمية والمجتمع والأسرة.. فلم يربطها التلاميذ بالإسلام أو الإيمان، بل ربطوها بالمؤسسات المدنية والأنظمة المدنية وقطاعات الدولة..! فتبين مما ذكرته آنفاً وجود هوة بين القيم الإسلامية وقيم الحياة المعاصرة التي نعيشها كل يوم في عقول هؤلاء التلاميذ. فلا غرابة إن قلنا لماذا يؤمن بعض الناشئين من الشباب بضعف دور الفكر الإسلامي في الحياة الحاضرة!.
أعاد هؤلاء الشباب المغاربة الرائعون تصميم منهج يعتمد على إعادة توزيع القيم الإسلامية والمزج بين الفقهي والاجتماعي والخلقي ليصبح عرض الإسلام عرضاً لمنظومة واحدة غير مفرقة وغير مشتتة، فيتعلم الناشئ والطفل أن قيم الإسلام لها علاقة بالحياة والمشكلات المعاصرة، وأن الإسلام ليس ديناصوراً محنطاً في متاحف التاريخ.
صارت النتيجة شيئاً يشبه أن يدرس الطفل لدينا نظام الأسرة مقروناً بالطلاق وأحكامه، وخلافة الإنسان في الأرض وإصلاحها مع ظاهرة التلوث والتوازن البيئي، ويدرس العبادات مع الترابط الاجتماعي والتكافل الأسري والعلاقات الاجتماعية، ويدرس الزكاة مع النظام الاقتصادي العالمي والربا، ويدرس عدالة التشريع وحكمته مع مقاصد الإسلام في حفظ الضرورات الخمس.. هذه أمور هي من الأهمية في مكان القطب من الرحى.
يجب أن تربط دراستنا لقيم الإسلام وعرضنا لها بخطط الدولة ومقاصدها وأهدافها الاجتماعية وخططها التنموية؛ لأننا لا نزال نعامل المواد الشرعية بتأثير من مجتمعنا الريفي القريب العهد الذي تحكم البساطة أكثر شؤونه وربما كان كثير من مسائل الفقه ونوازله التي تقرأ في الكتب قليلة الحدوث، أما الآن في هذا العصر، صارت الشريعة نفسها موضع السؤال وموقع التساؤل، وجدّت أمور وأمور من أمور المجتمع المعاصر يجب أن يفتح المسلم المعاصر عينه عليها!!.
قد تبدو هذه المطارحة الفكرية ذات نصيب كبير من المبالغة في التصور، ولكن من رأى أبناء الجيل الجديد من العرب والمسلمين في بلادنا وفي الغرب ومدى ثقافتهم وصلتهم بجذورهم الفكرية وأن معرفتهم ليس لها جذور عميقة ضاربة في التاريخ الإسلامي وحضارة الإسلام بوجه خاص والحضارة الإنسانية بوجه عام، عرف أن هذا المنحى من التفكير القديم المحدود في عرض قيم الإسلام منحى خطير، وله أثر سلبي كبير على مستقبل الناشئة ووعيهم وهوية الجيل القادم الحضارية والدينية بصورة عامة.
فهل تأخذ الجهات التعليمية والتربوية هذا في الاعتبار؟.


* المدير العام للمركز الثقافي الإسلامي في لندن

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved